فور اقترابه من الجنود المتركزين على بعد أمتار من الساتر الترابي الذي شيدته تونس لحراسة حدودها مع ليبيا، يخفض الفاضل الحمروني أحد أهالي الجنوب الذين يقتاتون من التهريب من سرعة سيارته المحملة بالبضائع، تفاديا لردّ فعل مسلح قد يتسبب في موته.

يصعد جندي تونسي برتبة عريف إلى الصندوق الخلفي للسيارة قبل مطالبة سائقها بإنزال عدد من الصناديق. لم تستغرق عملية التفتيش أكثر من 10 دقائق، ثم يسمح الجنود للسيارة بالمرور بعد التأكد من عدم وجود أسلحة أو مخدرات مدسوسة فيها.

فور اقترابه من الجنود المتركزين على بعد أمتار من الساتر الترابي الذي شيدته تونس لحراسة حدودها مع ليبيا، يخفض الفاضل الحمروني أحد أهالي الجنوب الذين يقتاتون من التهريب من سرعة سيارته المحملة بالبضائع، تفاديا لردّ فعل مسلح قد يتسبب في موته.

يصعد جندي تونسي برتبة عريف إلى الصندوق الخلفي للسيارة قبل مطالبة سائقها بإنزال عدد من الصناديق. لم تستغرق عملية التفتيش أكثر من 10 دقائق، ثم يسمح الجنود للسيارة بالمرور بعد التأكد من عدم وجود أسلحة أو مخدرات مدسوسة فيها.

دون إرشاده إلى الطريق التي سيسلكها من أجل العبور إلى التراب التونسي يواصل الفاضل قيادة سيارته دون ارتباك أو خوف من مطاردة أمنية قد تعطل رحلته، ثم يحدّق في مرآة سيارته الخلفية مبتعدا عن الجنود الذين يواصلون عملية تفتيش السيارات الأخرى.

توقيت حراسة ملائم

الفاضل شاب تونسي تجاوز عقده الرابع وهو واحد من بين آلاف أهالي الجنوب التونسي الذين يعتمدون على جلب السلع من ليبيا لتوفير لقمة العيش ومجابهة الفقر بمناطقهم المحرومة التي تعاني من غياب التنمية والمشاريع الاستثمارية وارتفاع معدل البطالة والفقر.

يغادر هذا المهرب يوميا مدينة مارث بمحافظة قابس (470 كلم جنوب شرق تونس) بعد منتصف النهار رغم حرارة الطقس التي تبلغ أحيانا 50 درجة متجها نحو ليبيا، وتستغرق رحلته قرابة الساعتين قبل أن يتخطى الحدود التونسية الليبية عبر منافذ تحت الحراسة.

سبب قيامه برحلاته المضنية في هذا التوقيت هو أن عدد دوريات الأمن وحرس الحدود الذين يعملون على التصدي للتهريب على طول الساتر الترابي مع ليبيا يتقلص نوعا ما، فضلا عن أن التوقيت مخصص لتغيير أعوان الحراسة مما يساهم في عدم إيقاف السيارة أكثر من مرة.

غير أنه على طول الطريق الرابط بين مدن الجنوب والحدود التونسية الليبية تخضع سيارات التهريب لإجراءات تفتيش يصفها الفاضل بالروتينية وغير المؤثرة على طبيعة العمل في الأسواق الموازية لأنه “نادرا جدا ما يحجز الأمن بضائعنا كالبنزين والسلع الاستهلاكية”.

يقول الفاضل إن رجال الأمن يدققون يوميا في هويات السائقين ومرافقيهم بحثا عن عناصر إرهابية قد تتعمد الهروب من تونس بمساعدة المهربين، مضيفا أنهم لا يتهاونون البتة في حجز السجائر المهربة في حالة تجاوز الكمية مائتي علبة بسبب تحذيرات وزارة التجارة.

قبل وصوله إلى معبر رأس الجدير الحدودي المحاذي لحدود ليبيا ينحرف الفاضل بسيارته إلى مسلك صحراوي في قرية “التوي” ويتوغل في طريق وعرة بات يألف ممراتها المؤدية إلى الشريط الحدودي، أين خضعت سيارته للتفتيش من قبل عناصر الجيش قبل السماح له بمتابعة طريقه.  

يشعل الفاضل سيجارة ويأخذ نفسا عميقا قبل التوجه إلى معبر غير رسمي بعيدا عن معبر راس الجدير لم تطله أشغال الساتر الترابي الفاصل بين البلدين. وقد ترك هذا الممر مفتوحا لتسهيل مرور جزء من التجار والمهربين وتسهيل حركة رعاة الإبل في الحدود.

يتجاوز هذا المهرب نقطة العبور إلى ليبيا لكن من دون ختم جواز سفره من قبل حرس الحدود كما هو معمول به في المعابر الرسمية ذلك أنهم يدركون جيدا أنه سيعود سريعا محملا سيارته بالبنزين قصد ترويجه في الأسواق الموازية في مدن الجنوب التونسي.

السلطات قررت ترك منافذ

وعن سبب ترك منافذ كهذه يمر بها مهربون تحت حراسة الجيش والأمن يقول محافظ شرطة ببن قردان لموقع “مراسلون” إن الساتر الترابي غير متسلسل لأن السلطات التونسية قررت ترك منافذ غير رسمية خاضعة لمراقبة الجيش والحرس لتسهيل التجارة.

وبرر قرار السلطات السماح لمهربي الجنوب الذين يقتاتون من بيع السلع التي يجلبونها من ليبيا بمخاوف الحكومة من تفجر تحركات احتجاجية في الجنوب الذي يعيش أهله بالأساس من تجارة السوق الموازية التي تتغذى من السلع والمحروقات المهربة من ليبيا.

وفور انطلاق أشغال تشييد الساتر الترابي الذي يمتد من معبر راس الجدير بمدينة بن قردان إلى معبر الذهيبة الحدوديين مع ليبيا شهدت مدينة بن قردان تململا في صفوف التجار والمهربين خوفا على تعطيل تحركاتهم والإضرار بمصالحهم التجارية.

وقد تسبب الساتر ببادئ الأمر في شلّ عبور سيارات المهربين لكن السلطات التونسية سارعت فيما بعد لتقنين عمليات تهريب بعض السلع من ليبيا عبر ترك منافذ تحت الحراسة العسكرية والأمنية لعبور التجار والمهربين مقابل الحفاظ على السلم الاجتماعي في الجنوب.

ولا يعتبر محافظ الشرطة ببن قردان أن هذه الإجراءات الاستثنائية لفائدة المهربين ستؤثر على الأمن القومي التونسي أو ستزيد في تنامي ظاهرة الإرهاب “طالما أن السيارات تخضع للتفتيش المستمر من قبل الجيش والحرس قبل عبور الممرات وبعده”.

ويقول “أغلب المهربين العاملين في مجال البنزين مسجلين لدى المصالح المختصة التي تأكدت من عدم ارتباطهم بتنظيمات إرهابية واقتصار نشاطهم على التجارة الموازية. هؤلاء لا يترددون في الاتصال المباشر بالجيش والحرس للإبلاغ عن أشياء مريبة تقع في الجانب الليبي”.

مهربون ضد الارهاب

وحسب نفس المصدر يندرج هذا “التعاون” بين الأمن والمهربين في إطار تطوير منظومة الاستخبارات التونسية وتنشيط “شبكة المخبرين”. ويقول “المهربون في هذه المنطقة أعيننا المتقدمة لرصد تحركات الإرهابيين نظرا لاستحالة وضع جنود وأعوان حرس على طول الشريط الحدودي”.

ويؤكد لموقع “مراسلون” بأن “عددا من المهربين ساهموا خلال الأشهر الأخيرة في إحباط عمليات إدخال أسلحة إلى تونس عبر الصحراء كانت ستستعمل ضد قواتنا والسياح مقابل السماح لهم بتمرير شحنات من السلع المهربة”.

ويرى هذا المسؤول الأمني بأنه لا يمكن القضاء على عمليات التهريب خلال هذه الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد، “فنشاطهم يوفر موارد رزق أكثر من 3 آلاف عائلة في الجنوب التونسي ستتمرد ضد أي قرار يمس لقمة عيشهم”.

وحسب رايه فإن التصدي للسوق الموازية وتأثيراته على الاقتصاد التونسي يجب أن يكون بضبط استراتيجيات على المدى المتوسط والبعيد، تفاديا لوضع الأمن في مواجهات مباشرة مع التجار بسبب قرارات اقتصادية فورية.

تقلص رحلات التهريب

بعد التبضع في ليبيا وملء سياراته بالسلع المهربة أو التزود بالمحروقات يعود الفاضل الحمروني أدراجه إلى تونس عابرا الممرات المحروسة المخصصة إلى المهربين من دون ختم جواز سفره كالعادة.

ورغم ذلك لا ينفي الفاضل أن الساتر الترابي أثر نسبيا على نشاط التهريب، “فقد تقلصت الرحلات من 3 إلى رحلة واحدة في اليوم. لكننا أصبحنا مألوفين لدى الجيش الذي يسمح لنا بالعبور إلى ليبيا عبر الصحراء دون أي إجراءات رسمية رغم الأوضاع التي تعيشها البلاد”.

ويضيف “لا يوجد تواصل مباشر بيننا أو اتفاقيات مع الجيش أو الأمن لكن تشديد الإجراءات بعد السادسة مساء يدلّ على ضرورة التزامنا بإلغاء رحلات التهريب ليلا. لقد حددوا لنا أوقات التهريب والبضائع المسموح لنا بنقلها والمسالك التي لا يجب أن ينحرف المهرب عن مسارها”.

ويعتبر الفاضل من الصنف الأول من المهربين، وهو صنف يعمل بعيدا عن المعبرين الرسميين (رأس جدير وذهيبة) بطرق “شبه قانونية”. وبضائعهم تتمثل في البنزين والسجائر التي يرفض أعوان الحرس الديوانة مرورها من المعابر الرسمية الخاضعة لإشرافهم. يتنقلون بحرية بين البلدين شرط عدم انخراطهم في الإرهاب وتهريب الأسلحة.

أما الصنف الثاني يفضل المرور عبر المسالك الرسمية وإخضاع بضائعه لضرائب ديوانية “رمزية”. وينشط هؤلاء في مجال جلب المواد الاستهلاكية والالكترونية. لا يعتمدون على وسطاء لشراء السلع. يتوجهون مباشرة إلى القرى الليبية القريبة جدا من الحدود التونسية، خوفا من الأوضاع الأمنية التي تشهدها العاصمة طرابلس.