التصنيف: سري. المرسل: سيدني بلومنتال (مساعد سابق للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون) وشخص آخر تم حجب اسمه لدواعٍ أمنية. التاريخ: 27 آب/أغسطس 2012. المرسل إليه: هيلاري كلنتون. الموضوع: رئيس ليبيا الجديد.  المصادر: مصادر ذات صلة مباشرة بالمجلس الانتقالي الوطني ومسؤولون رفيعو المستوى في حكومات أوروبية وأجهزة مخابرات غربية ومصادر أمنية.

التصنيف: سري. المرسل: سيدني بلومنتال (مساعد سابق للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون) وشخص آخر تم حجب اسمه لدواعٍ أمنية. التاريخ: 27 آب/أغسطس 2012. المرسل إليه: هيلاري كلنتون. الموضوع: رئيس ليبيا الجديد.  المصادر: مصادر ذات صلة مباشرة بالمجلس الانتقالي الوطني ومسؤولون رفيعو المستوى في حكومات أوروبية وأجهزة مخابرات غربية ومصادر أمنية.

المقصود بـ”رئيس ليبيا الجديد” هو الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام ما بين آب/أغسطس 2012  وأيار/مايو 2013، والذي يعتزم كما  جاء في الرسالة “استخدام سمعته وموقعه كسياسي إسلامي وقدرته على التعامل مع الجماعات المختلفة لتحقيق فوز في أول انتخابات رئاسية تشهدها ليبيا”.

وحسب ما جاء في إيميل هيلاري كلينتون (واحد من عدد من الرسائل الإلكترونية على بريد كلينتون السري والتي نشرت على موقع الخارجية الأمريكية) فإن “المقريف كان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين المصرية خلال فترة دراسته وظلَّ مخلصاً للفكر الإسلامي”.

لكنه كما عرفته زمن سنوات المعارضة في المنفى منذ عام 1997 لم يكن إسلامياً مؤدلجاً، رغم أن الإخوان كانوا يمثلون الكتلة الأقوى في “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” التي كان يرأسها (1983ـ 2001).

وعندما انشق الإخوان عن “الجبهة” عام 1993 بعد توجههم السياسي نحو مصالحة نظام القذافي والمطالبة بإصلاحه بدلاً من تغييره، أصبحوا ألد خصومه بعد القذافي. فالمقريف كان معارضاً جذرياً، متمسكاً بضرورة سقوط نظام القذافي برمته. لذا اعتبر الإخوان خونة لـ”القضية الوطنية”.

التقيت به في طرابلس، بعد التحرير، وقد صار نائباً منتخباً في المؤتمر الوطني العام. جلسنا جانباً في ركنٍ خالٍ في فندق المهاري. أراد أن يعرف تحليلي لتوجه محمود جبريل السياسي. كانت وجهة نظري أن محمود جبريل الذي يتزعم تيار  “تحالف القوى الوطنية” محاط بقيادات منشقة عن نظام القذافي بعد 17 شباط/فبراير 2011، يضمرون “ثورة مضادة”. وكان تلك وجهة نظره أيضاً كما قال.

لذلك يمكن أن نفهم تحالفه ومعه نواب الجبهة مع نواب الإخوان ونواب الجماعة الليبية المقاتلة وعدد من المستقلين. وهو التحالف الذي أمن له الفوز برئاسة المؤتمر الوطني العام.

وحسب معرفتي الوثيقة بشخصية المقريف وأفكاره فإنه بالفعل اعتبر كما جاء في الرسالة “هذا الوقت هو ذروة حياته العملية”، وذلك يتوافق وينسجم مع طموحه القديم في زعامة البلاد بديلاً عن القذافي. وقد حاول إزاحة القذافي عن الحكم بطرق شتى.

كان وراء إرسال مجموعة كومندوس من المعارضين الليبيين في الخارج في أيار/مايو 1984، تسللوا إلى طرابلس لاقتحام عرين القذافي في مقره المحصن في معسكر “باب العزيزية” بهدف اغتياله. وفشلت العملية فشلاً ذريعاً.

لجأ إلى صدام حسين لدعمه عسكرياً لأجل تشكيل نواة “قوات جيش الإنقاذ الوطني” بقيادة العقيد خليفة حفتر على الأراضي التشادية في عهد الرئيس التشادي حسين حبري عام 1986.

وفي أواخر 1990 سقط نظام حبري على يد المتمردين بقيادة إدريس دبي (رئيس تشاد الحالي) بدعم عسكري كبير من القذافي. وفرّ حسين حبري خارج تشاد ونُقل عدد كبير من الضباط والجنود الليبيين إلى أمريكا. بعدها نسق مع مجموعة من ضباط الجيش البارزين لتنفيذ انقلاب عسكري أُجهض في 12 تشرين أول/أكتوبر 1993 قبل تنفيذه بوقت قصير.

خلال سعيه الدائب لمقارعة القذافي كان لدى المقريف اعتقاد راسخ لايتزعزع بنظرية المؤامرة، محور تلك المؤامرة أن القذافي عميل للموساد والسي آي أيه وهما اللذان وراء نجاح انقلابه وتثبيت نظامه وحمايته من محاولات الانقلاب والاغتيال.

دع عنك أنه كتب كثيراً لإثبات أن القذافي من أصل يهودي. وهذا الاعتقاد الراسخ يُفسر ما نُقل عنه في بريد هيلاري كلينتون من أنه سيسعى “لبناء علاقات سرية مع إسرائيل، الحقائق السياسية في ليبيا حاليًّا تقتضي أن يتم تناول تلك العلاقة على نطاق رسمي ضيق، لكن الرئيس الجديد لليبيا يملك أصدقاء وشركاء مع زعماء إسرائيل، وينوي الاستفادة من هذا الوضع لتحسين أوضاع الشعب الليبي”.

قد يكون المقريف مضطرًا، بعض الأوقات، لإصدار بيانات ينتقد فيها إسرائيل لأهداف سياسية، لكنه يعتقد أنه وشركاءه يملكون الخبرة الكافية لمعالجة هذه القضية”.

ومن وجهة نظري أن موقف المقريف هذا مرده إلى هيمنة “نظرية المؤامرة” على تفكيره السياسي. فهو يعتقد اعتقاداً جازماً أن الوصول إلى الحكم في  البلاد العربية وضمان البقاء فيه، يعتمد على كسب رضا أمريكا ودعمها، ويتعزز ذلك بإرضاء إسرائيل، على مبدأ إن لم ترض بك إسرائيل فلن ترضى بك أمريكا.

وهو المبدأ الذي التزمه الكثير من الطغاة العرب، ومنهم  مبارك وبن علي، والقذافي في سنواته حكمه الأخيرة، عندما وثق علاقته بقيادات اليهود الليبيين في المنفى، إيطاليا تحديدا، ليكونوا وسطاء بينه وبين الحكومة الإسرائيلية.

لكن السيد المقريف فاته على ما يبدو إدراك أن فوزه برئاسة البلاد التي يسعى إليها يعتمد بشكل حاسم على رضى الناخبين. وأنه وصل إلى رئاسة المؤتمر الوطني العام عن طريق انتخابات ديموقراطية، خضعت لتحالفات وتسويات بين نواب المؤتمر في خضم سيولة سياسية وصراع آيديولوجي يحتكم إلى ميليشيات متحفزة.

فالتحالف الذي كان وراء فوزه برئاسة المؤتمر الوطني العام هو نفسه كان وراء إقرار قانون العزل السياسي الذي اضطر المقريف بموجبه لتقديم استقالته في مايو 2013.

أما السيدة هيلاري كلينتون التي اطلعت على الرسالة وعقبت عليها بالقول “إذا كانت المعلومات صحيحة فهي مشجعة ويجب التفكير في تمريرها إلى إسرائيل”، فإنه واضح من تعقيبها أنها قاصرة عن فهم حقائق الحالة الليبية بعد سقوط نظام القذافي.

حيث لم يعد من الممكن تمرير رئيس للبلاد حسب الرغبات الخارجية دون اعتبار للرأي العام والتوازنات الجهوية والقبلية والميليشاوية الداخلية، في خضم عنف فالت ودولة شبه فاشلة.