في رد فعل سريع على العمليات المسلحة والاغتيالات التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية  خرجت الحكومة المصرية برئاسة المهندس إبراهيم محلب بقانون “مكافحة الإرهاب” الذي أثار حالة من الاعتراض بين منظمات المجتمع المدني، ونقابة الصحفيين على وجه الخصوص.

في رد فعل سريع على العمليات المسلحة والاغتيالات التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية  خرجت الحكومة المصرية برئاسة المهندس إبراهيم محلب بقانون “مكافحة الإرهاب” الذي أثار حالة من الاعتراض بين منظمات المجتمع المدني، ونقابة الصحفيين على وجه الخصوص.

وشهدت مصر خلال شهر رمضان  (بين 20 حزيران/يونيو و19 تموز/يوليو الماضي) عددا من العمليات المسلحة استهدف أبرزها في آخر شهر حزيران/يونيو موكب النائب العام هشام بركات أثناء خروجه من منزله بضاحية مصر الجديدة بتفجير سيارة مفخخة.  الرجل الذي سبق وأن أحال آلاف الإسلاميين إلى المحاكمة بعد الاطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي منذ نحو عامين، وصدرت أحكام بالإعدام على مئات منهم.

وتلا اغتيال بركات بيومين يوم دام في سيناء أسفر عن مقتل سبعة عشر جندي وما لايقل عن مائة من العناصر المسلحة بحسب بيان القوات المسلحة.

يد العدالة..مغلولة

“يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين وإحنا مش هنستنى على ده” هذا ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء مشاركته فى تشييع جثمان النائب العام، فالرئيس يرى أن هذا الوضع يجب تغييره.

وأضاف: “احنا هنعدّل القوانين اللي تخلينا ننفذ القانون والعدالة في أسرع وقت ممكن”.

بعدها، أوضح السيسي أن هذا لا يعني عدم احترام القوانين. “احنا هنحترم القانون بس هنخلي القانون قانون يجابه ده”. ثم توجه بحديثه للقضاة مؤكدًا: “احنا بننفذ قانون.. هتصدر حكم باﻹعدام هيتنفذ حكم اﻹعدام”.

من يدفع الثمن؟

عقب تصريحات السيسي سارعت الحكومة في مطلع الشهر الجاري إلى المصادقة على مسودة قانون مكافحة الإرهاب ورفعته إلى مجلس القضاء الأعلى (جهة استشارية غير ملزمة). ووافق مجلس القضاء بدوره على مشروع القانون باستثناء بعض المواد التي دعا إلى تعديلها، أبرزها تلك المتعلقة بإنشاء محكمة مختصة للنظر في قضايا الإرهاب.

ويتضمن القانون عددا من المواد الإشكالية، منها مادة تنص على عدم مساءلة القائمين على تنفيذ أحكام قانون الإرهاب إذا استعملوا القوة في تطبيقه.

المحامي الحقوقي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، كريم عبدالراضي، يرى أن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي بأن” يد العدالة مغلولة” ليس له معنى الا أن الدولة تستهدف من القانون الجديد مزيداً من القمع الذي سيطال المجتمع بكافة تياراته السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام التي تعمل باستقلالية بعيداً عن إملاءات الدولة وأجهزتها الأمنية، وسيكون الجميع عرضة للملاحقة الأمنية بموجب هذا القانون. مؤكداً ان القانون “يكرس لحالة طوارىء دائمة غير ملعنة”.

ويتوقع عبدالراضي من ناحية أخرى المزيد من الإفلات من العقاب لرجال الأمن الذين سيتورطون فى قتل مزيد من المواطنين أثناء القبض عليهم بدم بارد دون حكم قضائي مثلما حدث في عدة وقائع خلال الأسابيع الأخيرة.

قضاء استثنائي

أنشأ واضع القانون محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب، ووضع نظام قضائي استثنائي لعمل تلك المحاكمة، وطريقة الطعن على أحكامها.

مدير مركز “الحقانية لحقوق الإنسان” محمد عبدالعزيز، يؤكد أن مشروع القانون يرسخ لنظام المحاكمات الاستثنائية على غرار “محكمة أمن الدولة العليا طوارئ”، كما أنه يعمد إلى تعديل النظام القضائي الجنائي فيما يخص الجرائم الإرهابية.

“فعلى الرغم من أن المحكمة منشأة بقانون ويحدد نظام عملها المجلس الأعلى للقضاء، إلا أن إجراءات العمل بها والطعن على أحكامها تخل إخلالًا جسيمًا بالحق في محاكمة عادلة ومنصفة، وكذا بضمانات الدفاع”.

فى السياق ذاته أكد عبدالعزيز أن مشروع القانون احتوى على استثناء آخر من قانون الإجراءات الجنائية، فقد أهدر درجة من درجات التقاضي أمام محكمة النقض. فبموجب المادة 52 يمكن الطعن أمام محكمة النقض مرة واحدة وتقوم بالفصل في موضوع الدعوى.

هذا الاستثناء لا يكتسب خطورته فقط في تفويت درجة من درجات التقاضي فحسب، بل مكمن الخطورة هو فرض عقوبة الإعدام مما يعني سرعة تنفيذ تلك الأحكام دون دراسة موضوع القضية بشكل مستفيض. وهي إحدى المواد التي أعترض عليها أيضا المجلس الأعلى للقضاء.

نصوص فضفاضة

تبرز أكبر مشكلات القانون في تعريف العمل الإرهابي نفسه (المادة الاولى بند ٧) والذي انطوى على تعريفات مطاطة مثل الإخلال بـ”النظام العام” و”السلام الاجتماعي” و”الوحدة الوطنية”.

ومثل هذه التعريفات بحسب خبراء يسهل استخدامها ضد أي شخص، وهو ما يعد مخالفة للمادة 95 من الدستور. كما أن الفقرة الثانية من البند نفسه قد اعتبرت العمل الإرهابي “هو كل سلوك يرتكب بقصد تحقيق أحد الأغراض المبينة بالفقرة السابقة”.

عبدالراضي يؤكد أن الهدف وراء هذه الصياغة هو الرغبة في توسيع تعريف العمل الإرهابي ليشمل “كل سلوك” ولم تشترط الفقرة الثانية أن يكون هذا السلوك عنيفًا، وهو ما يعني أنه حتى إذا كان هذا السلوك سلمي كتسيير المظاهرات أو كتابة المقالات أو عقد المؤتمرات، فمن السهل اعتبارها عمل إرهابي إن رأت الجهات المعنية أنها تضر بــ “الأمن القومي أو السلام الاجتماعي”.

يضيف عبدالراضى أن المادة نفسها أعتبرت أن العمل الإرهابي يتحقق عن طريق “تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح” وهو بذلك يضع كافة المطالبين بتغيرات دستورية أو قانونية تحت طائلة القانون، ونعتهم بالإرهاب.

مثالًا على ذلك، الدعوات الرافضة لقانون التظاهر التى قامت بها قوى سياسية وحركات شبابية، بل والمجلس القومي لحقوق الإنسان، فمن الممكن أن يتم تفسيرمثل هذه التحركات على أنها محاولة لتعطيل القانون.

تطبيق الطوارئ

وفيما يعد عصفا بسيادة القانون أجاز المشروع بموجب المادة 54 لرئيس الجمهورية إعلان حالة طوارئ مقنّعة تحت مسمى “أخطار الجرائم الإرهابية أو الكوارث البيئية” لمدة لا تجاوز 6 أشهر يجوز تجديدها لمدد أخرى بعد موافقة أغلبية البرلمان.

وفى بيان رسمي للمنظمات الحقوقية الرافضة لمشروع القانون أكدت “على رفضها العبث بدولة القانون والالتفاف على الدستور باستخدام تخريجات لفظية لإعلان حالة الطوارئ دون التقيد بأحكامه، وما يؤكد هذا الالتفاف ما أتاحته المادة 51 لرئيس الجمهورية من إمكانية إصداره قرارا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها”.

إن هذا النص بحسب بيان المنظمات الحقوقية يخالف المادة 154 من الدستور التي لم تجز لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ إلا لمدة لا تجاوز 3 أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، وذلك بعد موافقة أغلبية أعضاء البرلمان.

تكميم الأفواه

أضاف مشروع القانون العديد من القيود على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة. فقد اعتبرت المادة الأولى بند 8 من ضمن وسائل تمويل الإرهاب “الإمداد ببيانات أو معلومات بأي وسيلة بما في ذلك الشكل الرقمي أو الالكتروني”.

وبالنظر إلى هذا التعريف لـ”العمل الإرهابي” يمكن من خلاله إيقاف نشاط منظمات حقوقية وصحف ومواقع إخبارية قد لا ترضى الدولة عن أدائها.

الكاتب الصحفي وعضو مجلس نقابة الصحفيين خالد البلشي قال إن بعض نصوص قانون الإرهاب تقضي على المكتسبات التي حصلت عليها الصحافة عبر تاريخ طويل من النضالات، مؤكداً فى حديثه لـ “مراسلون” على أن المشكلة ليست في المادة 33 فقط، ولكن القانون يتضمن في طياته 5 مواد جميعها تنال من حرية الصحافة، وتغلق الباب أمام حرية تداول المعلومات، تحت شعار “الحرب على الإرهاب”.

ووصف عضو نقابة الصحفيين، نصوص قانون الإرهاب الجديد “بالمعيبة”، لأنها تعمل على مصادرة الهدف الأسمى لمهنة الصحافة، والذي يتمثل في نقل المعلومات للمواطنين من مصادر متعددة باعتبارها الطريق لإجلاء الحقائق كاملة من جميع وجوهها.

وفي سياق متصل أعلن المجلس الأعلى للصحافة أنه سيتجه للمحكمة الدستورية العليا للطعن في دستورية أي نص يؤدى إلى حبس الصحفيين، طالما أن هذا الأمر يتعلق بالتحريض على الإرهاب، ونشر الأخبار الكاذبة ليس تحريضا على العنف وبالتالى لا يجوز فيه حبس”.

الترويج لقانون الإرهاب

لكن في ظل الحملات الإعلامية التي تشنها الدولة للترويج لأهمية قانون الإرهاب، هل تتمكن المعارضة المدنية في وقف القانون أو على الأقل تعديل بعض بنوده القاسية؟

١٧ منظمة حقوقية ضمت صوتها لموقف نقابة الصحفيين الرافض لمشروع قانون مكافحة الإرهاب نظرًا لتعارضه مع المادة 71 من الدستور المصري، ولما يمثله هذا المشروع من إعادة للقيود التي ناضلت الجماعة الصحفية لإلغائها عبر عقود من تاريخها. كما ضمت صوتها لرأي مجلس القضاء الأعلى في رفضه لعدد من مواد القانون باعتباره يهدر حقوقًا أساسية في التقاضي وحقوق الدفاع، وإنشائه لمحكمة “خاصة” لنظر قضايا الإرهاب.

يؤكد عبدالراضي على امتلاك الدولة نقاط قوة قد تمكنها من تمرير القانون بعد تعديله بعض الشيء، ولكن القانون بصورته الحالية لن يمر لرفض قوى مجتمعية عديدة له ورفض مؤسسات مثل نقابة الصحفيين والصحف المستقلة ومنظمات المجتمع المدني، فمن المتصور إجراء تعديلات عليه قبل إصداره لاسيما فى نص المادة 33 وغيرها من المواد المتعلقة بالصحافة.

وفى السياق ذاته يرى مدير مركز “الحقانية لحقوق الإنسان” أن كافة الحملات الاعلامية التى تشنها الدولة ستسهل من تمرير القانون بشكل شعبي ولكن على مستوى المهتمين بالشأن العام لن يمر وستقابله حملات رفض كما هو حاصل الآن.