بعد عقود من استثمار فلاحي قرية سرسو (تابعة لمدينة طلخا في محافظة الدقهلية) لأرضهم بموجب قانون الإصلاح الزراعي الصادر في 1961 وانتفاعهم بها، جرى طردهم منها، بل ومعاقبتهم بحلق شعر رؤوسهم!

وبقدر ما يبدو الأمر مجرّد نزاع قضائي على ملكية قطعة أرض، إلا أنه يشكل سابقة خطيرة بحسب سياسيين وناشطين قد تجر ورائها المزيد من المصادرات للأراضي الزراعية من الفلاحين وإعادتها إلى “الملّاكين الكبار”.

التعدي على أراضي الغير

بعد عقود من استثمار فلاحي قرية سرسو (تابعة لمدينة طلخا في محافظة الدقهلية) لأرضهم بموجب قانون الإصلاح الزراعي الصادر في 1961 وانتفاعهم بها، جرى طردهم منها، بل ومعاقبتهم بحلق شعر رؤوسهم!

وبقدر ما يبدو الأمر مجرّد نزاع قضائي على ملكية قطعة أرض، إلا أنه يشكل سابقة خطيرة بحسب سياسيين وناشطين قد تجر ورائها المزيد من المصادرات للأراضي الزراعية من الفلاحين وإعادتها إلى “الملّاكين الكبار”.

التعدي على أراضي الغير

بدأت الواقعة في نيسان/أبريل الماضي عندما ألقت قوات الأمن المصري القبض على 24 من فلاحي قرية سرسو وذويهم، وكان من بينهم رجل مسنّ وطفلة رضيعة عمرها 7 شهور، بتهمة “التعدي على ملكية الغير ومقاومة السلطات”.

الفلاحون كانوا  قد حصلوا على أرض بمساحة 42  فداناً في عام 1967، بعد ستة سنوات من صدور قانون الإصلاح الزراعي، وكانت الأرض تعود قبل ذلك لأحد الملّاكين الكبار ويدعى فريد المصري.

الأرض كانت على الدوام عنواناً لنزاع قضائي دار بين الطرفين. فتخلل نصف القرن الماضي عمليات طردٌ للفلاحين منها ومن ثم عودتهم إليها عدة مرات كان آخرها في العام 1996، وكان ذلك يحدث مع تجدد النزاع قضائي مع المالك الأصلي وورثته، أو مع تغير الظروف الأمنية والسياسية في البلاد.

وعندما حصل الفلاحون في 2007 على حكم نهائي من محكمة القضاء الإداري ظنّوا ان المسألة انتهت عند هذا الحد وأن الأرض صارت ملكهم. لكنهم فوجئوا مؤخرا بطردهم من جديد ببنادق رجال الأمن.

“مراسلون”  انتقل الى قرية سرسو لمتابعة ملابسات وظروف القضية وحقيقة النزاع بين الفلاحين وعبد العزيز المصري وريث الاقطاعي فريد المصري.

الوريث صادر الأرض

سنية على عبد العزيز، 70 عاما، من قرية سرسو، حصل زوجها محمد ابراهيم مصطفى على قطعة أرض مساحتها مساحة فدان و 40 قيراط في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، كحق انتفاع مدى الحياة له ولأسرته، مكافأةً له على مشاركته في حربي اليمن والاستنزاف.

تقول هذه السيدة إن الوريث عبد العزيز المصري تمكن من استصدار أمر من المحامي العام بالمنصورة، قام بموجبه  قبل أسابيع بطردها هي وآخرين بالقوة.

يقول ولدها حسين، إن والده المتوفي كان يزرع الأرض لمدة 30 سنة متواصلة دون أي مشاكل إلى أن جاء وريث الإقطاعي في 1996 وطرد الفلاحين من أرضهم رغم حصولهم على حكم نهائي من القضاء الإداري بحق الانتفاع بها.

“في أيام ثورة 25 كانون الثاني/يناير قمنا بوضع أيدينا مجددا على الارض محل النزاع بموجب الاحكام القضائية” يقول.

مطاردات واتهامات

يواصل ابراهيم شقيق حسين سرد القصة: ” فوجئنا فى شهر شباط/فبراير الماضي بمطاردات قوات الشرطة والمباحث لنا وتحرير محاضر ضبط واحضار وتجريف الأرض. وفي 25 نيسان/أبريل الماضي قامت 11 سيارة تابعة للأمن المركزي بتطويق الأرض والتعدي علينا وطردنا بعد قيام خفر عبد العزيز المصري باطلاق النار علينا”.

في ذلك اليوم، وبحسب شهادات عدد من سكان القرية، القت قوات الامن القبض على 24 فلاح وفلاحة وعلى أحد خفر عبد العزيز المصري بحوزته سلاح. وتم تحرير محضر له بتهمة “حيازة سلاح بدون ترخيص” ومحضر آخر للفلاحين بتهمة “التعدي على ارض ملك الغير ومقاومة السلطات” وقامت بحلاقة شعر جميع الفلاحين الذى تم القبض عليهم.

وبعد مرور 4 أيام افرجت النيابة عن 13 من السيدات وطفلة رضيعة، وبعد 15 يوم تم الافراج عن باقي الفلاحين.

المصدر الوحيد لرزقنا

محمد ابراهيم أحد الذين ألقي القبض عليهم يقول: “قامت قوات الشرطة بحلق شعر رؤوسنا بعد القاء القبض علينا وخسرت وظيفتي بعد خروجي من الحبس على ذمة القضية كما قام عبد العزيز المصري (وريث الإقطاعي) بفصل شقيقي من المعمل الذي يملكه في القرية رغم أنه كان متواجدا فى عمله بالمصنع وقت القبض علينا وحرر له محضر تعدي على أرض الغير ومقاومة السلطات”.

الهلالي السيد انور رجل مسنّ في عقده السابع من العمر ألقي القبض عليه أيضاً هو حفيدته الرضيعة هند. حاله حال الآخرين، حصل على الأرض بموجب قانون الإصلاح بعد أن شارك في حربي اليمن الاستنزاف.

يقول الهلالي إن هذه الأرض هي المصدر الوحيد لرزقه، من دونها لن يتمكن من إعاله أسرته، مستنكرا احتجازه هو وأبناء أسرته وحفيدته الرضيعة.

بانتظار الحكم الأخير

وائل غالي، وكيل الفلاحين في القضية والناشط في منظمة “كل المصريين لحقوق الانسان” أكد لـ”مراسلون” أن جميع الاحكام النهائية الصادرة عن القضاء تصبّ في صالح الفلاحين.

ويشير إلى أن ورثة فريد المصري استغلوا صدور قانون التصالح على الأراضي في العام 1994 وتمكّنوا من “التصالح مع الدولة” وشراء الأرض بسعر 20 ألف جنيه للفدان. وفي عام 1996 طردوا الفلاحين منها بالقوة الجبرية.

ويواصل غالي أن محكمة القضاء الاداري حكمت في عام 2007 ببطلان قرار الصلح وما ترتب عليه من آثار. ولم يتمكن الفلاحين من العوده لللارض إلا عام 2011 ابان ثورة كانون الثاني/يناير.

وينتظر هذا المحامي ومعه فلاحو القرية القرار المرتقب من محكمة القضاء الاداري في 28 تموز/يونيو المقبل للبت نهائياً في ملكية الأرض. “سيكون الحكم وقتها إما بالغاء تمكين عبد العزيز المصري وعوده الارض للاصلاح الزراعي أو إبقاء الحال على ما هو عليه وتنفيذ قرار التمكين لصالح ورثة الاقطاعي فريد المصري”.

النزاع على ملكية أرض قرية سرسور انتقل من المحاكم إلى مكاتب الأحزاب وناشطي الانترنيت، مع ما يثيره من مخاوف من طرد المزيد من الفلاحين وعودة المزيد من الملاكين القدامى تحت مسميات قانونية جديدة.

أحمد عز، أمين مكتب الطلاب بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالدقهلية، وأحد اللذين أعلنوا تضامنهم الكامل مع الفلاحين يقول لـ “مراسلون” إن حزبه قدم لهم الدعم القانوني بفريق من المحامين غبر فريق من المحامين.

عز نفسه كان قد ألقي القبض عليه ومعه محمود محمد عضو حزب التحالف الشعبي بسبب تضامنهما مع الفلاحين ووجهت لهما تهمه “إثارة الشغب ومقاومة السلطات”.

يقول هذا الناشط السياسي إن “خفر عبد العزيز المصري اعتدوا علينا وعلى الفلاحين بالضرب ورغم ذلك تواطأت قوات الأمن مع عبد العزيز المصري ولم تلقى القبض على خفره المتواجدين بالسلاح من دون ترخيص”.

ليست القضية الوحيدة

وكان حزب التحالف الشعبى الاشتراكي بالدقهلية قدم الدعم للفلاحين من خلال اقامة مؤتمرات جماهيرية تعرض القضية على الرأى العام والاعلام “للمطالبة بحقوق الفلاحين فى مواجهة الاقطاعيين” بحسب قول عزّ.

ويشير عز إلى أن قضية سرسو ليست القضية الوحيدة من هذا النوع فهناك نزاعات أمام القضاء في قرى أخرى في كفر الشيخ والاسكندرية والفيوم بين فلاحين وورثة إقطاعيين.

ومنذ تجدد النزاع في القرية انتشرت عبر صفحات التواصل الاجتماعى تويتر وفيسبوك هاشتاج نشط بعنوان “#ادعمو_فلاحى_سرسو ” انضمت له الاحزاب والقوى السياسية وبعض المنظمات كحزب التحالف الشعبي والتيار الشعبي وحزب الكرامة فضلا عن ناشطين مستقلين، تحذر جميعها من “عودة الإقطاع”

ونزاع سرسو ليس النزاع الوحيد ففى قرية بهوت التابعة لمركز ومدينة نبروه نشب نزاع من عام 2004 بين الفلاحين المتملكين لحوالى 56 فدان من الاصلاح الزراعى وورثة عائلة بدراوى وما زال النزاع حتى الان.

في هذا السياق يقول عيد محمد احد مزارع بقرية بهوت ” فى عام 2004 فوجئنا بوكيل عن عائلة بدراوى يدعى حسين البيلى يخبرنا ان ملكية 56 فدان قد أُفرج عنها لصالح ورثة وفاء بدرواى والتى كانت قد وُزعت  فى الستينات على 28 مزارع. وتقدم ببلاغات اغتصاب سيادة أرض إلى النيابة العامة، وعلى الرغم من حكم محكمة طلخا الجزئية لصالحنا وإعادة تمكيننا من الأرض إلا أنه فى الاستئناف أيدت المحكمة قرار المحامى العام لنيابات جنوب المنصورة المستشار احمد سويف بتمكين ورثة وفاء بدراوى من الارض , وقام حسين البيلى وكيل عائلة بدراوى برفع دعاوى قضائية يطالب بريع الارض وإيجار لها من الفلاحين”.

ويضيف عيد ” الوضع الحالى الذى فرض على الفلاحين هو دفع ايجار سنوى 10 آلاف جنيه للفدان لورثة وفاء بدراوى، إلا أن الفلاحين يمتنعون عن الدفع إلا بموجب حكم قضائى بالدفع أو الحبس ومنهم من يتم حبسه ومنهم من يدفع إلى عائلة بدراوي”.

ويتشارك محامي الفلاحين وائل غالي المخاوف مع منظمي هذه الحملات، ويحذر من أن تكون إعادة الأرض لأبناء الملاكين الكبار بادرة  “تبطل مفاعيل لقانون الإصلاح الزراعي وتتسبب في التفريط بأملاك الدولة وإهدار المال العام”.