جميلة عبد الرحمن – بنغازي
عشتار محمد – طرابلس
اشتداد المعارك في بنغازي حرم منى وزوجها وأطفالها الستة من منزلهم بمنطقة الليثي، ليجدو أنفسهم رفقة عشرين عائلة أخرى في إحدى مدراس منطقة الماجوري.
المطبخ ودار المعيشة والنوم تحولوا جميعاً إلى غرفة فصل دراسي مساحتها 56 متر مربع، وصلت إليها منى مع عائلتها بعد رحلة نزوح شملت السكن في مدرستين.
المكان لم يقِ العائلة برد أشهر الشتاء رغم محاولات جيران من الحي مدهم بالملابس والأغطية، فتعرضت هي وأبنائها إلى شتى الأمراض.
“الإعانات التي تصل غير كافية، ولدي ثلاثة أطفال يعتمد غذائهم على الحليب غالي الثمن”، تقول منى التي بدأت تتضح عليها متاعب الحمل. وتوضح أن “توقف الدولة عن صرف مرتب زوجها زاد من الفاقة التي نعيشها”.
نصف مليون
كشف تقرير نشرته الأمانة العامة للهلال الأحمر الليبي مطلع أيار/مايو الجاري عن نزوح ما يقارب أكثر من نصف مليون شخص داخلياَ خلال 11 شهراً من الحرب وتصاعد وتيرة العنف المسلح بين أطراف النزاع في البلاد.
وأوضح التقرير أنه منذ بداية النزاع المسلح ببنغازي في أيار/مايو 2014 حتى نيسان/أبريل الماضي نزح أكثر من مائة ألف شخص من المدينة، لتتصدر المدن الليبية في عدد النازحين داخلياً خلال تلك الفترة. وتزداد مهمة الهلال الأحمر صعوبة حين يضطر في كل مرّة إلى نقل مراكز إيواء النازحين بسبب توسع بقعة الصراع.
موجة النزوح اشتدت مع عملية الكرامة التي أطلقها الفريق ركن خليفة حفتر قبل نحو عام والتي أجبرت العديد من العائلات في بنغازي على النزوح بسبب قرب المعارك من مناطقهم وخوفًا من القذائف العشوائية التي أصابت كثيراً من المنازل.
من المرج لبنغازي
حتى الأماكن التي نزح إليها أهالي بنغازي لم تكن على مستوى الأزمة، ولم تستطع بعضها تحملهم حتى انتهاء المعارك قرب منازلهم، لتقرر مدارس مدينة المرج إجلاء النازحين المتواجدين بها مع بدء الدراسة، وتكون العودة إلى بنغازي هي مصيرهم.
“تشردت أنا وعويلتي وتعبنا من العيشة هذي لكن الله غالب”، بهذه الكلمات تتذمر أم رتاج النازحة من منطقة بوعطني والتي تسكن وعائلتها حالياً في نفس المدرسة حيث تعيش منى.
تقول المرأة الخمسينية المتزوجة ولديها خمسة أطفال إنها اضطرت للخروج من منزلها الكائن بمنطقة بوعطني قبل أكثر من خمسة أشهر بعد سقوط قذائف عشوائية عليه دون أن تصيب أحداً من العائلة بأذى.
وتضيف لـ”مراسلون”: “تمكنا من الخروج برفقة عدد من الجيران والذهاب إلى مدينة المرج التي كانت تستقبل النازحين آنذاك وسكنت بمدرسة في المدينة، حيث وفروا لنا معظم المستلزمات والمواد الإغاثية والأغطية من قبل الجمعيات الخيرية هناك”.
الأكثر معاناة
غير هذه العائلات توجد أكثر من 22 ألف عائلة هجرت منازلها وذلك بحسب إحصائية “المركز الإعلامي لتجمعات بنغازي” وهي مؤسسة مدنية رسمية هدفها حصر العائلات النازحة داخل وخارج بنغازي ومحاولة تقديم مساعدات لها.
هذه الأرقام تنسجم مع إحصاءات الهلال الأحمر التي تبين أن سكان بنغازي هم الأكثر معاناة بسبب الصراع خلال الفترة التي يغطيها التقرير، إذ نزح من المدينة حوالي 109 آلاف شخص.
يقول توفيق شكري الناطق باسم الهلال الأحمر فرع بنغازي: “لايزال النزاع المسلح مستمراً في سبع مناطق من مدينة بنغازي (وسط البلد، الصابري، القوارشة، الليثي، قاريونس، شارع فينسيا). هذه المناطق من المستحيل العودة إليها”.
وما يخشاه شكري – الذي يعيش حالة نزوح مع أسرته – هو تمدد وتوسع بقعة الاشتباكات لبقية المناطق شبه الآمنة، “ومعها نضطر إلى نقل وتوسيع مراكز الإيواء التي يبلغ عددها حاليا 63 مركز إيواء متمثلة في المدارس المغلقة”.
هناك أيضاً بحسب شكري فئة النازحين داخل البيوت. هؤلاء يخضعون لمنظومة التجمع السكاني للنازحين كلٌ حسب منطقة نزوحه وعددهم التقريبي 27 ألف شخص، و”لايزال هذا العدد يخضع للتدقيق نتيجة لرفض العديد منهم التسجيل واستشعارهم الإهانة عند تصنيفهم كنازحين ” حسب قوله.
المنطقة الغربية
أما في غرب البلاد فيذكر تقرير الهلال الأحمر أن الصراع ينقسم إلى منطقتين: الأولى في محيط مدينتي ككلة والقلعة في الجبل الغربي والتي شهدت قتالاً مع مدن الزنتان والرجبان، ووصل عدد النازحين منها إلى أكثر من 39 ألف شخص في تشرين أول/أكتوبر 2014، والثانية في منطقة ورشفانة التي تشهد قتالاً مع قوات فجر ليبيا حيث وصل عدد النازحين فيها في آب/أغسطس 2014 إلى 17 ألف شخص.
وأشار الهلال الأحمر إلى أن هذه الأرقام قابلة للزيادة نتيجة لاستمرار النزاع المسلح داخل ليبيا بشكل عام، وبشكل أخص في منطقتي بنغازي وورشفانة.
ولفت التقرير الانتباه إلى آن مدينة درنة معقل الجماعات المتطرفة في شرق البلاد شهدت “نزوحاً ثانويا” ولم يفسر التقرير حيثيات النزوح الثانوي، بينما في الجنوب حيث النزاع المسلح في منطقة أوباري يعتبر صراعاً قبلياً داخل المدينة، فقد أدى إلى نزوح حوالي 18 ألف شخص.
أما داخل طرابلس فقد قدرت اللجنة المعنية بالأزمة في مجلس المدينة عدد العائلات التي نزحت من العاصمة الليبية جراء القتال والمطاردة على الهوية القبلية والرأي السياسي بحوالي 7240 عائلة، ويقول مراقبون إن هذه الأعداد قابلة للارتفاع.
نزوح وحصار
عبد المنعم الكابو مدير لجنة الشؤون الاجتماعية بالرجبان قال إن المدينة استقبلت 85 شاباً نازحاً من منطقتي فشلوم وتاجوراء بطرابلس هرباً من المطاردة نتيجة الاقتتال الأخير، وتوقع وصول المزيد منهم وعودة نزوح العائلات مجدداً من مناطق ورشفانة، بئر الغنم، طريق المطار وحي الاكواخ نتيجة لاحتدام الاشتباكات المسلحة.
وسبق أن استقبلت مدينة الرجبان 600 عائلة نازحة، منها من تمكن من العودة إلى مسكنه وإعادة ترميمه، بينما لم تتمكن 95 عائلة من تعويض خسائرها لازالت باقية في مدينة الرجبان متوزعة على مساكن المواطنين.
وذكر الكابو أن العائلات تتعاون فيما بينها “لتوفير احتياجات تلك العائلات بحكم أن كلاً من مدينتي الرجبان والزنتان محاصرتان، والعديد من هذه العائلات صار ينتج الخبز والحلويات أو يعمل في الأشغال اليدوية والميكانيكية لكي يكفل احتياجات عائلته بكرامة”.
وأضاف أن “العديد من الأشخاص الذين سبق وأن استقبلناهم كنازحين يعودون بمبالغ مالية مطالبين توزيعها على العائلات الباقية”.
مع استمرار الصراع بليبيا وتجهم الأفق وتوسع بقعة الاقتتال ومخاوف من ازدياد نسبة نزوح المواطنين كانت جمعية الهلال الأحمر الليبي هي الجهة الوحيدة التي واكبت هذا الصراع بجهد توثيقي محلي يشمل الاغاثة الانسانية للنازحين ومتابعة قضايا المفقودين والجثث مجهولة الهوية.
لكن تقرير الهلال الأحمر لم يتطرق إلى النازحين خارج البلاد. وفي هذا الشأن أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها أحصت أواخر عام 2014 نحو 100ألف ليبي فروا إلى الخارج.