كشفت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (هايكا) التي تشرف على تعديل الإعلام السمعي البصري في تونس عددا من الإخلالات في التغطية الإعلامية لأحداث سوسة رغم الجهود في الأداء الإعلامي.
وسارعت وسائل الإعلام الإذاعية والإلكترونية والتلفزيونية فور اندلاع الهجوم المسلح إلى التنافس على السبق الصحفي في تقديم المعلومات للرأي العام الذي بقي انتباهه مشدودا إلى الأخبار ساعيا إلى الوصول للمعلومة.
كشفت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (هايكا) التي تشرف على تعديل الإعلام السمعي البصري في تونس عددا من الإخلالات في التغطية الإعلامية لأحداث سوسة رغم الجهود في الأداء الإعلامي.
وسارعت وسائل الإعلام الإذاعية والإلكترونية والتلفزيونية فور اندلاع الهجوم المسلح إلى التنافس على السبق الصحفي في تقديم المعلومات للرأي العام الذي بقي انتباهه مشدودا إلى الأخبار ساعيا إلى الوصول للمعلومة.
ورغم أنّ الإذاعات والمواقع والقنوات المحلية دفعت بطواقمها لمكان الحادث لرصد ما يحدث وأخذ الشهادات والتقاط الصور والفيديوهات التي توثق للحادثة، إلا أن تغطيتها لم تلتزم سياسة الحياد.
ومن أبرز الإخلالات التي رصدتها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في التغطية الإعلامية لحادثة سوسة اتخاذ بعض الإعلاميين مواقف متشنجة غابت عنها المهنية والتعامل بعقلانية مع هذا الحادث.
لكن الأخطر من ذلك هو اعتماد خطابات تحريضية من قبل وسائل إعلام كانت قد بثت مشاهد صادمة دون وضع علامات دالة لحماية الأطفال والفئات الهشة وهي أحد العيوب التي رصدتها هيئة العليا الاتصال السمعي البصري.
ويمكن الاستنتاج من خلال التغطية الإعلامية لحادثة سوسة أن هناك غياب لسياسة تحريرية واضحة في وقت الأزمات لدى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية تعتمد على خطة وضوابط مهنية محددة.
وينطبق هذا الأمر على أداء المواقع الالكترونية والصحافة المكتوبة التي بقيت تتخبط في الكثير من الأخطاء والاختلالات، خصوصا مع انعدام هياكل تعدلها وتؤطرها وتقيّم أدائها تأصيلا للدور الذي يجب أن تلعبه.
ويرى ملاحظون أن الارتباك الحاصل في المشهد الإعلامي التونسي أثناء متابعة الأحداث الإرهابية هو أمر طبيعي في ظل المناخ السائد بعد الثورة التونسية والذي تميز بارتفاع منسوب حرية التعبير.
ويؤكد هؤلاء المراقبين بأنّ الارتباك في أداء وسائل الإعلام يتجلى خاصة خلال مراحل الأزمات وخلال التعامل مع ظاهرة الإرهاب الدخيلة على الواقع التونسي والتي لا يملك الإعلام التونسي أية تقاليد بشأنها.
وقد نبهت بدورها نقابة الصحفيين التونسيين إلى وجود ارتباك في المشهد الإعلامي التونسي بعد كل جريمة إرهابية وأصدرت العديد من البيانات التي تحث الصحفيين على التزام المهنية والدقة والحرص على الحصول على المعلومة الصحيحة من مصدرها وتفادي التسرع والبحث عن الإثارة عند تغطية مثل هذه الأحداث.
ويفسّر معز بن مسعود الدكتور في مجال الإعلام والاتصال ورئيس قسم الاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس هذا الارتباك في المشهد الإعلامي خلال تغطية الأحداث الإرهابية بأنه انعكاس للوضع العام المرتبك للبلاد.
ويقول لمراسلون “من الطبيعي أن تعكس وسائل الإعلام التونسية الواقع الاجتماعي
والسياسي التونسي المتميز بالضبابية وانعدام الرؤية وغياب الاستراتيجية الواضحة والعجز أمام إيجاد الحلول وتوحيد الصف الوطني في مواجهة التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية”.
واعتبر أنه من المنتظر ضمن هذا السياق العام أن تكون هناك إشاعات وأخبار خاطئة وتفاصيل مفبركة ورسائل مشفرة سواء عن قصد وعن غير قصد في أغلب الأحيان بفعل التسرع ومسابقة الزمن في نقل الأخبار والمعلومات.
وقد تكون هذه الأخطاء متأتية في بعض الأحيان من مصادر الخبر التي تظهر في حالة الصدمة والإرباك الاعلامي الذي تحدثه الجريمة الإرهابية للتفسير أو التبرير أو خدمة لأجندات معينة وتمرير رسائل معدّة سابقا، وفق رأيه.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في تقريرها حول تعاطي وسائل الأعلام مع الجريمة الإرهابية التي جدّت سابقا في متحف باردو بالعاصمة قد أشارت إلى وجود انقسام واختلافات بين وسائل الإعلام إلى حدّ حدوث مواجهات إعلامية وتبادل الاتهامات والردود بين وسائل إعلام تختلف في الخلفيات والتوجه.
وهذه المواجهة والتطاحن بين وسائل الإعلام تسببت حسب تفسيرات الهيئة في الابتعاد عن مواجهة الارهاب ومعالجة الظاهرة إعلاميا إلى الدخول في تفسيرات جانبية ومواجهات بين أجندات سياسية وحزبية وسياسية ضيقة.
ولعلّ هذه التفسيرات والاتهامات المتبادلة بين وسائل الأعلام والتناقض القائم والبارز خلال التعاطي مع كل حادثة إرهابية قد جعل المواطن المتلقي الأساسي للأخبار يحتار في الوسيلة الاعلامية التي يمكن تصديقها أو متابعتها.
وبالعودة إلى التغطية الإعلامية لحادثة سوسة فإن الملاحظ هو أن الإعلام الرسمي أو العمومي مثل القناتين الوطنيتين والإذاعات الرسمية والجرائد العمومية ومواقع الوزارات قد حاولوا أن يكون متوازنين لكنهم افتقد إلى عنصر الاجتهاد والبحث واقتصرت أغلب أخباره على الرواية الرسمية المقدمة من وزارة الدّاخلية أو رئاسة الحكومة والتي تعكس الرؤية الأمنية للمسألة وهي كلها تحاليل تبريرية للفشل الأمني في رأي الملاحظين والمحللين.
أما وسائل الإعلام المعارضة للحكومة (جريدة صوت الشعب الناطقة باسم حزب العمال ومواقع منظمات حقوقية) فقد اعتبرت أنه لا يمكن لهذه الجريمة الارهابية أن تكون مطيّة لعودة الاستبداد وقمع الحريات فضلا عن التضييق عن الإعلام.
لفيف آخر من وسائل الإعلام (قنوات خاصة وتمويلاتها غير معلومة) استغل الحادثة ليذكر بعهود الاستبداد والذل وسلب معاني المواطنة والإنسانية ويتغنى بإنجازات أمنية للرئيس بن علي ويلغي مسارا تحرّريا ومرحلة انتقالية ديمقراطية أعادت الاعتبار لقيمة المواطنة.
ويذهب هذا النوع من الاعلام في تفسيراته الى ان الارهاب جاء نتيجة الفوضى والتراخي الامني وغياب القبضة الامنية الصارمة.
لكن الوضع مع وسائل الإعلام المحسوبة على الاسلاميين (قناة الزيتونة وموقع الصدى) فقد استمر مكذبا للرواية الرسمية للحادثة الارهابية ومحرضا على أجهزة الدولة.
وفي هذا المجال ذهب بعض المحللين خاصة من المعارضين للإسلاميين إلى أنه لا يمكن فهم العملية الإرهابية بسوسة وما قد يليها من عمليات ارهابية اخرى دون الأخذ بعين الاعتبار حجم التحريض الذي ساد المواقع الاجتماعية وبعض وسائل الإعلام المعروفة بموالاتها للإسلاميين من رفع لشعارات من قبيل “عودة الاستبداد” أو “انتصار النظام القديم بما يعنيه من فساد وقمع”.
وبالتالي فهم يصلون بتحاليلهم إلى أن وجود إعلام يحرض ويكفر ويخوّن يحتاج إلى أيادي خبيثة تقوم بإتمام العملية وهو ما حصل في عملية سوسة ومن قبلها عملية باردو.
وهذا التخبط الإعلامي حول جوانب العملية الإرهابية دون التوحد حول استراتيجية اتصالية للمواجهة جعل العديد من الملاحظين ونشطاء المجتمع المدني على غرار قدماء ضباط الجيش الوطني يدعون وسائل الإعلام إلى ضرورة التعاطي مع الأحداث الإرهابية بمسؤولية ووطنية.
وقد دعا حسن المانسي رئيس المجلس الوطني المستقل للإعلام والاتصال وسائل الإعلام إلى الارتقاء إلى درجة المواطنة ليساهم الاعلام من موقعه في التنديد بظاهرة الإرهاب.
واعتبر أن حرية الوطن هي التي باتت في خطر ومن هذا المنطلق على الجميع أن يتجند للدّفاع عن هذه الحرّية إذ لم تعد حرّية الإعلام خطر بل الوطن برمّته أصبح في خطر.
خلاصة القول أنه بعد كلّ جريمة إرهابية يتجدّد السؤال حول طبيعة المشهد الإعلامي التونسي ومن يتحكم في توجهاته؟ وهل هو ارتقى فعلا إلى مرحلة النضج حتى يواجه آفة معقّدة وجدت موطئ قدم في البلاد التونسية؟