يشتكي تونسيون من منعهم من السفر للخارج تحت ذريعة الاشتباه بهم في محاولة الالتحاق بجماعات إرهابية، الأمر الذي قاد بعض الحقوقيين لشنّ حملة تطالب برفع اليد عن حرية التنقل.
فتحية الجبالي واحدة من النساء اللاتي جرى منعهنّ من السفر تحت شبهة الإرهاب بعدما رفضت السلطات الأمنية أن تمنحها جواز سفر جديد رغم تقدمها بطلب في ذلك قبل أكثر من شهر.
يشتكي تونسيون من منعهم من السفر للخارج تحت ذريعة الاشتباه بهم في محاولة الالتحاق بجماعات إرهابية، الأمر الذي قاد بعض الحقوقيين لشنّ حملة تطالب برفع اليد عن حرية التنقل.
فتحية الجبالي واحدة من النساء اللاتي جرى منعهنّ من السفر تحت شبهة الإرهاب بعدما رفضت السلطات الأمنية أن تمنحها جواز سفر جديد رغم تقدمها بطلب في ذلك قبل أكثر من شهر.
المرأة التي تجاوزت الأربعين عاماً كانت تنوي أداء مناسك العمرة في رمضان أملاً في الدعاء بالشفاء من مرض السرطان الذي أصابها، إلا أن “حجز جواز” سفرها زاد في تعكّر حالتها.
السبب وراء منعها من السفر هو أن السلطات الأمنية تشتبه في محاولتها الالتحاق بابنها الذي سافر للقتال في سوريا قبل عامين، مع أنها تنفي وجود أي نية لها بالسفر إلى سوريا وفق تأكيداتها.
وكانت فتحية قد أبلغت الشرطة عام 2013 عن اختفاء ابنها المتدين حمزة معربة عن خشيتها من أن يكون قد التحق بالمجموعات المقاتلة في سوريا. غير أن الشرطة لم تتمكن من التدخل في الإبان ليشق ابنها طريقه إلى الجهاد.
تفيض عيني فتحية بالدموع وهي تسترجع ذكريات ابنها البكر لكن رغم ما يبدو عليها من حزن فإنها تتماسك بعض الشيء لتحمّل ابنها مسؤولية اختياره. وتقول لـ”مراسلون” إن ما تأمل به اليوم هو الحصول على جواز سفر للتوجه إلى السعودية لأداء مناسك العمرة قبل أن تخضع إلى حصص العلاج الكيميائي من مرض السرطان.
وترى بأن حجز جواز سفرها وعدم تجديده في الآجال القانونية التي لا تتجاوز في العادة 15 يوما جعلها تشعر بأنها مسلوبة الحقّ في حرية التنقل وأنها رهينة لدى السلطات الأمنية، وفق تعبيرها.
قصة السيدة فتحية الجبالي تتكرر في حالات أخرى مشابهة للكثير من التونسيين الممنوعين من السفر بعد حجز جوازات سفرهم من قبل السلطات الأمنية تحت شبهة الالتحاق بجماعات إرهابية.
ففي ظل موجة تسفير الشباب إلى ليبيا وسوريا وجدت السلطات في منع السفر حلا لمعضلة “الجهاد”. وكان وزير الداخلية ناجم الغرسلي كشف مؤخرا عن منع أكثر من 12 ألف شخص من السفر. وقال أيضاً إن هناك “آليات” لمنع كلّ من يشتبه في نيته التوجه إلى سوريا للقتال، نافيا أن تكون وزارته قد اتّخذت أي إجراءات لمنع السفر دون براهين أو معطيات موثوق تماما في صحتها.
غير أن هذه الحجج والبراهين تظل مصدر تساؤلات حارقة لدى العديد ممن تضرروا من حجز جوازات سفرهم والذين لا يجدون إجابات مقنعة لدى السلطات الأمنية حول أسباب اتخاذ هذا الإجراء بحقهم.
وجدي التليلي واحد من الشبان المتدينين الذين اشتكوا من حجز جواز سفرهم دون أن يجد تعليلا مقنعا. لكن يبدو أن تدينه “هو أصل المشكلة” بحسب قوله. فقد أصبح هذا الشاب المقيم في محافظة القصرين، المنطقة الأكثر اضطرابا بسبب تواتر هجمات المسلحين المتحصنين بجبال الشعانبي، محلّ شكوك أمنية بسبب احتكاكه بمتشددين.
في بداية العام تعرض وجدي الذي انتقل للعمل في العاصمة تونس إلى الإيقاف من قبل الشرطة التي حولته للتحقيق في مركز للأمن بتهمة التخطيط للسفر إلى سوريا لكنه أنكر ذلك.
ولدحض التهمة عنه يقول وجدي إنه عمل فنّي كهرباء في اطار عقد مع شركة الكهرباء والغاز الحكومية وأن لديه ما يثبت ذلك، لكنه يقول إن الشرطة أصرت على توجيه التهم إليه بمحاولة الالتحاق بجماعات مسلحة خارج البلاد.
وبشيء من الحسرة يقول وجدي لـ”مراسلون” إن تعطيل حصوله على جواز سفر جديد حرمه من السفر إلى كندا حيث يقول إنه تحصل على فرصة للعمل يأمل أن تساعده على بداية حياة جديدة.
هذه المحنة طالت أيضا شقيقه الأكبر أيمن التليلي الذي أكد لـ”مراسلون” أنه منع من تجديد جواز سفره بسبب الاشتباه في أخيه وجدي بمحاولة السفر إلى سوريا. وبحسب أيمن، فإن رجل أمن في منطقته أعلمه بأن السبب يعود “لكونه شقيق وجدي وأنه خرج للتظاهر لإسقاط النظام السابق قبل الثورة”.
بعيدا عن هذه القصة تشتكي إيناس علوي شابة متحصلة على شهادة جامعية في اختصاص الهندسة المعمارية لكنها عاطلة عن العمل من عدم منحها جواز سفر رغم انقضاء مدة طويلة على تقديم طلبها.
هذه الشابة كانت تستعد للانتقال إلى فرنسا للإقامة هناك مع زوجها نهاية أبريل/نيسان الماضي لكن طلبها بالحصول لأول مرة على جواز سفر لم يتحقق والسبب في ذلك هو أن زوجها متحصل على العفو التشريعي العام بعد الثورة.
وشمل هذا العفو الآلاف من المساجين السياسيين والمتهمين في قضايا إرهابية قبل الثورة. لكن الكثير منهم أصبحوا موضع شبهات بعدما كشفت تقارير أمنية عن تورط أشخاص تمتعوا بالعفو العام، في القتال مع جماعات إرهابية.
لكن إيناس تؤكد لـ”مراسلون” أن زوجها المقيم بفرنسا باحث جامعي وليس له أي علاقة بشبهة الإرهاب، مضيفة أيضا بأن سجلها القضائي خال من أي سوابق.
وتقول إيناس إن حرمانها من جواز السفر حرمها من زوجها ومن فرصة التحاقها بمنحة دراسية حصلت عليها في فرنسا.
وبسبب تواتر حالات منع السفر وعدم الاستجابة لمطالب تجديد الجوازات أطلق مرصد الحقوق والحريات منذ شهر حملة “سيب الأخضر” (لون جواز السفر التونسي) لدعوة السلطات الإفراج عن جوازات سفر الآلاف من التونسيين الذين حرموا منها لمجرد الشبهة.
وفي السياق يقول مروان جدة المدير التنفيذي لمرصد الحقوق والحريات لـ”مراسلون” إن عدد الممنوعين من السفر إمّا بحجز جوازاتهم او منعهم من السفر يفوق 60 ألف شخصا، مضيفا بأن السلطات تجد حرجا في الإعلان عن هذا الرقم.
ويقول أيضا إن الغاية من هذه الحملة هو حمل السلطات على احترام دستورية الحق في امتلاك جواز سفر والحق في التنقل داخل البلاد وخارجها ودعوتها ايضا للتخلي عن سياسة العقاب الجماعي بذريعة مكافحة الارهاب وذلك بمنح القضاء وحده حق النظر في منع السفر من عدمه.
من جانبه انتقد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى التعدي على حرية التنقل الذي يكفلها الدستور، مشددا في آن واحد على أن امتلاك جواز السفر حق دستوري.
وأكد بن موسى بأن “الرابطة ستتضامن مع الممنوعين من السفر وستنظر في ملفاتهم حالة بحالة”.
“مراسلون” حاول الحصول على توضيحات من وزارة الداخلية بخصوص حرمان الآلاف من التونسيين من جوازات السفر وحول المقاييس التي يتم اعتمادها لاستخراج الجوازات أو رفض منحها إلا أننا لم نتحصل على اي رد رغم الاتصالات المتكررة.
علما أن وزير الداخلية صرح مؤخرا في إحدى الصحف بأنّ إجراء منع السفر يهدف إلى تحقيق شيء إيجابي وهو “منع الشباب من السفر للالتحاق بسوريا وإعطاء صورة طيبة عن تونس”.