كنتُ أريد إنهاء دراستي الثانوية ودخول الجامعة. حلم حياتي كان دراسة الطب البشري. لكن من سوء الحظ أنني ترعرعت في كنف عائلة فقيرة متشردة. كنتُ أحارب الظروف للتفوق في دراستي قدر الإمكان وبالفعل كان نجاحي دائماً بدرجة الامتياز رغم المعاناة.

كنتُ أريد إنهاء دراستي الثانوية ودخول الجامعة. حلم حياتي كان دراسة الطب البشري. لكن من سوء الحظ أنني ترعرعت في كنف عائلة فقيرة متشردة. كنتُ أحارب الظروف للتفوق في دراستي قدر الإمكان وبالفعل كان نجاحي دائماً بدرجة الامتياز رغم المعاناة.

أبي كان طوال الوقت غير راضٍ عن دراستي بحكم المصاريف الدراسية. فهو يعمل في محل لبيع المواد الغذائية، راتبهُ لا يتعدى 100 دينار شهرياً، بالكاد تكفي للمأكل والمشرب. أحياناً في نهاية الشهر نعيشُ على شرب الماء وبقايا الخبز اليابس. ولدي أخت واحده إسمها “رتاج” تصغرني بسبعة أعوام وأخ واحد يكبرني بستّة أعوام.

رتاج ليس كحال أي طفل. لم تعرف الطفولة يوماً. تركت دراستها لأن أصدقاءها في المدرسة كانوا ينعتونها بالفقيرة وأحيانا بالسارقة، فهي من سرق ذات مرة المال من حقيبة معلمتها في الفصل لتشتري الحلوى والعلكة وعندما اكتشفت المعلمة ذلك أنبتها على فعلتها أمام جميع الطلاب.

منذ ذلك الوقت دخلت رتاج في حالة نفسية متأزمة. كرهت المدرسة ولم تعد تطيق حتى ذكر إسمها.

عندما صار عمرها 12 عاماً وجد لها والدي عملا في توزيع المأكولات في قاعة الافراح للنساء من الساعه 8 مساءً وحتى منتصف الليل.

مرة سألت أبي: كيف يطاوعك قلبـك بأن ترسل فتاة بهذا العمر للعمل؟ ضربني ضرباً مبرحاً لازلتُ كلما تذكرتهُ يقشعر جسدي. والدتي لم تتدخل. فابي اعتاد أن يذلها بالتهديد بالطلاق إذا اعترضت يوماً على أوامره. أما أخي، فأغلب أوقاته يقضيها خارج المنزل واحياناً لا يأتي أبداً. لا نعرف أين يذهب أو يعمل. وعندما أسئل أخي يقاطعني أبي ويقول: أتركيه يفعل ما يشاء. المهم أنه يصرف على نفسه.

وبسبب وقوفي في وجه أخطاء ابي كان تزويجي بلهجة أبي هو الحل الأنسب. قرارهُ كان كالجبال سقطت على رأسي. صحيح أن والدي قاس القلب لكني لم أتخيل أن يصل به الأمر إلى حرماني من دراستي. قال لي: أريد سترتك وتخفيف الحمل من على ظهري والاستفاده من مهر زواجك. حين اعترضت كان جواب أبي صفعة على وجهي.

  • كم عمرهِ ومستواه الدراسي؟

  • لا أعلم! لقد وافقت وأعطيته كلمتي ولست هنا لآخذ رأيك بل لإعطائك العلم فقط.

ذهبتُ لوالدتي لتساعدني إلا أنها قالت: لابد لكِ أن ترضي بقرار والدكِ. شعرتُ بأنني في مأزق كبير. أقاربي لا يعرفون حتى اسمي فكيف لي أن ألجأ إليهم؟ كان قراري الاستسلام والخضوع للزواج الذي لم أعرف عنهُ شيئاً سوى إنهُ مسؤليه كبيره.

كان زواجي من “خالد” بعد شهر. شقتهُ أفضل حالاً من بيتنا. علاقتي به كانت رسميه جداً في النهار. أخدمه وأخدم عائلته. وفي الليل كان ينهش جسدي كحيوان. كانت والدتهُ تناديني بالخادمة وهو ينعتني بالجاهلة ويسخر من عينيّ المنتفختين من الجهش والبكاء. حرمني حتى من الخروج من البيت.

وفي مرة من المرات رمى في وجهي هاتفا محمولاً ليفر الدم من أنفي.

مرت سنه على هذا الحال إلى أن سمح لي بزيارة أهلي. كنتُ كالعصفور الذي أطلق سراحهُ. سلمت على والدتي بعد اشواق. سألتها عن الحال وعن أختي رتاج  فقالت إنها تعمل في “مزين للنساء” كخادمة تقوم بأعمال التنظيف. فتاة لم تتجاوز 13 من العمر أصبحت تعمل في هذا العمل؟ كتمت صدمتي فلم يعد باليد حيلة. وما أن سألتني أمي عن أحوالي حتى انهرت بكاءً.

  • أمي أريد الطلاق من هذا الرجل فالعيش هنا أرحم من العيش هناك.

  • هذا شئ مستحيل يا بنيتي. أنتِ تعرفي ماذا سيقول الناس إذا عرفوا أنكِ مطلقة.

لم اسأل أمي ماذا سيقولون، فأنا أعرف تماما تلك الأمثال الشعبية المقيتة: “سُمعة الفتاه كالزجاجة إذا انكسرت لم ترد” و”الرجل ما يعيبه إلا جيبه”.

بعد فتره من دخولي في القفص الاسود تفاجأت بخبر حمل طفل في أحشائي من ذاك الرجل عديم الانسانية. آه كيف لي أن أنجب طفلاً في هذه الدنيا وسيعيش مأسآتي ولربما سيعيش ما هو أسوأ؟ ثم قلتُ في نفسي لربما هذا الطفل هدية من رب السماء.. لربما يغير حياتنا إلى الافضل ..

رزقني الله ولد وسميتهُ “عمر”، لربما عندما يكبر يُعمر حياتي وحياتهُ. طلقني زوجي بعدها بأربعة أشهر ولم أعد أعرف عنهُ شيئاً. لم يترك لي ولابنه أي مورد رزق نعتاش منه، في حين أن والدي يستلم مبلغ ضمان المرأه المطلقة والمنحة الذي تصرفها الدوله للأطفال ويأخذها لجيبه.

هذه قصتي منذ 4 سنوات ولازلــتُ أعيشها للآن. ولربما لست وحدي.

الكاتبة: نور الهدى عبد الحميد قاريو، 18 عاماً، من مواليد بنغازي، تكتب القصة القصيرة، حازت مؤخرا على جائزة “عبّر” عن فئة القصص الواقعية المهتمة بحقوق الإنسان في لبيبا.