عندما تفجرت انتفاضات ما صار يُعرف بـ”الربيع العربي” وانهارت أنظمة الاستبداد والفساد في تونس ومصر وليبيا، راهنت الولايات المتحدة على – بل قل أرادت– فوز الإسلام السياسي “المعتدل”، المتمثل في الإخوان المسلمين، بالسلطة، من خلال صناديق الاقتراع بطبيعة الحال.

وعليه قدمت الولايات المتحدة دعماً سياسياً لفوز الأخوان وجرى دعمهم مالياً وإعلامياً بواسطة  قطر التي تلعب دور كفيل الإسلام السياسي عند الأمريكان.

عندما تفجرت انتفاضات ما صار يُعرف بـ”الربيع العربي” وانهارت أنظمة الاستبداد والفساد في تونس ومصر وليبيا، راهنت الولايات المتحدة على – بل قل أرادت– فوز الإسلام السياسي “المعتدل”، المتمثل في الإخوان المسلمين، بالسلطة، من خلال صناديق الاقتراع بطبيعة الحال.

وعليه قدمت الولايات المتحدة دعماً سياسياً لفوز الأخوان وجرى دعمهم مالياً وإعلامياً بواسطة  قطر التي تلعب دور كفيل الإسلام السياسي عند الأمريكان.

لقد رأت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وفق تقييمها لمآل “ثورات الربيع العربي”، في الإخوان القوة الأكثر تنظيماً وشعبية، عكس القوى السياسية والفكرية من أحزاب وتيارات علمانية وليبرالية، التي اعتبرتها جماعات متشرذمة  ونخبوية لا ثقل شعبياً لها.

بينما تصورت أن فوز الإسلام السياسي “المعتدل” بالسلطة سوف يخدم استراتيجيتها في “محاربة الإرهاب” ممثلاً في جماعات وتنظيمات “الإسلام الجهادي” ليحق لها المحاججة بأن الإسلام لا يتعارض مع الديموقراطية، بدليل وصول أحزاب إسلامية للحكم تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وتشارك المجتمع الدولي في “محاربة الإرهاب” وتقبل بوجود إسرائيل.

ولكن كما فوجئت الولايات المتحدة بسقوط طغاة كانوا مدللين لديها، أمثال بن علي ومبارك وصالح، فوجئت أكثر، وبعد فترة قصيرة، بظهور حركة مجتمعية مدنية هائلة، ترفض استمرار حكم الإسلاميين الاستحواذي. وكما هو معروف سقط حكم الإخوان في مصر بعد احتجاجات شعبية واسعة النطاق، باركت انقلاب العسكر بقيادة الفريق السيسي بحسبانه مُفوَّضاً بشرعية شعبية.

في تونس أخذت “النهضة” العبرة مما حدث للإخوان في مصر. فتراجعت عن مواقفها المتشددة وقبلت بإجراء انتخابات مبكرة، أتت بتيار “نداء تونس” العلماني إلى الحكم.

في ليبيا خسر التحالف الإخواني/السلفي/الجهادي، المدعوم بمليشيات أمراء حرب نافذين، الانتخابات، فاستولوا على السلطة في العاصمة بقوة السلاح، بينما نقل البرلمان الشرعي مقره إلى مدينة طبرق في أقصى الشرق. وهكذا سرعان ما خاب رهان الولايات المتحدة على بديلها الجديد للطغاة المنقرضين.

وإذا كانت قد قبلت، بل ورحبت، بنتائج الانتخابات التونسية التي  جاءت بهزيمة “النهضة” وفوز “نداء تونس” بالسلطة، فإنها اعتبرت ما قام به الفريق السيسي انقلاباً عسكرياً، قابلته بالضغوطات السياسية والتلويح بتقليص المساعدات الاقتصادية والعسكرية.

بالنسبة لليبيا. كانت السيدة ديبرا جونز – سفيرة الولايات المتحدة السابقة في ليبيا – ممثلة دبلوماسية أمينة لتوجيهات الخارجية الأمريكية. حيث يعود رهان أمريكا ومعها بريطانيا على الإخوان – فرع ليبيا – إلى عهد “المجلس الوطني الانتقالي” الذي هيمن فيه الإخوان على القرار السياسي، واستمرت هيمنتهم في عهد “المؤتمر الوطني العام”.

وأضحت معروفة قضية تستر الخارجية الأمريكية على حقيقة مقتل السفير الأمريكي في بنغازي – كريس ستيفنز الذي قتل عام 2012 – في بداية الأمر. وحتى بعد هزيمة قوى الإسلام السياسي (إخوان/ مقاتلة / أمراء حرب) في انتخابات آب/أغسطس 2014 وفوز القوى الوطنية المدنية، استمر التوجه السياسي الأمريكي عن طريق السيدة جونز في الرهان على الإخوان وحلفائهم، رغم الاعتراف الدبلوماسي الشكلي بشرعية مجلس النواب في طبرق بدليل عدم إدانة الاجتياح العسكري لمليشيات مصراتة للعاصمة طرابلس وإعادتها إحياء المؤتمر الوطني العام بأعضاء متبقين لا يتجاوزن التسعين خاضعين لرغبات أمراء الحرب المسيطرين عسكريا على طرابلس. وجعلهم من ثم بواسطة السيد برناردينو ليون – رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا – طرفاً رسمياً في الحوار التوافقي.

قد يكون ذلك منطقياً من منطلق تقييم موضوعي  للسياسة الأمريكية وكذلك المجتمع الدولي للحالة الليبية لأجل اجتراح حل ليبي ـ ليبي توافقي لإخراج البلاد من عنق الزجاجة التي يتحارب داخلها الإخوة الليبيون الأعداء دون مسببات موضوعية كما هو الحال في العراق وسوريا.

ولكن الآن، كيف سيكون توجه السياسية الأمريكية بعدما وصلت الحالة الليبية إلى “الصخيرات” برعاية بعثة الأمم المتحدة وحُررت لها وصفة المسودة الرابعة المعدلة، التي وقع الفرقاء عليها فيما رفضها  ممثلو المؤتمر الوطني العام المتبقين (إخوان وجماعة مقاتلة وأمراء حرب).

فهل ستعلن الولايات المتحدة عن دعمها السياسي الواضح لشرعية مجلس النواب ومساندته عسكرياً في محاربة الإرهاب، أم سنجد السفير الجديد – بيتر باد – خليفة جونز مستمراً في التعامل مع قيادات الإخوان ورموز “الجماعة الليبية المقاتلة” من أمثال عبد الحكيم بلحاج والمهدي الحاراتي وخالد الشريف ومليشيات مصراتة؟