تفوح رائحة البخور الطيبة وتتعالى زغاريد النساء وأصوات الأهازيج والغناء والموسيقى داخل منزل السيدة فاطمة التي تشرف على مراسم حفل زواج ابنتها عواطف.

في وسط منزلها بأحد الأحياء العتيقة في جزيرة جربة تقف فاطمة مرتدية أحلى حليها فيما ترتسم على وجهها ابتسامة عريضة فرحا باستقبال ضيوفها وجيرانها الوافدين.

تتوافد النساء في المساء إلى دار العروس وبعضهن حملن هدايا تراثية دأب سكان جزيرة جربة على تقديمها منذ قرون خلت خصيصا إلى العروس خلال حفل “الحجبة”.

تفوح رائحة البخور الطيبة وتتعالى زغاريد النساء وأصوات الأهازيج والغناء والموسيقى داخل منزل السيدة فاطمة التي تشرف على مراسم حفل زواج ابنتها عواطف.

في وسط منزلها بأحد الأحياء العتيقة في جزيرة جربة تقف فاطمة مرتدية أحلى حليها فيما ترتسم على وجهها ابتسامة عريضة فرحا باستقبال ضيوفها وجيرانها الوافدين.

تتوافد النساء في المساء إلى دار العروس وبعضهن حملن هدايا تراثية دأب سكان جزيرة جربة على تقديمها منذ قرون خلت خصيصا إلى العروس خلال حفل “الحجبة”.

ومن ضمن هؤلاء النساء اللاتي التحقن بالعرس، تدخل صالحة أحد جارات فاطمة وفي يديها سلة من البيض الأبيض وهي هدية تقدم للعروس جلبا للحظ وطردا للحسد.

ثمّ تتكاثر شيئا فشيئا الهدايا التي تدخل بها النسوة على غرار “العلاقة” وهي قفة مصنوعة من سعف النخيل يوضع بداخلها “البشماط” وهو خبز محمي على الفرن يقدم للعروس لتأكله بالزيت والسكر لتحافظ العروس على رشاقتها ولا تخسر وزنها.

كما توجد في قفة “العلاقة” أشياء أخرى مثل اللبان المرّ وراحة الحلقوم و”الزميطة” وهي عبارة على خلطة ممزوجة بالحبوب والتوابل وقع رحيها ثمّ تقدم للعروس كوجبة من أجل زيادة الوزن حتى تبدو جذابة.

تقول فاطمة أم العروس إن زفاف ابنتها عواطف يحافظ على أغلب خصوصيات الزواج التقليدي بجزيرة جربة، مشيرة إلى أنّ ابنتها خلال مراسم الاحتفال بزفافها تحتجب عن الأنظار في مكان يدعى “الدكانة”.

وهذا المكان يوجد في آخر غرفة بعيدا عن أعين الفضوليين في منازل جربة التي تتميز بتصميم هندسي يحافظ على فن المعمار العربي الأصيل الذي يشيد بالحجارة الكبيرة البيضاء وتكثر فيه الجدران المقوسة.

ولا يخلو “الحوش الجربي” وهو بهو فسيح يتربع وسط المنزل، من غرفة “الدكانة” المنعزلة التي تخصص في الأيام العادية للنوم فيما تستأثر به العروس قبل يوم زفافها للابتعاد عن الأنظار ونيل قسط من الراحة.

وتقول فاطمة أم العروس لمراسلون إنّ ميزة الزواج التقليدي في جربة هو ما يطلق عليه هناك باسم “الحجبة” وهي طريقة تتمثل في “إخفاء” العروس وإبعادها عن الأنظار قبل الزفاف طيلة شهر كامل.

والغاية من هذه الطقوس القديمة –وفق ما ذكرته فاطمة- هي إكساب العروس وزنا زائدا وإبعادها عن أشعة الشمس حتى يزداد لون قشرتها بياضا، قائلة “في جربة العروس المثالية هي العروس البدينة ناصعة البياض”.

وتوضح بأنّ العروس عادة ما تختار انطلاق موعد حجبتها ليلة 27 من شهر رمضان باعتباره يوم عظيم طالما يتبارك به التونسيون الذين يختار بعضهم مناسباتهم ومسراتهم تزامنا مع هذا التاريخ.

وفي “الدكانة” تجلس العروس عواطف على كرسي مرتدية لباسا مزركشا وفضفاضا ومعقودا بجانبه الأيسر وهو ما يعرف في جربة باسم “الحولي”، فيما وضع على رأسها قماش أبيض لا تظهر منه سوى العينين.

وتقول عواطف لمراسلون “أنا متمسكة كثيرا بطقوسنا وعاداتنا في جربة حتى لو لم تكن تطبق بحذافيرها بحكم تغير نمط الحياة، لكن المهم هو ألا ننسى أصولنا وعادات أجدادنا الأوائل”.

وقبل دخولها في عزلة طيلة شهر كامل قامت النسوة بإخراج عواطف من “الدكانة” ووضعوها في زاوية في بهو المنزل والتفوا حولها الحاضرات وسط تعالي الأصوات ممزوجة بالغناء والزغاريد.

ثمّ تقدمت فتاة جميلة ناصعة البياض وفي يدها تحمل إناء وضع فيه العسل والورد وقات بطلاء العسل على وجه العروس حتى تكون العروس بيضاء مثلها في يوم زفافها، وفق ما ذكرته والدة العروس.

وبعد ذلك طلبت بعض النساء من أهل العروس الخروج جميعا على الشارع لزيارة أحد مقامات الأولياء الصالحين في المنطقة لإشعال الشموع والدعاء للعروس بالهناء والرفاء والبنين.

وللقيام بتلك الزيارة قامت عواطف بتغيير لباسها وارتداء “الحرام الجربي” وهو لباس لونه أبيض لتنطلق بعدها رحلة البحث عن البركات بزيارة مقام الولي الصالح سيدي بوشوشة القريب من المنزل.