في حوار خصّ به “مراسلون” تحدث راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية عن العديد من المواضيع الحساسة مثل جدوى ارتداء النقاب وحرية المثلية الجنسية ورأيه في أداء حكومة الصيد وفي أداء حركة الأخوان المسلمين في مصر وغيرها من الموضوعات الشائكة.

وهنا نص الحوار:

مراسلون: أنت ترفض تجريم المثلية الجنسية مع أنها محرّمة في الشريعة الإسلامية. هل ما زلت ثابتا على نفس الموقف؟

في حوار خصّ به “مراسلون” تحدث راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية عن العديد من المواضيع الحساسة مثل جدوى ارتداء النقاب وحرية المثلية الجنسية ورأيه في أداء حكومة الصيد وفي أداء حركة الأخوان المسلمين في مصر وغيرها من الموضوعات الشائكة.

وهنا نص الحوار:

مراسلون: أنت ترفض تجريم المثلية الجنسية مع أنها محرّمة في الشريعة الإسلامية. هل ما زلت ثابتا على نفس الموقف؟

الغنوشي: نحن قلنا بكل وضوح إن الاسلام ككل الديانات يحرّم المثلية الجنسية وأنه لا يرى صورة للزواج إلاّ بين رجل وامرأة ووفق عقد وهذا هو الشكل الوحيد للعلاقة الجنسية التي تقرّها كل الديانات ويقرّها أيضا القانون الطبيعي.

كل ما في الأمر أني قلت إن الاسلام يحترم الحياة الخاصّة للناس ولا يتلصّص على الناس من وراء الأبواب ولا يفتّش في ضمائر العباد. أما بالنسبة للزواج فنحن لا نرى تعاقدا ينشئ أسرة إلا بين ذكر وأنثى وليس بين جنس مماثل.

ولكن الإشكال هنا ليس التجسّس بل التجريم، فأنت قلت أنك لا تجرّم المثلية الجنسية، ألم يكن ذلك موقفك؟

أنا قلت إنه يجب أن نحترم الناس في حياتهم الخاصّة. أنا لا أنفي وجود ظاهرة الشذوذ الجنسي في تونس، ولكن لست مع تشريعها أو التجسس على أصحابها.

لا يزال الجدل حول ارتداء النقاب أو منعه قضية تشغل جزءا من المجتمع التونسي. فما هو موقفك من ارتداء النقاب أو منعه؟

أنا أتبنى موقف دار الافتاء عندما ذهبت إلى القول بأن النقاب ليس واجبا دينيا وأن من لم تتنقّب ليست آثمة. ثمّ أن التنقّب أو تعرية رأس المرأة كلها ممارسات تعود للحرية الفردية وليس من دور الدولة أن تفرض أو تمنع ذلك لأن هذا يعتبر تدخّلا في الحياة الخاصّة للناس وهو أمر مرفوض.

نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لم يكن مختلفاً عن دولة الاستعمار فقد تدخّلت (الدولة) للحد من الحرية الشخصية للناس مثلما تدخّلت كذلك دول إسلامية أخرى في الاتجاه المضاد فارضة زياً معيناً وقيوداً على حرية اللباس. نحن ضد هذا وضدّ ذاك ونرفض فرض الحجاب أو النقاب ونرفض منعهما أيضا.

ولكن إذا كانت هناك ضرورات أمنية ملحّة فيمكن لأجهزة الأمن أن تتخذ الإجراءات المناسبة للكشف عن الوجه متى استدعى الأمر ذلك. لكن هذا لا يعني أن نتجه لإصدار قرار حكومي لمنع النقاب أو الحجاب.

وعموما أنا لا أحبّذ ارتداء النقاب ولا أدعو إليه لأني لا أراه واجباً على المرأة المسلمة ولا أراه نافعاً أيضاً.

كيف حافظت حركة النهضة كحزب له مرجعية إسلامية على وجودها زمن انهيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية واستطاعت أن تضع من جديد قدما في السلطة بعد تجربة حكم اعتبرت فاشلة؟

التحوّل الديمقراطي في تونس حقق نجاحات كبيرة بفضل سياسة التوافق بعيدا عن سياسة المغالبة والصراع، وحركة النهضة تعتبر نفسها رائدة في تبنّي سياسة التوافق في البلاد على عكس ما جرى في بقية الثورات العربية التي لا أقول فشلت ولكن تعثّرت لأنها لم تعتمد سياسة التوافق وإنما سياسة الصراع.

ولا بدّ من أن نشير إلى أن هذه السياسة لا يمكن أن تنجح لو لم نجد من يتجاوب معها، فاليد الواحدة لا تصفّق، والقوى السياسية في تونس ذهبت عن طواعية للتوافق بعد أن رأت خطر سياسة المغالبة.

واعتبر أن اللّقاء الذي وقع بيني وبين السيد الباجي قايد السبسي في صائفة 2013 بباريس كان انطلاقا لسياسة التوافق وطيا لصفحة سياسة المغالبة وكسر العظام.

تشارك حركة النهضة بحقيبة وزارية واحدة في ائتلاف رباعي حاكم بدأ يثير التوقعات بانفجار محتمل لغياب برنامج حكم ناجع. لماذا قبلت النهضة بدور ثانوي وتخلّت في المقابل عن تزعّم المعارضة؟

الائتلاف الحاكم ليس مهدّد بالانفجار والوضع السياسي في تونس مستقر. صحيح هناك بعض الاضرابات كما يحدث في كل الديمقراطيات في العالم وأغلب تلك الاضرابات تلغى عبر اللجوء للحوار الذي كان قد أسفر عن إرساء عقد اجتماعي بين الحكومة والنقابات العمالية والاتحاد الصناعة والتجارة (منظمة أرباب الأعمال).

ومؤخرا تم توقيع اتفاق هام بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل حول الزيادات في الأجور.

وقد أصبحنا اليوم نعيش في دولة ديمقراطية ناشئة تحلّ فيها كل الأمور العالقة بالحوار والتوافق وابتعدنا عن عقلية اللجوء للقوة الأمنية لقمع هذه الاحتجاجات العمالية.

وليس هناك اليوم انفجار اجتماعي يمكن أن يهدّد الاستقرار السياسي في البلد حيث يواصل الائتلاف الحاكم عمله وقد تم مؤخرا إحداث تنسيقية بين الأحزاب الأربعة الحاكمة التي تمثّل أكثر من 70 % من أصوات الناخبين وهي تجتمع دوريا لدعم جهود الحكومة.

طيّب لماذا تخلت حركة النهضة عن تزعّم المعارضة واختارت بدل ذلك أن تكون شريكا ثانويا في الحكومة؟

الانتخابات التشريعية الأخيرة نقلت حركة النهضة من الحزب الأوّل إلى الحزب الثاني في البلاد ونحن اعترفنا بالنتائج وهنأنا الناخبين بذلك. وحركة النهضة ليست هي من قام بتشكيل الحكومة بل الحزب الأوّل الفائز في الانتخابات.

نعم كان بإمكاننا قيادة المعارضة باعتبار أن لدينا تقاليد كبيرة في المعارضة ولكن رأينا أن مصلحة الانتقال الديمقراطي في تونس تقتضي أن نأتلف لا أن نختلف لأن الأوضاع لا تزال هشة لا تتحمّل معارضة قوية بوزن حركة النهضة والبلاد ما تزال في حاجة إلى سياسة التوافق.

ومن هذا المبدأ قبلنا الانضمام للحكومة بعدما عرضت علينا وزارة واحدة وأربع كتابات دولة لأننا حريصون على التوافق ونحن مقتنعون في لغتنا العامية بقول “من مسك بالإصبع مسك باليدّ كلها”.

يقال أن حركة النهضة رضيت بجزء يسير من السلطة ليس بحثا عن التوافق بقدر ما هو خشية من المحاسبة على سنوات حكمها وحتى تكون قريبة من دائرة الحكم وتمنع أي إدانة بشأنها. ما تعليقك؟

في الحقيقة هذا محض افتراء لأن حركة النهضة حكمت وفق القانون الذي يبقى فوق الجميع سواء كنّا في الحكم أو خارجه، فمن كان في الحكم ليس هو خارج سلطة القانون أو يد القضاء التي تطول من يحكم ومن يعارض.

ثمّ أن حركة النهضة ليس عندها ما تخشاه أو ما تخفيه. كل ما نخشاه على بلادنا هو أن يتعثّر فيها التحوّل الديمقراطي كما تعثّر في بلدان أخرى، لذلك القضية التي تشغل بالنا هي إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي.

تواجه الحكومة الحالية التي يقودها الحبيب الصيد سيلا من الانتقادات بدعوى أنها فشلت في أدائها وخيبت الآمال المعلّقة عليها. هل تفكر حركة النهضة بأن تسحب الثقة من الحكومة أو تضغط على الأقل لفرض تحوير وزاري؟

الأطراف التي تنتقد اليوم حكومة الصيد وتصفها بأنها حكومة فاشلة هي نفس الأطراف التي طالبت بإقالة حكومة الترويكا السابقة وسعت لإسقاطها حتى قبل تزكيتها في البرلمان.

واليوم ذات الأطراف تطالب بإسقاط هذه الحكومة وتزعم فشلها مع أنه لم تمر فترة المائة يوم المتعارف عليها لتقييم أداء الحكومات.

هل هذا يعني أن هذه الحكومة ما تزال تحظى بدعم حركة النهضة؟

بالطبع. حكومة الصيد لا تزال تحظى بدعمنا وبثقتنا الكاملة وبدعم بقية الأحزاب السياسية التي تشكّل الائتلاف الحاكم في البلاد.

أي موقف قد تتخذه حركة النهضة لو طرحت إمكانية تعديل وزاري لضخ دماء جديدة في الحكومة ناهيك وأن كل التوقعات تشير إلى ذلك؟

نحن لا نحبّذ ذلك. قد نفكر في مساءلة بعض الوزراء ولكننا ضدّ سحب الثقة من هذه الحكومة لأن البلاد تحتاج للاستقرار.

ما هو تقييكم لأداء حكومة الصيد وهل تعتقدون أنها تسير في الدرب الصحيح؟

نحن لدينا ثقة في أن حكومة الحبيب الصيد تسير في الاتجاه الصحيح وأنها قادرة على تحسين الأوضاع.

هل تعتقد أن حركة النهضة استفادت مؤخرا من الأزمة الداخلية التي هزت حزب حركة نداء تونس الفائز بالانتخابات الماضية؟

نحن نرى بأن من مصلحة البلاد تقتضي وجود أحزاب قوية ومتماسكة ولا مصلحة لتونس في وقوع أزمات داخل الأحزاب الكبرى.

لكن هناك أطراف في حزب نداء تونس كانت قد وجهت لكم اتهامات بتغذية الصراع الداخلي في حزبهم. ما هو ردكم على ذلك؟

هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، ونحن لا نتدخّل أبدا في شؤون الآخرين.

كيف تقيّم أداء رئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي؟

أظن بأن أداءه معقول، فقد قام بتصحيح بعض الأخطاء في سياستنا الخارجية مثل خطأ الحكومة السابقة في الملف الليبي حيث انحازت حكومة جمعة إلى طرف دون آخر لكن الباجي قايد السبسي عدّل المواقف عندما اعترف بحكومتين وتعامل معهما بنفس المسافة.

ماذا سيحدث في المؤتمر القادم لحركة النهضة؟ هل فعلا سيقع تغيير اسم الحركة وسيقع فصل النشاط السياسي عن النشاط الدعوي؟

نعم من المحتمل أن يقع فصل الدعوي عن السياسي ومن الوارد أيضا تغيير اسم الحركة ولكن المؤتمر هو من سيقرّر في النهاية.

هل تعتقد بأن شعور الاخوان في مصر بالاضطهاد قد يدفعهم للتحالف مع الجماعات الارهابية لإسقاط حكم العسكر كما يزعم بذلك البعض؟

هذا لم يحصل إلى الآن لكن يخشى حصوله في المستقبل. فالإمعان في الاضطهاد قد يدفع بالإخوان إلى التطرّف وإلى الارتماء في أحضان داعش. ولكن الإخوان لم يتورطوا إلى الآن في العنف وقد نددوا بالعمليات الإرهابية في سيناء.

لكن يبدو أن النظام في مصر حريص على توريط الاخوان في العنف حتى تتخذ من ذلك مسوّغا وذريعة لإبادتهم وفرض نظام بوليسي في مصر.

يقول البعض إن تنظيم الدولة “داعش” هو جنين مشوّه للحركات الإسلامية. هل ترى أن هناك مستقبل لهذا التنظيم الذي تغلغل في المنطقة العربية؟

أنا على يقين أنه لا مستقبل لتنظيم داعش ولا مستقبل للعنف والإرهاب. الإرهاب هو مرض وتنظيم داعش هو نوع متقدّم من هذا المرض وإذا تم اكتشاف أسبابه فسنقضي على هذا المرض.

وما هي أسباب هذا المرض؟

الدكتاتورية والاحتلال والفساد أحد أهم وأبرز أسبابه. فإذا أردنا القضاء على داعش وأخواتها علينا تجفيف ينابيع العنف المتمثّلة في الدكتاتورية والاحتلال والفساد.