تقول م. ن. والدة الطفلة أسيرم ذات التسع سنوات إن ابنتها تغيرت كثيراً منذ بدأت تسمع أصوات القصف، حيث تكررت عندها حالة التبول اللاإرادي عند تعرضها لأبسط خوف أو انفعال، إلا أن حملة الدعم النفسي التي جالت مدارس مدينة زوارة شهر مايو الماضي واختتمت منتصف يونيو، ساعدت أسيرم في السيطرة على انفعالاتها.

تقول م. ن. والدة الطفلة أسيرم ذات التسع سنوات إن ابنتها تغيرت كثيراً منذ بدأت تسمع أصوات القصف، حيث تكررت عندها حالة التبول اللاإرادي عند تعرضها لأبسط خوف أو انفعال، إلا أن حملة الدعم النفسي التي جالت مدارس مدينة زوارة شهر مايو الماضي واختتمت منتصف يونيو، ساعدت أسيرم في السيطرة على انفعالاتها.

تقول الأم “تلقيت اتصالاً ذات يوم من المدرسة بأن أحضر ومعي ثياب نظيفة لابنتي، لأنها أصيبت بتبول لا إرادي من الخوف، واتجهت مسرعة لأجدها في حالة هستيرية خائفة وتبكي، ومنذ ذلك اليوم تكررت معها هذه الحالة، وقد أصيبت بحرج كبير لدرجة أنها امتنعت عن الذهاب إلى المدرسة لفترة”.

أثر إيجابي

حاولت الأم معالجة ابنتها وعرضتها على ذوي الاختصاص في المدينة وهم قليلون جداً، إلى أن سمعت بحملة الدعم وحرصت على أن تشارك ابنتها فيها، “وجدت التجاوب والراحة يتضح عليها من اليوم الأول” تقول الأم.

وهكذا أصبحت أسيرم تشارك في كافة النشاطات التي تقيمها الحملة حتى في مدارس أخرى، ما أثر إيجابياً على سلوكها وساعدها في التخلص من الاضطراب الناتج عن الخوف من أصوات السلاح والقصف الجوي، الذي ازدادت حدته بعد الحرب الأخيرة على أطراف المدينة والقصف الجوي على بعض المواقع من قبل طائرات تابعة للفريق خليفة حفتر مدعومة من مجلس النواب بطبرق.

مازيغ وتالا وإرنا ومحمد وأمسناو أطفال تحدث معهم “مراسلون” خلال زيارته لمكان الحملة، وكانو سعداء بالتعبير عن استمتاعهم وانسجامهم في النشاطات المختلفة، وعرضوا لوحتهم الجماعية التي رسموا ووضعوا بصماتهم وكتبوا عباراتهم التذكارية عليها، وطلبو التقاط صور تذكارية لهم.

إسعاف نفسي

تزامناً مع الظروف الراهنة المتأزمة والصراع السياسي الذي تشهده ليبيا منذ 2011، وماخلفته الحرب من أضرار بشرية ومادية ونفسية لا سيما على الأطفال الذين شاعت بينهم تداعيات نفسية سلبية، بادر مجموعة من المختصين والمسؤولين للقيام بحملة دعم نفسي لأطفال المدينة.

طارق المنصوري رئيس قسم النشاط بمكتب تعليم زوارة يؤمن بأن حماية الأطفال في زمن الحرب مبدأ يكرسه القانون الدولي الإنساني ويلزم به الدول والأطراف المسلحة، وبموجبه يحظى الأطفال بصفتهم مدنيين بالحماية، و تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977 على سلسلة من القواعد التي تولي للأطفال حماية خاصة، أهمها الدعم النفسي ، “ومن هذا المبدأ وافقنا على الفور على فكرة إقامة حملة دعم نفسي لأطفال المدينة”.

صاحبة الفكرة الأخصائية النفسية نعيمة القندوز تعتبر أن الدعم النفسي للأطفال في الأزمات هو نوع من الإسعافات الضرورية، وعليه اقترحت فكرة تكوين الفريق المكون من “أخصائيين نفسين، أخصائيين اجتماعيين، أعضاء من قسم النشاط بمكتب التعليم، أساتذة رياضة، أساتذة رسم، ومجموعة من قادة وأعضاء كشافة زوارة، بمشاركة إدارات المدارس ومُعلميها”.

هروب وعزوف

القندوز التي تحمل دبلوم دراسات عليا في الدعم النفسي، تفهم جيداً معنى أن يشهد طفل قصفاً حربياً وهو في مدرسته بعيداً عن أهله، “ولأنني شاهدت حالات هروب الأطفال من المدارس وحالات الهلع التي تعرضوا لها، أدركت حينها أن كل هذا يحتاج إلى جهد كبير لطمأنة هؤلاء الأطفال من جديد”.

المنصوري قال لـ”مراسلون” إن أكثر ما شجع قسم النشاط بمكتب التعليم لتبني الحملة هو الشكاوى الكثيرة التي تلقاها من عزوف الطلبة عن الذهاب إلى المدارس وخاصة في فترة الامتحانات، “نحن ندرك مدى خطورة هذا الأمر”.

المرحلة الأولى

يشرح القائد الكشفي إيهاب الأعور لـ “مراسلون” المرحلة الأولى من الحملة بأنها قائمة على زيارات ميدانية لكل مدارس المدينة، وبعد تجميع الطلبة في المدرسة يتم تقسيمهم إلى مجموعات يقوم كل منها بأداء أنواع مختلفة من النشاطات والاختبارات الذهنية تحت إشراف الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، الذين يقومون بتسجيل الملاحظات أولاً بأول، ثم تبدأ مرحلة الأنشطة الترفيهية من رسم ورياضة وأغانٍ للأطفال وكل ما يروح عن أنفسهم.

من خلال هذه الاختبارات ومع ملاحظات الأهالي والمعلمات المسبقة، يتم التعرف على الحالات المرضية وحالات الاضطراب الواضحة، مثل حالات التبول اللاإرادي وحالات الفزع الليلي والعزوف الاجتماعي، بحسب القندوز هذه الحالات لا بد من اكتشافها وعلاجها قبل أن تتطور وتصبح حالات مرضية مستديمة.

الجميع مرحب به

ما يجعل الحملة أكثر قيمة بحسب القائد الكشفي فتحي الشايب من مفوضية كشاف زوارة، أنه تم دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في النشاطات من خلال يوم مفتوح حدد في نهاية الحملة “فهم أكثر حساسية، وتعرضوا لإيذاء اكبر جراء الحرب، وجمعهم سوية اردنا منه أن نخلق حالة من تقبل الآخر تجاههم، ومن باب غرس مبدأ أن لكل منا دور يجب أن يقوم به، والعمل على بناء جيل سليم وقادر على العطاء وبناء الدولة” يقول الشايب.

ومن ضمن من شاركو باليوم الختامي الذي سمي “مهرجان الطفولة” أيضاً مجموعة من الأطفال الأيتام، الذين ترعاهم مؤسسة مستقبل أبنائنا، حيث يروي وسام شلغم نائب رئيس المؤسسة “رحبنا بالفكرة وسعدنا بها، فنحن لدينا بعض الأطفال الانطوائيون بسبب وضعهم الاجتماعي، وقد تغيرت أفعالهم وتصرفاتهم بسبب الحرب، وأصبحت ميولهم حربية حتى في مصطلحاتهم واختيار ألعابهم، وقد سجلنا هذه الملاحظات من خلال مراقبتهم المستمرة، ونأمل من هذا النشاط أن يساعد في تغيير هذا السلوك”.

زوارة لا تنسى خصوصيتها كمدينة أمازيغية أبداً، لذلك كان تعلم اللغة الأمازيغية حاضراً في كرنفال الأطفال، وذلك من خلال دمج الأطفال في ألعاب ومسابقات تتعلق بتعلم اللغة بطرق حديثة، تساعد كذلك في قياس سرعة البديهة والترويح عن الأطفال من النظام التقليدي، وذلك حسب ما قالت وئام جبارة مساعدة رئيس مكتب تعليم الدراسات الأمازيغية، والتي تشارك في مهرجان الطفولة وتشرف على هذا الجانب.

الكبار أيضاً

خامس البوسيفي عضو جمعية الهلال الأحمر بزوارة قال لـ”مراسلون” إن الجمعية لديها خطط مستقبلية لمثل هذه الحملات تشمل الأطفال والفئات العمرية الأكبر، “فالجميع يحتاج الدعم” يقول البوسيفي.

الحملة بحسب المنصوري تضمنت محاضرات توعوية للمعلمين بشأن كيفية التعامل مع الطلبة واستيعابهم خاصة من يعانون القلق والاكتئاب والخجل، أما القندوز فتؤكد أنه سيكون هناك مرحلة اخرى لدعم الأسر في المدينة، ” نحن بصدد إعداد حملة توعوية للأمهات والأسر، فالطفل يستنبط معظم سلوكه وشخصيته من أمه، فإذا ما تحلت الأم بالشجاعة فالطفل سيتشجع منها”.

القندوز عبرت عن ارتياحها لأن عدد الحالات المتقدمة والتي احتاجت لعلاج نفسي مكثف كانت أقل من المتوقع بكثير، ولكن هذا لا يمنع برأيها ضرورة وجود مركز دعم نفسي متخصص للأطفال والنساء والشباب من فئة المصابين والجرحى والمحاربين.

“وأيضا بدلاً من أن نقدم ورش عمل ميدانية فقط، نقوم بإعداد جيل من أساتذة متخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع ليكونوا كوادرثابتة في المدارس وكل الأماكن الحيوية” تتمنى القندوز.