لا يعرف رضا عبد السلام إن كان قرار رفع الدعم عن السلع الغذائية والمحروقات، الذي صدر قبل أيام، سيصبّ في صالح أسرته المكونة من خمسة أفراد، ام إنه سيزيد من وضعها المعيشي تدهوراً.

فمن جهة، سيحصل عبد السلام على خمسين دينار شهريا (35 دولار أمريكي) عن كل فرد من أفراد أسرته، كتعويض عن رفع الدعم عن المواد الأساسية، “وبهذا المبلغ سأتمكن لا شك من تدبر أموري” يقول عبد السلام.

لا يعرف رضا عبد السلام إن كان قرار رفع الدعم عن السلع الغذائية والمحروقات، الذي صدر قبل أيام، سيصبّ في صالح أسرته المكونة من خمسة أفراد، ام إنه سيزيد من وضعها المعيشي تدهوراً.

فمن جهة، سيحصل عبد السلام على خمسين دينار شهريا (35 دولار أمريكي) عن كل فرد من أفراد أسرته، كتعويض عن رفع الدعم عن المواد الأساسية، “وبهذا المبلغ سأتمكن لا شك من تدبر أموري” يقول عبد السلام.

لكن من ناحية أخرى، يخشى هذا الرجل الذي يعمل موظفا حكومياً في طرابلس من أن لا تلتزم الحكومة بالقرار أو تتأخر في إرسال المبلغ المالي كما اعتادت أن تفعل في حالات مماثلة، ويكون بذلك قد وقع في ورطة مالية، وهو على أبواب شهر رمضان.

متوقف أصلاً

كان المؤتمر الوطني العام بطرابلس الأسبوع الماضي قد قرر رفع الدعم عن مجموعة من السلع الغذائية والمحروقات مقابل بدل نقدي يمنح شهرياً للفرد. ومن المقرر أن يزيد سعر لتري النزين والديزل إلى الضعف في غضون أيام قليلة، فضلا عن الزيادة في أسعار الأرز والسكر ومواد غذائية أساسية أخرى.

ورغم الارتفاع المرتقب في الأسعار يؤكد عبد السلام أن القرار سيكون ذا وقع إيجابي على الأسر الفقيرة. “فالدعم كان متوقفا أصلا بسبب فقد المواد التموينية من الجمعيات منذ أكثر من عام، أما الجديد اليوم فهو حصولنا على المبلغ المالي”.

ويأمل عبد السلام أن يساعده هذا المبلغ المضاف على تجنب شراء حاجياته بالدين، “بشرط ألا يتأخر وصوله مثلما يحصل عادة مع مرتّبي”.

ماذا لو توقف؟

حالة عبد السلام كموظف حكومي تبقى أفضل من حالات أولئك الذين يعيشون على منح صندوق الضمان الاجتماعي أو على المساعدات التي تقدمها الدولة للأسر محدودة الدخل، فهؤلاء رواتبهم شبه متوقفة أو يتم صرفها كل عدة أشهر معاً.

نجية بشير تعيل أسرة مكونة من ستة أبناء، تتقاضى مرتبا ضمانيا بالكاد يسد احتياجاتها، وقد اعتادت سابقا على القيام بجولة مطلع كل شهر على الجمعيات الاستهلاكية في منطقتها للحصول على المواد. “صحيح أنني كنت أعاني لتأمين السلع التموينية لكنني ببعض الصبر والتعب كنت أتدبر الأمر”.

تخشى نجية أن يتوقف دفع البدل النقدي فجأة، وتجد نفسها تحت ضغط الأمر الواقع، فثمن كيس الأرز زنة 25 كجم  صار بـ 60 دينار، وارتفعت كثيراً أسعار الدقيق والزيت والطماطم.

نجية تحمل هماً آخر هو موضوع المواصلات، فارتفاع سعر البنزين والديزل “سيفتح باباً للمصروفات لم يكن بالحسبان، وسأجد نفسي مضطرة لدفع مبلغ يتجاوز عشرين ديناراً بشكل يومي لإيصال أبنائي إلى جهات دراستهم بين مدارس وكليات”.

أبحث عن عمل

حالة القلق من المستقبل ليس فردية في الشارع الليبي، خصوصاً بعد التصريحات التي أطلقها مصرف ليبيا المركزي حول اتباع خطة تقشفية بسبب نقص إيرادات الدولة وتوقف تصدير النفط.

فقد سجلت الميزانية التقديرية لهذا العام عجزا يبلغ حوالي 18 مليار دينار، بعد اعتماد الموازنة العامة البالغ قيمتها 43 مليار دينار.

محمد الفرجاني (53 عاماً) أحد الذين يدفعون ثمن هذا التدهور الاقتصادي الذي تعيشه بلاده الغنية بالنفط.

في سنينه الماضية كان الفرجاني يعتمد على المرتب الذي يصرفه صندوق الإنماء الاقتصادي لأصحاب المحافظ الاستثمارية من ممتهني الأعمال الحرة والذي يبلغ 500 دينار ليبي (حوالي 350 دولار) ولكن المرتبات توقفت منذ أكثر من عام دون سابق إنذار، وإن تم رفع الدعم عن التموين والمحروقات فإنه سيعاني الأمرين لتأمين عائلته.

يقول الفرجاني “منذ توقفت رواتب المحفظة ونحن نعيش على منحة ابنتي الطالبة في كلية القانون بجامعة طرابلس (حوالي 140 دولار شهرياً)، وأنا أبحث عن فرصة عمل في أي جهة كانت لأوفر على ابنتي هذا العناء”.

البديل أولاً

مع استمرار حالة التدهور الأمني وعدم انتظام صرف المرتبات في كافة القطاعات، ومع اقتراب شهر رمضان الذي يزداد فيه استهلاك الأسر للسلع التموينية، تمضي حكومة الإنقاذ في غرب البلاد في تنفيذ قرار رفع الدعم.

يقول عضو لجنة التخطيط بالمؤتمر الوطني العام بطرابلس محمد معزب إن تحديد أسعار البنزين والديزل ورفع الدعم عن السلع سيتم بعد ضخ الأموال الخاصة بتحويل الدعم السلعي إلى نقدي للمواطنين.

وقبل أن يتم تفعيل رفع الدعم يؤكد معزب “ستصل للمواطنين حصتهم المالية لشهر أو شهرين مقدماً تجنباً لارتفاع الأسعار”.

الحل الأمثل

مدير صندوق موازنة الأسعار – الجهة المسؤولة عن استيراد السلع المدعومة – جمال الشيباني، يرى أن هذا القرار رغم ما يشوبه من تخوفات لازال الحل الأمثل للقضاء على ظاهرة التهريب، وسيكون له أثره الكبير لصالح “الطبقة الفقيرة”.

“فالزيادة التي تطال المواد سيتم إرجاعها لجيب المواطن” يقول الشيباني، مؤكداً أن “من يحاول التشكيك في الفائدة العامة لاتخاذ قرار الاستبدال هم فقط المستفيدون من استمرار الدعم” يقول الشيباني.

تطمينات بلا جدوى

عدا ذلك فإن الشيباني يؤكد أن أسباب اتخاذ هذا القرار تكمن في وضع ليبيا المالي السيء، وما تمر به ليبيا من ظروف “استثنائية” تدعوها لاتباع سياسة ضغط المصروفات وتقليصها، لافتاً إلى أن قيمة دعم السلع في السابق كانت تصل إلى 14 مليار دينار سنوياً.

تطمينات المسؤولين لم تفلح في تهدئة الناس، فالمواطنون اعتادوا على عدم تنفيذ الوعود.

رياض الرحيبي – 42 عاماً – سائق سيارة أجرة من طرابلس، قال لـ”مراسلون” إنه سيترك عمله كسائق مقابل نسبة من الإيراد يتقاسمها مع مالك السيارة، لأنه لن يتمكن من تحقيق أي أرباح في حال زادت أسعار الوقود مالم يقم برفع سعر الخدمة وهو ما يرفضه الركاب.

ولأنه لا يثق في وعود المسؤولين ينوي رياض البحث عن عمل آخر، يضمن له عائداً مضموناً لا يتركه وعائلته في مهب الريح.

التموين والمحروقات فقط

يوضح نائب رئيس لجنة المالية بالمؤتمر سعد بو الشرادة  أن الدعم سيستمر على الأدوية والمياه وشركات النظافة العامة وكهرباء المنازل والإنارة، وأن رفع الدعم سيكون فقط للسلع التموينية والبنزين والديزل لغير محطات توليد الكهرباء العامة.

قيمة الدعم النقدي التي سيتم إضافتها للمرتبات يقول بو الشرادة تم حسابها من خلال تحديد قيمة الدعم للمحروقات والدقيق، والتي تبلغ قيمتها 4 مليار ونصف تقريباً، ومن ثم تقسيمها على ستة مليون نسمة، لتكون النتيجة تقريباً 50 دينار للفرد، قال إنها ستوزع على المواطنين لمدة شهرين قبل تطبيق قرار رفع الدعم بهدف السيطرة على الأسعار.  

دعم الأدوية مستمر

بخصوص دعم الأدوية يقول بو الشرادة إنه مستمر “لقد خصص مبلغ قدره مليار دينار سيصرف  لجهاز الإمداد الطبي الذي يواصل رغم انقسام الحكومات توزيع الأدوية والإمدادات الطبية على كافة مدن ليبيا دون استثناء”.

ولضمان توزيع الدعم النقدي يقول بو الشرادة لـ”مراسلون” إن ذلك سيتم بالتعاون مع إدارة مشروع الرقم الوطني، حيث سيتم توزيع مخصصات الدعم للمواطنين باستخدام منظومة علاوة العائلة – المعروفة بمنظومة 2000 دينار – “لضمان حصول كافة الأسر الليبية على مستحقاتها دون استثناء”.

الدقيق والوقود

القرار الذي يفترض أن يأخذ حيز التنفيذ لا زال الفصل في إمكانية تطبيقه من عدمها بيد مصرف ليبيا المركزي، الذي فضّل الصمت بهذا الصدد،  خاصة وأنه محل صراع بين محافظين أحدهما يمارس عمله من مقر المصرف في طرابلس، والآخر المكلف من قبل مجلس النواب يمارس عمله من مقر المصرف الجديد في مدينة البيضاء شرق ليبيا.

مدير صندوق موازنة الأسعار جمال الشيباني يشدد على ضرورة التركيز على مصرف ليبيا المركزي، فهو يخشى أن يمرر القرار دون الحصول على موافقة مصرف ليبيا المركزي بالاستمرار في دفع الدعم النقدي، وهو ما قد يسبب المشكلة.

وكانت تسريبات إعلامية خاصة أوضحت لـ”مراسلون” عزم المصرف الاستمرار في دعم الدقيق والوقود، دون الخوض في تفاصيل أوفى حول استبدال هذا الدعم بدعم نقدي.

ويبقى التخوف من تمرير قرار رفع الدعم دون الحصول على موافقة المصرف المركزي بالاستمرار في دفع البديل النقدي، بحجة عدم الحصول على إيرادات تكفي لسد العجز القائم في بند الالتزامات، رهن استقرار الأوضاع الأمنية وعودة الشركات النفطية التي ستعيد بدورها حجم الإيرادات المعتاد للدولة الليبية.