تتحدث سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة عن خيبة أملها من عدم إنصاف عائلات ضحايا الثورة من قبل المحاكم العسكرية وعن مواضيع راهنة أخرى.

مراسلون: يرى بعض المراقبين بأن مسار العدالة الانتقالية متعطل في تونس خاصة وأنه لم ينصف عائلات ضحايا الثورة؟ ما تعليقكم على ذلك؟

تتحدث سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة عن خيبة أملها من عدم إنصاف عائلات ضحايا الثورة من قبل المحاكم العسكرية وعن مواضيع راهنة أخرى.

مراسلون: يرى بعض المراقبين بأن مسار العدالة الانتقالية متعطل في تونس خاصة وأنه لم ينصف عائلات ضحايا الثورة؟ ما تعليقكم على ذلك؟

سهام بن سدرين: قضايا شهداء وجرحى الثورة لم تأخذ مسارها الطبيعي منذ البداية. فقد تمت إحالة هذه القضايا أولا على أنظار المحاكم المدنية ثمّ وقع بعد ذلك إحالتها على أنظار المحاكم العسكرية بدعوى عدم تخصص المحاكم المدنية للنظر في التهم الموجهة للأمنيين والعسكريين.

وقد واجهت المحاكم العسكرية احتجاجات من قبل المحامين وعائلات ضحايا الثورة واعتبرت محاكم استثنائية وغير مخولة في مثل هذه القضايا وانطلقت المحاكمات العسكرية في 2012 في ظروف قيل إنها لم توفر أدنى شروط المحاكمة العادلة لعائلات الضحايا.

وقد مثلت الأحكام المخففة الصادرة في حق مسؤولين سابقين اتهموا بقتل متظاهرين خلال الثورة انتكاسة لعائلات الضحايا.  ويمكن القول إن هناك تعطل في تفعيل العدالة الانتقالية خاصة بعد تأخر إحداث دوائر متخصصة تعنى بالعدالة الانتقالية ولها صلاحيات تمكنها من إعادة فتح القضايا التي نظر فيها القضاء العسكري.

ألغت محكمة التعقيب قرار محاكم عسكرية بتبرئة مسؤولين سابقين متهمين بقتل متظاهرين خلال الثورة ما قد يعيد محاكمة هؤلاء. هل يتيح ذلك الفرصة لإنصاف الضحايا؟

تمّ قبول طعون النيابة العمومية من الدائرة العسكرية بمحكمة التعقيب للأحكام التي صدرت في عدد من المسؤولين السابقين المتهمين بقتل وجرح ضحايا الثورة والتي تراوحت بين 3 سنوات سجن وعدم سماع الدعوى. وبالتالي فهذه القضايا ستحال من جديد على أنظار محكمة الاستئناف العسكرية بتركيبة جديدة من القضاة.

لكن الإشكال يكمن في أن محكمة التعقيب لم تقبل سوى طعون النيابة العمومية في حين رفضت قبول طعون المحامين القائمين بالحق الشخصي، وبالتالي وقع إقصاء المحامين من تمثيل عائلات الضحايا في المحكمات القادمة التي سيحضرها المتهمون والنيابة العمومية من دون محامي عائلات شهداء وجرحى الثورة وهذا لا يضمن شروط المحاكمة العادلة.

طيب ماذا فعلتم كهيئة تشرف على كشف الحقيقة في جرائم النظام السابق من أجل توفير محاكمة عادلة لعائلات الضحايا وإنصافهم؟

ج: نحن كهيئة حقيقة وكرامة عقدنا جلسات عمل مع وزير العدل وطالبنا بالإسراع في إحداث الدوائر القضائية المختصة التي سنحيل إليها تلك القضايا، وقد عبر لنا الوزير عن استعداده لذلك لكنه أكد أن الاشكال يكمن في وجود نقص فادح في عدد القضاة.

ولتجاوز هذا الإشكال عقدنا جلسة مع الهيئة العليا للقضاء العدلي التي تشرف على تسمية القضاة وحاولنا البحث عن حلول ملائمة تأخذ بعين الاعتبار هذا النقص في القضاة المختصين في العدالة الانتقالية. وقد نذهب في اتجاه الاتفاق على أن يقع إحداث دوائر مختصة داخل الدائرة الجنائية وسيتم تكوين قضاة في الفترة القادمة في هذا المجال بمشاركة هيئة الحقيقة والكرامة.

 بعد الثورة كثر الحديث عن اتلاف جزء من أرشيف وزارة الداخلية لطمس بعض التجاوزات. هل توصلتم إلى أدلة تثبت صحة تلك المعلومات؟

 بطبيعة الحال اتلاف الأرشيف لا يحدث بشكل علني ولكن من المؤكد أن تلك الجريمة وقعت بعد الثورة وهناك عدة منظمات حقوقية وإعلاميين أثاروا الموضوع بعد الثورة.

في جميع الثورات تحدث مثل هذه الممارسات لكن جميع التجارب التي سبقتنا تؤكد أنه مهما تم اتلاف الأرشيف فإنه يوجد في الإدارة ما يكفي من الحجج لإدانة المجرمين الذين قاموا بخروقات جسيمة لحقوق الانسان ونحن واثقون أن ما تبقى من وثائق كاف لإدانتهم.

 كيف تتعامل معكم وزارة الداخلية بخصوص النفاذ إلى المعلومة والأرشيف؟

 إلى حد هذا اليوم ما تزال مؤسسة الأمن منغلقة على نفسها وتتعامل مع الأرشيف وكأنه ملك خاص بها لكننا نقوم بمجهودات للوصول للأرشيف مثلما نص على ذلك قانون النفاذ للمعلومة ولدينا أمل في التوصل لهذا وسنتمكن يوما ما قبل نهاية مهمتنا من النفاذ إلى هذا الأرشيف.

وماذا عن تعاون الحكومة هل تتعاطى بشكل إيجابي مع مطالبكم ومهامكم؟

 الحكومة الحالية تتعاطى بشكل مؤسساتي مع الهيئة ووجدنا جميع الأبواب مفتوحة أمامنا سواء في مستوى رئيس الحكومة أو في مستوى الوزراء وكتاب الدولة. لم نجد سوى التفاهم والحوار ونحن نعمل معهم بشكل متناسق وليس لدينا أي إشكال من هذه الناحية والمشاكل التي نعاني منها الآن هي نتاج لممارسات تمت في عهد حكومة مهدي جمعة السابقة والتي أغلقت الباب أمام الهيئة ورفضت التعامل المؤسساتي معها ومنعتنا من ميزانيتنا ومن المقر ومن الإدارة مما جعلنا نتأخر في أعمالنا.

كم تلقيتم من شكاية إلى الآن من قبل ضحايا النظام السابق الذين يطالبون بكشف المتورطين في التجاوزات والجرائم والفساد ويطالبون بجبر أضرارهم؟

خلال المرحلة الأولى من انطلاق عملنا في الإدارة المركزية بتونس العاصمة بلغ عدد الملفات التي تلقيناها 12 ألف وخمسمائة ملف أو شكاية. لكن بعد تركيز مكاتب جهوية في البلاد نتوقع أن يرتفع العدد إلى أكثر من ذلك.

وسنشرع قريبا في المرحلة الثانية من عملنا وهي تنظيم جلسات استماع للضحايا وستكون جلسة يوم الأربعاء القادم أول جلسة استماع لضحية وستتواصل مثل هذه الجلسات في الفترة القادمة بالتوازي مع فتح مكاتبنا الجهوية وعددها 25 مكتب لاستقبال التشكيات.

ما هي التحديات التي تنتظر عمل هيئة الحقيقة والكرامة خلال الأربع أو الخمس سنوات القادمة كما حددها القانون؟

المشكل الكبير يكمن في تفعيل مسار قانون العدالة الانتقالية وأشغال هيئة الحقيقة والكرامة التي انبثقت من هذا القانون لأن الهيئة لديها مهام كثيرة في حيز زمني ضيق لا يتجاوز خمس سنوات في أقصى الحالات ولكن بإمكانات لوجستية ومادية شحيحة مقارنة بهيئات شبيهة في العالم.

تواجه الهيئة اتهامات بأنها تقوم بتبذير المال العام خلال نفقاتها من دون تحقيق نتائج ملموسة. ما ردكم على ذلك؟

 هذا كلا م يروج على شبكات التواصل الاجتماعي لأناس يوجهون التهم دون الاستظهار بالإثباتات. الفساد المالي لديه معايير ومقومات فعلى أي أساس يتم الحديث على فساد؟  

لقد حصلنا العام الماضي على 2.5 مليون دينار من رئاسة الحكومة وقع صرفهم في بناء مؤسسة وقد تقدمنا بتقريرنا المالي لمراقب الحسابات حسب ما ينص عليه القانون وقام بالمصادقة عليه ونحن سنرفعه بدورنا إلى البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية.

أما بالنسبة إلى الين الذي تحصلنا عليه هذا العام بقيمة 10 ملايين دينار فإننا لم نكمل صرفه بعد ودائرة المحاسبات ستراقبنا ومن المؤكد أنها لن تتوانى عن محاسبتنا إن وجدت أية إخلالات.

عرفت علاقتك بالسيد الباجي قائد السبسي توترا كبيرا لما كان رئيسا للحكومة بعيد الثورة. هل يشكل اليوم وجوده في منصب رئاسة الجمهورية عائقا أمام طريقك؟

لما وقع انتخاب الباجي فائد السبسي لمسؤولية رئيس الجمهورية لم يعد اسمه الباجي قائد السبسي بل أصبح رئيسا للجمهورية التونسية. ولما وقع انتخابي على رأس هيئة الحقيقة والكرامة لم يعد اسمي سهام بن سدرين بل رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة.

لقد وضعنا خلافاتنا السابقة على جانب ونحن الآن في تواصل دائم مع رئاسة الجمهورية ولدينا جلسات مستمرة مع الديوان الرئاسي وقريبا سنعقد جلسة عمل مع رئيس الجمهورية بالذات.

اعتقد بأن رئيس الجمهورية لديه وعي بما فيه الكفاية كي لا يخلط بين آرائه الخاصة ومصلحة الدولة وأنا لدي نفس الشعور ولدي درجة من المسؤولية كي لا أخلط بين رأيي الخاص ومسؤولياتي على رأس هيئة الحقيقة والكرامة وبالتالي ليس لدي أي إشكال مع مؤسسة الرئاسة.