يعيش محمد ابو طالب البالغ من العمر 26 عاما في مدينة سوهاج، حيث يعمل مدربا للحاسب الالي بمركز نور البصيرة بجامعة سوهاج. وحصل على الدبلوم العام في كلية التربية جامعة سوهاج ومن بعدها حصل على الدبلوم الخاص بعد كتابة تعهد على نفسه بان يتم اختباره على الحاسب الالي دون الاعتماد على مرافق، وذلك بسبب كونه كفيف.

يعيش محمد ابو طالب البالغ من العمر 26 عاما في مدينة سوهاج، حيث يعمل مدربا للحاسب الالي بمركز نور البصيرة بجامعة سوهاج. وحصل على الدبلوم العام في كلية التربية جامعة سوهاج ومن بعدها حصل على الدبلوم الخاص بعد كتابة تعهد على نفسه بان يتم اختباره على الحاسب الالي دون الاعتماد على مرافق، وذلك بسبب كونه كفيف.

ولكن عندما تقدم أبو طالب لاستكمال دراسته العليا من كلية التربية جامعة سوهاج فوجئ برفض طلبه لأن ذلك مخالف لبند “سلامة الحواس” الذي لا يتيح للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة استكمال دراستهم العليا أو دخول الكليات العملية.

يقول ابو طالب “هاتان الكلمتان، سلامة الحواس، يشكلان أحد بنود الجامعات المصرية والتي وضعت في لوائح المجلس الأعلى للجامعات، وهي ببساطة تعني أنه كل من يتقدم في الكليات أو للدراسات العليا يجب أن يطبق عليه هذا البند وهذا البند يمنع ذوي الإعاقة بمقتضاه من إستكمال تعليمهم لأنهم بالطبع لديهم حواس ليست بالسليمة”. ويضيف “أعتذر عن الجملة السابقة لكنها هي التفسير الواضح لهذا البند الذي أراه بندا مجحفا لحقوق أعداد وفئة ليست بالقليلة في مجتمعنا المصري هي فئة ذوي الإعاقة”.

مبررات واهية

تنص لوائح المجلس الأعلى للجامعات على أن من شروط الالتحاق بالكليات ذات النشاطات العملية (التطبيقية) أن يكون سليم الحواس، أي أن يكون الطالب قادرا على أداء الجزء العملي حتى “يصلح إجتماعيا لممارسة هذه المهنة”.

فعلى سبيل المثال في كليات التربية التي تخرج معلمين يُمنع دخول ذوي الإعاقة بحجة هذا البند “فهم لا يستطيعون أن يقوموا بعملية التدريس بعد تخرجهم نظرا للإعاقة وسيكونون مثارا للسخرية أو الإستهزاء من قبل التلاميذ بالمدارس”.

الكليات النظرية التي تقبل طلاب دراسات عليا من ذوي الإعاقات الجسدية هي الآداب والتجارة والحقوق والخدمة الاجتماعية فقط. أما الكليات العملية فلا تقبل ذوي الاحتياجات الخاصة إلا في حالات بسيطة جدا مثل الحالات التي لا تؤثر على الكلام او الرؤية او التنقل بسهولة، أي إعاقات بسيطة جدا لا تتعدى نسبة 10 %.

لكن أبو طالب يقول إن كل هذه الحجج مجرد مبررات واهية ليس إلا، ويضيف “يظهر هذا البند أيضا في إلتحاق ذوي الإعاقة بالدراسات العليا في الكليات النظرية، وهو أمر مؤسف، فكيف يكون الحصول على درجات علمية مثل الماجستير والدكتوراه مقترنا بسلامة حواس من يريد الحصول عليهما”.

يطلبون مستوى اعلى من الدراسات

الدكتور فيصل الراوي عميد كلية التربية بجامعة سوهاج برر استبعاد ذوي الاحتياجات الخاصة من الدراسات العليا بان كلية التربية كلية مهنية في الاساس والطالب يتم تأهيله ليكون مدرسا ومن المفترض أن يكون مثالا نموذجيا للطلاب، فلا يمكن أن ينطق حرفا بشكل خاطيء أو أن يكون كفيفا وسط 60 طالب في فصل دراسي.

ويضيف بأن القانون رقم 155 للمعلمين اشترط للحصول على الكادر التاهيل التربوي ويتم ذلك بالحصول على دبلومة التربية العامة. ويتابع “كان لدينا مجموعة من المدرسين المكفوفين بمحافظة سوهاج في مدارس النور والامل “مدارس للمكفوفين” في حاجه للدبلومة العامة للحصول على الكادر فوافقنا على الفور وبعدها طلبوا مستوى اعلى من التعليم وهو الحصول على الدبلومة الخاصة، واشترطنا عليهم ان يكون لديهم مهارات في استخدام الحاسب الالي وتم الموافقة، على 5 طلاب نجح منهم في الحصول على الدبلومة 4 طلاب والخامس قام بتاجيل الامتحان”.

ويضيف “لكن في حالة الماجستير فإن الجامعة هنا لا تستطيع اتخاذ قرار بشأنه وهو قرار لا يملكه إلا لجنة قطاع الدراسات التربوية بالمجلس الاعلى للجامعات المصرية، وهي الجهة المخولة بالموافقة او الرفض لمن لا تنطبق عليهم الشروط والتي تتلخص هنا في بند سلامة الحواس لاستكمال الدراسات العليا”.

غير مسموح لهم

حالة أبو طالب ليست بالطبع الحالة الوحيدة. منة جابر الطالبة بكلية الاداب جامعة أسيوط كانت قد حصلت على مجموع 95% في الثانوية العامة وكانت ترغب في الالتحاق بكلية الألسنيات في القاهرة.

“اصطدمت ببند سلامة الحواس حيث أصبت منذ صغري بشلل اطفال أقعدني عن الحركة وعندما كتب رغبتي في الكلية قالوا لي في مكتب التنسيق غير مسموح لذوي الاحتياجات الخاصة الالتحاق بكليات الالسن والاعلام والاثار” تقول منة، وتتابع: “اضطررت لأن التحق بكلية الاداب ولم يُسمح لي بغير الدراسة في 3 اقسام رغم مجموعي الكبير وهم اللغة العربية والدراسات الاسلامية والتاريخ وكنت أحب أن ادرس اللغة الانجليزية”.

الدكتور عادل ريان نائب رئيس جامعة أسيوط لشؤون التعليم والطلاب قال إن الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة غير مسموح لهم التسجيل في الكليات العملية بينما يمكنهم ذلك في مجموعة محدودة من الكليات النظرية كالحقوق والتجارة والآداب.

يضيف ريان بأن وزير التعليم العالي الذي يترأس المجلس الأعلى للجامعات يصدر مرسومًا سنويًا يحدد الكليات التي يستطيع ذوو الاحتياجات الخاصة الالتحاق بها ويتم تعميم المرسوم على كل الجامعات لافتا إلى أن الكليات العملية تتطلب بعض المهارات التي ربما لا يمتلكها ذوو الاحتياجات الخاصة وليس من العدل أن نسمح لهم بالدخول لكليات نحن نعلم مسبقا أنهم أن ينجحوا بها”.

ليس لها سند قانوني

يقول المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية محمد ابو ذكري إن اللوائح الجامعية ليس لها أي سند قانوني او دستوري لافتا إلى أن الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية تلزم الدولة ممثلة في الحكومات بضمان المساواة في التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة بل وتوفير سبل اتاحة التعليم لهم بشكل يسهل عليهم اية عقبات يواجهونها.

ابو ذكري، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا، يشير إلى أن هذه القوانين محلية الصنع تشعره بالاحباط ويؤكد أنه لا يعرف الاسانيد القانونية التي تستند عليها قرارات المجلس الاعلى للجامعات المصرية لكنه يفضل اللجوء للاتفاقيات الدولية الموقعة في هذا المجال.

ويتابع “على الدولة أن لا توفر التعليم فقط وإنما أيضاً السبل إليه، وهي تشمل توفير قاعات محاضرات مؤهلة بمقاعد مخصصة لذوي الاعاقة الحركية مثلا وكتب مكتوبة بطريقة برايل للمكفوفين ومساعدين متخصصين في لغة الاشارة ايضا للطلاب من الصم والبكم كما لابد من الاستعانة بمرافقين توفرهم الجامعات ايضا في كل انحاء العالم لمن لا يستطيعون الكتابة”.

من ناحيتها تقول غادة محمد عضو الاتحاد النوعي لذوي الاحتياجات الخاصة بأسيوط “هو فقط قرار إداري حكومي بلا أسانيد قانونية أو دستورية لكن يتم استخدامه لحرمان الملايين من ذوي الاحتياجات الخاصة من حقهم في التعليم”. وتضيف أن الدستور المصري شكّل علامة فارقة في رحلة النضال من أجل ضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر. حيث تحظر المادة 53 من الدستور التمييز ضد المواطنين من ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما تلزم المادة 81 الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم وأيضًا ينص الجزء السادس من قانون الطفل على حقوق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بما في ذلك توفير فرص تعليم مساوية للطلبة العاديين وفي نفس المؤسسات التعليمية”.

تجربة نجاح بعيدا عن الحكومة

على النقيض من مخاوف لائحة قوانين الجامعات فإن هناك الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة الناجحين في حياتهم العملية.

معتز الهادي مدرب كمبيوتر بمركز تدريب محافظة أسيوط  تخرج في كلية اصول الدين بجامعة الازهر، وكان قد درس بها رغما عنه لانه كان يحب دراسة الكمبيوتر، ولكن ليس مسموحا له ككفيف ان يدرس الكمبيوتر بالجامعة.

استطاع الهادي الحصول على جهاز خاص به وبدأ بتعليم نفسه وأخذ عدد من دورات الكمبيوتر ومنحة في مجال التدريب والبرمجة ايضا. وبالفعل تم الاستعانة به كمدرب لتدريب المبصرين على برامج الكمبيوتر المختلفة، وأصبح مدربا معتمدا للتدريب على الرخصة الدولية.

يقول “مع ذلك اعمل كاداري بمدرسة الاقباط الاعدادية بمدينة أسيوط وليس مصرحا لي التدريس” مشيرا إلى أن “ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون الفرصة والرعاية الجيدة وسيظهرون قدرات غير عادية”.

في النهاية يقول محمد ابو طالب “لسنا فئة غير قادرة على التعليم والتحصيل لسنا فئة عالة على المجتمع نحن فئة قادرة على العمل والإنتاج وبشكل رائع لو أتيحت الفرصة لنا ووجد ما ييسر قيامنا بأعمالنا على أكمل وجه وأطمح في أن يلغى بند سلامة الحواس تماما ونهائيا من لوائح المجلس الأعلى للجامعات ومن لوائح الكليات المصرية كفانا تمييز وتصنيف وعنصرية وحرمان ذوي الإعاقة من أهم حقوق الإنسان وهو الحق في التعليم”.