أصدر مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء بطرابلس فتوى حرّمت شرعًا التوقيع على اتفاق يُبطل أحكام القضاء، في إشارة واضحة للمسودة الأممية الرابعة التي خلت من ذكر حكم المحكمة العليا بخصوص حل مجلس النواب.

والمسودة الأممية هي مسودة اتفاق سياسي ترعاه الأمم المتحدة يتضمن هيكلية الدولة ومؤسساتها واختصاصات كل مؤسسة. وجرى تعديلها 4 مرات حسب مطالب أطراف الحوار، وحتى النسخة الرابعة التي يفترض أن يوقع عليها المتحاورون في اجتماع في السابع من شهر يوليو الحالي بالمغرب.

أصدر مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء بطرابلس فتوى حرّمت شرعًا التوقيع على اتفاق يُبطل أحكام القضاء، في إشارة واضحة للمسودة الأممية الرابعة التي خلت من ذكر حكم المحكمة العليا بخصوص حل مجلس النواب.

والمسودة الأممية هي مسودة اتفاق سياسي ترعاه الأمم المتحدة يتضمن هيكلية الدولة ومؤسساتها واختصاصات كل مؤسسة. وجرى تعديلها 4 مرات حسب مطالب أطراف الحوار، وحتى النسخة الرابعة التي يفترض أن يوقع عليها المتحاورون في اجتماع في السابع من شهر يوليو الحالي بالمغرب.

المسودة ثبتت مجلس النواب كسلطة تشريعية وحيدة في البلاد، في الوقت الذي كانت فيه المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكماً بحل مجلس النواب اعتبر الحكم وقتها صادراً تحت تهديد الميليشيات، ودار الإفتاء تتذرع بهذا الحكم لعرقلة الاتفاق.

بيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية الذي كان إجابة عن تساؤلات بخصوص المسودة، أضاف أن ارتهان سيادة الدولة المسلمة للأجنبي غير جائز شرعاً، كما أن التقيد بالمواثيق والاتفاقيات الدولية يكون بشرط عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية.

وقبل هذا البيان المحرم للتوقيع على المسودة، كان الشيخ الصادق الغرياني رئيس دار الإفتاء قد هاجم بياناً أصدرته مجموعة من كتائب مدينة مصراتة (شرق طرابلس) منتصف شهر مايو الماضي، أعلنت فيه وقف الاقتتال وبدء المصالحة مع خصمها الاستراتيجي كتائب الزنتان (غرب ليبيا).

وقال الغرياني في معرض هجومه على كتائب مصراتة إن الجيش الليبي التابع للمؤتمر الوطني العام بطرابلس هو من كلّف الكتائب المقاتلة في الجبهات، وشرعاً لا يجوز لكتائب المؤتمر التوقف عن القتال إذا كانت تريد طاعة “ولي الأمر”، أما إذا عجز المقاتل وضعف ولم تبق لديه قدرة على القتال، فيجب عليه وقتها تسليم سلاحه والمكوث في بيته، كونه بعد ذلك يُسمى “فارّا من الزحف” ويكون قد “عفى نفسه”، ولكن لا يجوز “أن يدعو أحدهم الناس لحقن الدماء دون معرفة الحكم الشرعي للمسألة” حسب ما جاء في فتواه.

مع الحوار وحقن الدماء

بالرغم من تصريحات الغرياني التي أشعلت الرأي العام الليبي وقتها، إلا أن المجلس البلدي مصراتة أكد تبنيه الحوار كخيار استراتيجي وحيد لحل الخلافات، لافتاً إلى ضرورة الالتفاف حول المبادرات الوطنية الداعية لإنهاء الاقتتال، وحقن الدماء ولمّ الشمل لتحقيق التعايش السلمي بين الليبيين.

رابطة علماء ليبيا التي لا تنطوي تحت دارالإفتاء رحبّت في بيان لها بجهود ومساعي وقف الاقتتال والجنوح إلى السلم والصلح حقنًا للدماء، مؤكدةً “أن الفتاوى الدموية” الصادرة من بعض من يتصدر المشهد الديني تجعلنا نتمسك بالفتوى الجماعية التخصصية “التي تقي من الخطأ والتي تجمع ولا تفرق، مراعاة للمصالح والمقاصد العامة للشريعة، أما الاستبداد بالفتوى الفردية الجزئية، وإلزام الناس بها فهو شبيه بالاستبداد السياسي ولا يختلف عنه” حسب وصف البيان.

حمزة التريكي عضو الجمعية الليبية لحقوق الانسان بمصراتة يرى أن الموقف واضح جداً وهو رفض كل ما صدر من المفتي -الصادق الغرياني-، متمسكاً برابطة علماء ليبيا التي تؤيد مساعي الصلح وحقن الدماء.

التريكي يزعم أن ما يقوم به “ثوار” كتائب مصراتة ليس خارج إطار الشرعية، لأنهم هم الموجودون على أرض المعركة، وهم من يقدّر الموقف أكثر من الذين يتحركون خارجها، مستندا على “تفويض المؤتمر ورئاسة الأركان لهم، وهذا التفويض يسمح لهم بالقتال عندما يكون القتال ضرورياً ولازماً، والتوقف عنه وإبرام اتفاقات السلام متى ما رأوا أن الموقف يستدعي ذلك”.

تشجيع ودعم

ومن مدينة الزاوية يقول محمود فحيل البوم رئيس المكتب الإعلامي لتنسيقية حراك وقف الدم ومساندة بناء الدولة إنهم ضد أي موقف أو تصريح يدفع في اتجاه القتل والفتنة، وإنهم يشجعون موقف كتائب مصراتة ويثنون عليه، مصنّفا أي موقف لا يتجه نحو وقف الدم في هذه الأيام الساخنة والمرعبة على أنه موقف “مشبوه ومدان”.

يزيد على ذلك خالد الأسطى عضو مجلس النواب  بالبرلمان والذي التحق بالبرلمان منذ شهر فبراير الماضي أن “السلام لا يحتاج إلى فتاوى”، واصفاً موقف مصراتة بالجيد والمشجع ويصب في مصلحة الوطن، ويردف الأسطى أن حالة انعدام الثقة وتقاطع المصالح تفسّر مواقف من لا يريدون لهذه الحرب أن تنتهي، وإن “خطاب الكراهية والدعوة إلى الحرب خطاب مرفوض من الجميع”.

هذه التشجيعات المختلفة وبيانات السلام تدعمها الأمانة العامة لمجلس شيوخ وحكماء ليبيا، حيث يصرح الشيخ أيوب الشرع عضو الأمانة أنهم في تواصل مستمر مع القيادات العسكرية وأمراء المحاور والقادة الميدانيين منذ ستة أشهر لحقن الدماء، وإسكات صوت المدافع والرصاص.

يضيف الشرع أن الأمانة العامة لمجلس شيوخ ليبيا فتحت قنوات تواصل بشكل مباشر وغير مباشر مع الطرف الآخر بمجرد إصدار كتائب مصراتة بيانها، وذلك بعد عقد اجتماع لها بمنطقة باطن الجبل، أكدوا من خلاله “دعم الأمانة اللامحدود لبيان كتائب مصراتة”.

استنكار للهدنة

في المقابل، أصدرت رئاسة المؤتمر الوطني بدورها بياناً أخلت فيه مسؤوليتها من “انفراد بعض البلديات أو الكتائب أو الأحزاب أو الأفراد بعقد مصالحات والدعوة إلى عدة اتفاقات وهدن دون مراعاة سيادة الدولة وهيبتها”، محمّلة تلك الأطراف مسؤولية النتائج المترتبة على هذه الاتفاقات، “كعودة المجرمين المطلوبين للعدالة” و”إعطاء فرصة للتدخل الأجنبي”، حسب البيان.

أما عبد الرحمن السويحلي عضو المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته والرافض للمسودة الأممية فيقول إنّ السبب الرئيسي وراء فشل جميع مبادرات الصُلح والحل السلمي في ليبيا هو “عدم صدق نوايا مُعظم القائمين عليها، واتخاذهم لها غطاء لغرض تحقيق مآربهم الشخصية وتصفية حساباتهم السياسية”، وحسب رأيه فإن جل هذه المبادرات تقوم على أساس المساواة بين “الفئة الباغية” و”الفئة المُناصرة” للحق، وإن جميع مبادرات الصُلح وحقن الدماء جاءت من بعض المحسوبين على طرف “الضحيّة”، وهو ما يُعد منافيًا للشرع والمنطق والقانون.

هل هناك عقوبات؟

يشدد التريكي على أن التحريض على الحرب جريمة وانتهاك لمبادىء الإسلام الذي يدعو إلى السلم متى ما بادر الخصم بذلك، بل جعل المبادر أفضل وأكثر أجراً.

ويتساءل التريكي عن مدى جدية المملكة المتحدة في منع الغرياني من دخول أراضيها كما سبق وأعلنت، وهل فعلاً تصنفه إرهابياً؟، حيث يقول “هذه أشياء مثار شك، ولعب بأوراق سياسية وضغوط بطريقة ذكية، لكن على بريطانيا أن تجمد أمواله وتحظر نشاط جمعياته والمؤسسات الخاضعة لسلطته، وتوسيع دائرة المنع لتشمل أذرعه الحقيقية الذين يتحركون تحت عباءته، وهم مساوون له في الدور والخطورة ويتجاوز عملهم التحريض إلى التخطيط والتمويل”.

يرى التريكي أن موضوع قوائم المطلوبين قريباً سيفقد تأثيره، لأن التلويح به والتلاعب بالأسماء التي فيه  يجعل اللعب الدولي والمساومات واضحة، وربما تصير لذات السبب غير فعالة.

ويضيف أن خطاب التحريض ارتبط بإحساس البعض بأنه إن لم يحقق نجاحا لصالح حزبه في ظل هذه الأوضاع فإن الأمر سيضيع منه إلى الأبد، كما أن الانتخابات والاحتكام للشارع أظهر نتائج استفتائية مفادها أن بعض التوجهات ليس لها أرضية شعبية حقيقية توازي ما تتصوره هي، ويصطدم مع ما تحصل عليه بعض خصومهم من تيارات تصفها هذه التوجهات بالعلمانية وغير الإسلامية.

وقت للملاحقة!

يختم الشيخ أيوب الشرع بأن “خطاب الكراهية والعنف يصب في صالح أطراف دينية وسياسية حول المرحلة الراهنة لكسب النفوذ وضرب المناطق والمدن بحجج واهية”، مؤكدا أن حرب يوليو 2014 أثرت على النسيج الاجتماعي بشكل كبير، وقللت من دوره في إيقاف التأجيج والصراع المسلح.

وبالرغم من تداول بعض النشطاء بأن قوائم العقوبات الدولية ستشمل المحرضين على الحرب في ليبيا،  إلا أن فادي العبد الله الناطق الرسمي لمحكمة الجنايات الدولية يؤكد أن المحكمة لم تتلق إلى حد الآن أي قضية ضد أي إعلامي أو ناشط أو سياسي من ليبيا بخصوص جرائم التحريض على جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية.

مشيراً إلى أن هناك اتفاقاً مع السلطات الليبية قبل عام ونصف يقضي بإعطائها وقتاً كافياً لملاحقة المتهمين بجرائم الحرب وطنياً وفقاً لقوانين البلد، وربما لهذا السبب لم تُصدر المحكمة أي اتهامات ضد أي شخصية ليبية بعد 2011 اتهمت بارتكاب جرائم حرب عدا إصدار المحكمة حكماً باعتقال ثلاث شخصيات ليبية فقط إلى حد الآن، وهم معمر القذافي وسيف القذافي وعبد الله السنوسي.