مع صدور كل قرار أو مشروع بقانون يخص تنظيم الإنترنت تتزايد المخاوف من خلق مناخ رقابي وحدوث انتهاكات لحقوق المستخدم وخصوصيته. كما تتشكل، مع كل خطوة تشريعية جديدة، بنية عقابية داخل المساحة الوحيدة البعيدة عن السيطرة الحكومية، ليتغير ما بات مستقرا أن الإنترنت هو ملك لمستخدميه فقط.

مع صدور كل قرار أو مشروع بقانون يخص تنظيم الإنترنت تتزايد المخاوف من خلق مناخ رقابي وحدوث انتهاكات لحقوق المستخدم وخصوصيته. كما تتشكل، مع كل خطوة تشريعية جديدة، بنية عقابية داخل المساحة الوحيدة البعيدة عن السيطرة الحكومية، ليتغير ما بات مستقرا أن الإنترنت هو ملك لمستخدميه فقط.

كانت الجريدة الرسمية قد نشرت في نوفمبر/ تشرين ثاني 2014 قرارا لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بشأن الموافقة على انضمام مصر إلى الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات. هذه الإتفاقية تمّ توقيعها في القاهرة عام 2010، لكنها لم تدخل حيز التصديق إلا بتوقيع السيسي المشار له في أول هذه الفقرة، وكان من نتائج ذلك وضع مشروع بقانون “في شأن مكافحة الجريمة الإليكترونية”، الذي انتهت منه الحكومة المصرية مؤخرا وينتظر توقيع الرئيس، والأخير لديه السلطة التشريعية حيث تعيش مصر بلا برلمان منتخب منذ العام 2012.

ستكون الحكومة أمام جهاز المستخدم، حسب هذه الخطوات التشريعية الجديدة، وإذا لم يخبرها بما جرى ستعاقبه، حسبما يوضح محمد الطاهر خبير الحريات الرقمية. وقد عاش مستخدمو الإنترنت خلال العامين الماضيين معركة تقييد بداية من إعلان وزارة الداخلية عن قيامها بتتبع ومراقبة النشاط الإليكتروني وبخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي، واستخدام بيانات وآراء بعض مستخدمي الإنترنت كقرينة اتهام أمام جهات التحقيق.

يكشف تأمل مواد مشروع القانون الجديد عن وجود تعمد لتغليظ العقوبات سواء الغرامة المالية أو الحبس، فإذا استخدمْ مستخدمٌ البريد الخاص بأحد غيره يعاقب بالحبس والغرامة، ستة أشهر و10 آلاف جنيها (حولي 1166 يورو).  كما يغرّم أي شخص يستخدم حسابا مزيفا لشخص طبيعي أو اعتباري بغرامة قيمتها تتراوح من 5 إلى 15 ألف جنيها( أي من580  إلى 1750 يورو) ولو تمّ استخدم هذا الحساب “فيما هو مسىء” يحبس لمدة لا تقل عن سنتين.

أنت مجرم، لكنك لا تعرف هذا

يعتبر محمد الطاهر، مدير برنامج الحريات الرقمية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن هذا المشروع يثير الكثير من المخاوف لدى المستخدمين، خاصة أن الإنترنت لا يزال الساحة الوحيدة التي يمكن أن يمارس بها النقد دون أن يتمكن أحد من معاقبة المستخدم على رأيه أو موقفه النقدي، لكن أغلب السلطات العربية لديها رغبة في السيطرة على هذا المجال.

يفرض المشروع كذلك عقوبة على المستخدم دون أن يكون واعياً بذلك، وهو ما يوضحه الطاهر بقوله:” من الممكن أن يُخترقْ حساب أحد المستخدمين، أو موقعه، ويستخدم حسابه البريدي مثلا في إرتكاب أي نشاط إجرامي، لكن صاحب الحساب سيعاقب  لأنه لم يبلغ عن الإختراق أو عن استخدام هذا الحساب من قِبل مستخدم غيره”. ويشير الطاهر إلى أن أغلب حالات الإختراق للحسابات الشخصية أو الخاصة بمؤسسات تتمّ دون أن يعرف الضحية أنه قد تعرض لذلك أو أن حسابه مُخترَق من الأساس!

التطهر من “البورن”

من ناحية أخرى تسمح المادة 19 من المشروع بحجب أو غلق المواقع أو الروابط التي تبث على الإنترنت وتمثل تهديدا للأمن القومي، وسيكون القرار النهائي لمحكمة الجنايات، حيث يصدر قرارها خلال نفس اليوم من طلب جهات التحقيق. كما يسمح لجهات التحقيق أن تخطر الجهاز القومي لتنظيم الإتصالات كتابيا ليحجب الموقع أو المواقع، في حالة الإستعجال، وقد وضعْ شرط يسمح للمحكمة بإلغاء الحجب إذا لم يقدم محضر بالواقعة للبت في شأنه خلال 48 ساعة.. لهذا يفترض الطاهر أن تنفيذ القانون سيكون أمرا صعباً، من الناحية التقنية.

من جانبها وظفت الحكومة المادة الخاصة بالحجب للترويج لمشروعها، حيث جرت العادة أن يصحب فرض الوصاية والمنع حماية للأخلاق والتقاليد، وهو ما تحقق عندما أعلنت وزارة الإتصالات المصرية أن هذا المشروع سيسمح بحجب المواقع التي تقدم مقاطع فيديو ذات محتوى عاطفي أو جنسي، فيما عرف إعلامياً بقضية “حجب المواقع الإباحية”.

كانت ثلاثة أحكام قضائية قد صدرت من القضاء الإداري في الأعوام 2009، و2012، وآخرها في مايو/ أيار من العام الجاري بشأن إلزام الحكومة بحجب كافة المواقع التي تقدم “البورن”، لكن الجهاز القومي لتنظيم الإتصالات كان يرفض تنفيذ الحكم، كل مرة، لصعوبة تنفيذه مرة بحجة أن ذلك سيؤدي لخفض سرعة الإنترنت في مصر، وفي الثانية بأن الحكم لم يحدد الروابط المطلوب حجبها، وفي المرة الأخيرة، ذكر وزير الإتصالات خالد نجم أن المشروع الجديد سيمكن أي مواطن أن يقدم بلاغا لحجب أي موقع بدعوى التطهر من الإباحية!

وسيلة لمحاربة الإرهاب

من جانبه يري شريف هاشم نائب رئيس الجهاز القومي لتنظيم الإتصالات لشئون الأمن السيبراني، أن الأفعال التي جرّمها مشروع القانون، تتوافق مع التوجهات العالمية والإقليمية، العربية والإفريقية، إضافة إلى مادة خاصة لمواجهة الموجات الإرهابية التي ظهرت مؤخرا، حسب تعبيره.

كما يوضح هاشم أن التجربة المصرية كانت تستخدم قانون العقوبات لمواجهة الأشكال الجديدة لجرائم تقليدية مثل النصب والتهديد وغير ذلك، لكن نظرا لطبيعة تقنيات المعلومات لم يعد ممكنا التعامل أو تجريم أفعال مثل اختراق الشبكات أو سرقة الهوية الرقمية، وكذلك هجمات إعاقة خدمات الاتصالات والمعلومات بالقوانين التقليدية، حسبما يؤكد نائب رئيس الجهاز الحكومي، لهذا يعتبرت أن هناك حاجة لقانون متخصص، حيث يقول:” تلك الجرائم المستحدثة قد تؤثر علي آلاف وأحيانا ملايين من المستخدمين”. بينما يختلف محمد الطاهر مع هذا الرأي حيث يقول:”ما الحاجة لوجود نصوص خاصة بالجريمة الإليكترونية، هل يختلف السب والقذف بموقع فيسبوك عنه في التليفزيون أو الجرائد؟ إذا سرقت بطاقة إئتمان إليكترونيا، هل يختلف ذلك عن حدوث السرقة في ميكروباص؟”.

العقوبة لا تتغير إذا كانت الجريمة واحدة مهما اختلفت الأدوات المستخدمة في تنفيذها، وهو ما يبدو متعمدا في كل من إتفاقية العام 2010 ومشروع القانون للعام 2015، حسبما يؤكد خبير الحريات الرقمية، لكن يبدو أن إرادة الحكومة في السيطرة على الإنترنت بمبررات  مثل حجب “البورن” أو القضاء على الإرهاب مستمرة.