لم يكن الشاب منذر بن مبروك يتخيل لحظة واحدة أن يتحوّل إلى “أشهر” عامل بناء وأن تتغير حياته نحو الأفضل، بعدما كان على وشك أن يموت بسبب الاشتباه فيه خطأ بأنه “إرهابي”.

أصبح هذا الشاب أشهر من نار على علم وهذا ليس بفضل تفانيه في العمل أو لكونه صاحب شهادة عليا خيّر العمل في حظائر البناء (مواقع البناء) على البقاء في البطالة، ولكن بسبب حظه العاثر الذي أوجده في المكان الخطأ.

قاتل لم يقتل أحد

لم يكن الشاب منذر بن مبروك يتخيل لحظة واحدة أن يتحوّل إلى “أشهر” عامل بناء وأن تتغير حياته نحو الأفضل، بعدما كان على وشك أن يموت بسبب الاشتباه فيه خطأ بأنه “إرهابي”.

أصبح هذا الشاب أشهر من نار على علم وهذا ليس بفضل تفانيه في العمل أو لكونه صاحب شهادة عليا خيّر العمل في حظائر البناء (مواقع البناء) على البقاء في البطالة، ولكن بسبب حظه العاثر الذي أوجده في المكان الخطأ.

قاتل لم يقتل أحد

يوم وقوع حادث سوسة الإرهابي في 26 يونيو الجاري كان منذر عائدا من عمله عبر طريق مختصرة تعوّد المرور بها يوميا متسلقا أحد الجدران في منتصف ذلك الطريق القريب من مكان الاعتداء.

غير أن طائرة استطلاع تابعة للجيش التونسي كانت تحوم في ذلك المكان عقب الهجوم رصدته يتسلق الجدار فاشتبهت في ضلوعه بالعملية الإرهابية فتم تطويق المكان والقبض عليه بسرعة.

عند القبض عليه تعرض منذر إلى ضرب وركل مبرحين وعضّ وصفع من قبل مواطنين أمسكوا به حتى خيّل إليه بأنه سيموت تحت الأرجل وسط تعالي الأصوات المطالبة بقتله دون أن يكون هو على علم بشيء.

عن الوضع الغريب الذي عاشه أثناء تلك الواقعة يقول منذر “لقد كان الجميع يصرخ من حولي بأعلى صوتهم: أقتلوا هذا الإرهابي بينما تعالت زغاريد النسوة المهللة بالقبض علي دون أن أدري شيئا”.

ويضيف بشيء من الارتياح “لولا حنكة رجال الأمن الذين سارعوا بزجّي في سيارة أمنية لكنت في عداد الموتى”، مبينا أن بعض الحاضرين كانوا مصرين على النيل منه وقتله إلى درجة أنّ امرأة قامت بعضه من رقبته.

ثم يصمت قليلا مسترجعا شريط الأحداث التي مرّ بها ليقول “لم أدرك جيدا ما كان يحصل لكني استسلمت للقدر، فرغم أني كنت أحمل آثار العمل في البناء إلا أن أصابع الاتهام كان موجهة نحوي”.

حملات تضمانية

وما كان ليتم إخلاء سبيل منذر بعد ساعات طويلة من التحقيق معه في منطقة الحرس الوطني بسوسة لولا لم يدل العاملون معه ومؤجره بشهاداتهم بأنه كان يشتغل معهم لحظة وقوع ذلك الهجوم الإرهابي الذي استهدف أحد النزل بمدينة سوسة موديا بحياة 39 سائحا.

ومباشرة بعد خبر إطلاق سراحه وإعلان براءته انطلقت عديد الحملات التضامنية معه على صفحات التواصل الاجتماعي وكانت جلها تنادي بضرورة الاعتذار منه وردّ الاعتبار له.

وبعد ثلاثة أيام من تلك الواقعة كان منذر وهو شاب تخرج من المعهد العالي للرياضة والتربية البدنية مصدوما وخائفا إلى درجة أنه لم يكن قادرا على أن يخرج من منزله.

لكن الأقدار شاءت أن تفتح باب الرزق في وجه هذا الشاب بعد تلك الحادثة حيث تمّ انتدابه للعمل بوزارة الشباب كمتعاقد في خطة مؤطر بمركز العاب القوى بسيدي بوزيد مسقط رأسه.

ولم يكن يوم الخميس الماضي (2 يوليو) يوما عاديا في حياة منذر فقد تمت دعوته من وزير الشباب والرياضة ماهر بن ضياء الذي استمع اليه وتعرّف على ظروفه الاجتماعية الصعبة ووعده بانتدابه.

إعادة اعتبار

ويؤكد هذا الشاب أن حصوله على شغل قار في مجال اختصاصه هو بمثابة حلم بالنسبة إليه قد ينسيه مرارة التجربة التي تعرض إليها.

وقد عانى منذر طويلا من البطالة فألتجأ إلى العمل في حظائر البناء لتأمين لقمة العيش في ظل ظروفه القاسية التي يعيشها.

وهذا الشاب الفقير هو أب لرضيعة عمرها 5 أشهر ورغم أن زوجته استاذة لغة فرنسية إلا أنها عاطلة عن العمل.

وإضافة إلى أسرته الصغيرة يعيل منذر أربعة أشقاء له اثنان منها من أصحاب الشهائد العليا لكنهما أيضا بلا عمل.

أما والده فهو عامل يومي بسيط وأجرته الزهيدة لا تكفي لتأمين مصاريف الأسرة وفيرة العدد.

وقد انتقل منذر من مدينته سيدي بوزيد إلى محافظة سوسة منذ أشهر للعمل في حظائر البناء عوضا على الركون للبطالة.

ويقول “العمل في مجال البناء هو مهنة شريفة أنقذتني من البطالة وعرّفتني على عديد الأصدقاء من الكادحين أمثالي”.

أما اليوم فيستعد منذر إلى الانتقال إلى محافظة سيدي بوزيد للعمل هناك تاركا وراءه ذكريات لا تنسى ممزوجة بالألم والفرح.