في السابع عشر من حزيران/يونيو وقبل بداية شهر رمضان بيوم واحد فقط فقدت “تجديدة” (21 عاماً) حياتها أمام بوابة جامعة سبها (جنوبي ليبيا)، برصاصة طائشة أطلقها طالبوا ثأر مسلحين، لتفلت من يد شقيقتها التي كانت تحاول الجري والاحتماء من الرصاص، وتسقط ميتة غارقة في دمائها.

تروي نوارة عفيف الصهبي (19 عاماً) وهي شقيقة “تجديدة” الشاهدة على حادثة قتلها، أنها وأختها كن واقفات عند مدخل الكلية بعد أن أكملن محاضراتهن، عندما ركنت سيارة معتمة الزجاج أمام المدخل.

في السابع عشر من حزيران/يونيو وقبل بداية شهر رمضان بيوم واحد فقط فقدت “تجديدة” (21 عاماً) حياتها أمام بوابة جامعة سبها (جنوبي ليبيا)، برصاصة طائشة أطلقها طالبوا ثأر مسلحين، لتفلت من يد شقيقتها التي كانت تحاول الجري والاحتماء من الرصاص، وتسقط ميتة غارقة في دمائها.

تروي نوارة عفيف الصهبي (19 عاماً) وهي شقيقة “تجديدة” الشاهدة على حادثة قتلها، أنها وأختها كن واقفات عند مدخل الكلية بعد أن أكملن محاضراتهن، عندما ركنت سيارة معتمة الزجاج أمام المدخل.

ورغم أن مشهد السيارات المعتمة يتكرر أكثر من مرة كل يوم بحسب نوارة، إلا أن السيارة هذه المرة خرج منها ثلاثة مسلحين ملثمين، توقفوا هنيهة ينظرون إلى ساحة المدخل التي كانت خالية إلا من بعض الطالبات وكأنهم يبحثون عن أحد ما، ثم بدأ أحدهم في إطلاق النار عشوائياً.

تجديدة ماتت

تتابع نوارة “لم ندرِ كيف نتصرف ولم يكن أمامنا الوقت للتفكير أساساً، أمسكت يد أختي لندخل ونحتمي داخل الجدران، مشينا خطوات ثلاث أو أربع لا أذكر ثم أحسست بثقل يدها، لم أهتم في البداية حتى أفلتت مني والتفت فوجدتها غارقة في دمها على أرضية مدخل الكلية، طار عقلي وهرعت إليها دون أن أشعر بأني أصبت بعيار ناري في قدمي اليسرى، ولا أن المسلحين لاذوا بالفرار، ما أدركته هو أن تجديدة قد ماتت.”.

فارقت تجديدة لطالبة بكلية العلوم جامعة سبها الحياة فوراً، قبل أن تصل سيارة الإسعاف، وكانت حصيلة هذا الهجوم مقتل الطالبة وجرح ثلاثة آخرين بينهم أختها، ونقل جثمان تجديدة إلى مركز سبها الطبي، وبقي دفترها وقد اختلط بدمها على أرضية مدخل الكلية.

حالة من الذهول أعقبت ماحدث داخل الكلية من قتل وإرهاب في ذلك اليوم، حيث طوقت إحدى الكتائب المسلحة مبنى الكلية لتؤمن خروج الطلبة من الأبواب الجانبية، كما بدأت موجة من خروج طالبات القسم الداخلي وعودتهن لقراهن، وأعلنت إدارة الكلية الحداد ثلاثة أيام.

القاتل مجهول

لم تستطع أجهزة الأمن بالمدينة تحديد هوية المسلحين. يقول رئيس قسم التحري والضبط بمركز شرطة القرضة يحيى شوايل لـ”مراسلون”، إن التحقيقات الأولية تقود لاحتمال أن يكون المسلحون طالبي ثأر وقد وجدوا غريمهم في مدخل الكلية وحاولوا إصابته ولم ينجحوا في ذلك.

أضاف شوايل أن إدارة الكلية تتحمل شيئاً من المسؤولية لأنهم لم يثبتوا كاميرات مراقبة في الكلية، وأكد أن التحقيقات لاتزال جارية للكشف عن ملابسات القضية.

وتتوزع مباني كليات جامعة سبها وسط المدينة حيث توجد كليات العلوم والآداب، وكلية إعداد المعلمين والمحاسبة، إضافة للمكتبة المركزية والإدارة العامة للجامعة والقسم الداخلي بنين وبنات، بينما تضم بلدة براك (70كم شمال غرب سبها) كليات الهندسة التقنية والقانون، أما كليات التربية البدنية والاقتصاد موجودتان في كل من أوباري (200كم جنوب غرب سبها)، ومرزق (140كم جنوب سبها).

حوادث متكررة

لم تكن حادثة مقتل “تجديدة” الأولى من نوعها التي ترتكب بحق طلبة جامعة سبها، فقد سبقتها ثلاث حالات قتل في كلية الآداب وكلية القانون والمعهد العالي للمهن الشاملة، ولكن ما ميز هذه الحادثة أنها خلفت حراكاً طلابياً في الجامعة يدعو إلى النأي بها بعيداً عن التجاذبات السياسية والقبلية والمناطقية.

بحسب مسؤول الأمن في الجامعة محمود صالح إده فإن جامعة سبها شهدت خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام أكثر من 31 حالة اختطاف، و49 حالة سطو مسلح، وثلاث حالات قتل، تمت جميعها في وضح النهار وأمام الناس داخل الحرم الجامعي.

ويشير محمود إلى أن القوة المكلفة بحماية الكلية لاتملك السلاح الكافي لمواجهة المسلحين، وربما لا تملك هذه القوة الرغبة في مواجهتهم بسبب حساسية الوضع القبلي داخل المدينة، يقول محمود “سيكون عضو الأمن الهدف القادم إذا ما اعترض بسلاحه أحد المسلحين”.

لا أمان هنا

أما الجرائم الأقل من القتل مثل الاعتداء بالضرب والاختطاف والإهانة، فهي أحداث يتعرض لها الطلبة وأعضاء هيئة تدريس الجامعة بشكل متكرر بحسب شهادات الطلبة الذين تحدث إليهم “مراسلون”، وذلك بعد الاشتباكات القبلية التي شهدتها المدينة بين قبائل التبو وأولاد سليمان مطلع كانون الثاني/يناير 2014 والتي خلفت أكثر من251 قتيل و400 جريح بحسب المصادر الطبية، حيث لم تعد المدينة آمنة لسكانها ولم تستطع الأجهزة الأمنية حمايتها أو تأمين مؤسساتها.

تقول رئيسة قسم الحاسوب بكلية العلوم فاطمة الغالي لـ”مراسلون” إن الجامعة تعيش فقدان الأمن بكل صوره، فالمخدرات والحشيش تنتشر بشكل علني في أرجاء القاعات والمعامل الدراسية، والسلاح يدخل للكلية بكافة أنواعه دونما حسيب.

وتضيف الغالي أنها أحياناً تتعامل مع أناس تحت تأثير المخدرات في غياب أمن الجامعة، واوضحت أن البعض صار يطالب بأن تقوم المليشيات بحماية الجامعة كونها الجهة الوحيدة القادرة على ذلك حسب اعتقادهم.

روايات الطلبة

يقول يوسف الساكت – 21 عاماً – الطالب بقسم الإعلام، إنه حضر أكثر من حادثة اقتحام من قبل مسلحين  للكلية، حيث يأتي تارة مسلحو التبو بحثاً عن أي فرد ينتمي لقبيلة أولاد سليمان طالبا كان أو عضو هيئة تدريس ليتم قتله أو اقتياده للمقايضة به في مفاوضات القبيلتين، والعكس يحدث من قبل مسلحي أولاد سليمان، “ونجبر نحن الطلبة على مشاهدة هذه المآسي كل فترة”.

أما الطالبة بقسم اللغة الإنجليزية ولاء شاهين (19عاماً) فتروي لـ”مراسلون” أنها شاهدت في الامتحانات النهائية في الفصل السابق دخول مسلحين للكلية واقتيادهم لأحد أعضاء هيئة التدريس بعد أن اتصلت طالبة في القسم بأحد أقاربها من المسلحين وطلبت منه اعتقال عضو هيئة التدريس لأنه طلب منها الكشف عن وجهها للتأكد من شخصيتها في الامتحان.

تقول ولاء “نحن لا نستطيع التركيز والتحصيل العلمي بالشكل الذي نريده، فنحن مهددون في كل وقت باقتحام مسلح يعكر صفو الحياة داخل الكلية”.

حادثة أخرى رواها الطالب اسماعيل الناجمي بقسم علم الحيوان لـ”مراسلون”، عن إحدى حالات السطو المسلح التي شاهدها حيث يقول “دخل ثلاثة مسلحين إلى الكلية في الأول من مارس الماضي، وتوجهوا لطالب في قسم الجيولوجيا، وأشهروا عليه السلاح وطلبوا منه تسليمهم مفاتيح سيارته وجهاز حاسوبه الشخصي، لم يستطع الطالب المقاومة وسلمهم كل مايملك، وخرجوا أمام الطلبة دون أي مقاومة”.

حراك طلابي

يقول رئيس اتحاد طلبة كلية العلوم بجامعة سبها عبدالقادرعلي لـ”مراسلون”، إن الوضع الأمني داخل الجامعة صار سيئاً، والطلبة يدرسون رغم تفاقم أزمة الوقود والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي وضعف الأمن داخل الكلية.

ويضيف عبدالقادر أن طلبة الكلية أعلنوا إضرابا مفتوحاً عن الدراسة حتى تستجاب جميع مطالبهم.

مطالب يعتقد عميد كلية العلوم محمد ميمون أنها من حق الطلبة، ولكنه يرى أن إدارة الكلية لاتستطيع إيقاف الدراسة بعد كل حادثة، لأن هذا برأيه انتصار للفوضى والمسلحين الذين يسعون لذلك. ويضيف أن الإدارة وضعت بالفعل خطة لتأمين الجامعة تشمل تركيب كاميرات وتوفير قوة أمن جامعي بكافة التجهيزات، ولكن الانقسام الذي تعيشه البلاد أخر تنفيذ هذه الخطة.

وتبقى الساعات الأخيرة في حياة “تجديدة” ماثلة في ذاكرة شقيقتها التي تتألم لفقدانها ففي ذلك اليوم “كانت تجديدة تحكي لي عن استعدادتنا لشهر رمضان وعن توزيع العمل في المنزل بين البنات، كانت تتحدث كثيراً ولاتصمت وكأني بها مستعجلة أو كأن شيئا ما يلاحقها” تقول نوارة.