حينما أسست مدينة السادس من أكتوبر (38 كم غرب القاهرة) في أواخر سبعينيات القرن الماضي لم تكن تحتوي على مكتبة عامة، لكن مؤخراً وضعت لافتة على أرض فضاء تعلن عن تأسيس واحدة. المسألة لا ترتبط بوجود مكتبة من عدمه، انما بمحاولات مستمرة لصناعة حياة ثقافية بضواحي المدينة الممتدة في صحراء الجيزة.

كشك وحيد

حينما أسست مدينة السادس من أكتوبر (38 كم غرب القاهرة) في أواخر سبعينيات القرن الماضي لم تكن تحتوي على مكتبة عامة، لكن مؤخراً وضعت لافتة على أرض فضاء تعلن عن تأسيس واحدة. المسألة لا ترتبط بوجود مكتبة من عدمه، انما بمحاولات مستمرة لصناعة حياة ثقافية بضواحي المدينة الممتدة في صحراء الجيزة.

كشك وحيد

يسكن مصطفي عبد الرازق مدينة السادس من أكتوبر منذ أكثر من عشر سنوات، ويحكي لـ “مراسلون” أن المكان الوحيد المخصص لبيع الكتاب كان الكشك التابع لمؤسسة أخبار اليوم بميدان الحصري. الكشك لا يعرض إلا جرائد ومجلات وعدد محدود من المطبوعات. لهذا كان يضطر للنزول إلى القاهرة للحصول على أي كتاب. يقول:”كان الكتاب السلعة الناقصة بالمدينة”.

قبل خمس سنوات أسس عبد الرزاق مركز دراسات الإسلام والغرب، ليكون نواة لترجمة ونشر الدراسات والكتب الغربية المهتمة بشأن المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام. كان الهدف من إصدار عبد الرازق لهذه الكتب أن يتعرف القارئ المصري على نظرة الآخر/الغرب له وللمنطقة، حسب تعبيره.  

حينما لم يجد عبد الرزاق الحماس الكافي من جانب بعض الناشرين المصريين لنشر هذه الترجمات قرر التحوّل إلى ناشر. بعد ذلك أسس في ديسمبر/كانون أول 2014 مكتبة “الكتبخانة- مركز الكتاب الدائم”، ساعياً إلى “توفير الكتب الجيدة بشرط ألا تكون مرتفعة الثمن من أجل تلبية حاجة سكان مدينة السادس من أكتوبر”. 

قبل الكتبخانة لم يكن ممكناً الحصول على كتب إلا ضمن المساحة المحدودة لبيعها بفرع سلسلة “فيرجن” العالمية بمول العرب،  أو البحث وسط أرفف سلسلة مكتبات “ألف” المصرية، أو داخل كشك الميدان. أي أن أغلب قراء هذه الضواحي كانوا إما أسرى لمعايير البيع الخاصة بهذه السلاسل المرتبطة بعرض العناوين الأكثر رواجاً، والكتابات الخفيفة والساخرة كذلك من ناحية أو مطبوعات “أخبار اليوم”.

الخروج عن الأسوار

من ناحية أخرى ساهمت الجامعات الخاصة بشكل كبير في توسع ضواحي كل من مدينتي السادس من أكتوبر والشيخ زايد، والأخيرة تم بناؤها سنة 1995 بمنحة من دولة الإمارات، على بعد 28 كم من ميدان التحرير وسط القاهرة.

المؤسسات التعليمية الخاصة جذبت الطلاب إليها بداية من أقدمها من حيث تاريخ التأسيس مثل “مدينة الثقافة والعلوم”  وليس انتهاءً بجامعة مصر للعلوم والتكنولجيا، فشكّل الوافدون الجدد ما يشبه الجاليات المُصغرة بالمدينتين.

كما واظبت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا على تقديم الأنشطة الثقافية وكان أحدثها ندوة للإحتفاء بالشاعر المصري الراحل جورج حنين رائد السيريالية ومؤسس جماعة “الفن والحرية” في الأربعينيات، إلا أن هذا الأنشطة لم تتجاوز أسوار الجامعة الكائنة بالحي المتميز أو مجتمعات طلابها.

في محاولة جديدة للتفاعل مع سكان هذه الضواحي والخروج عن أسوار الجامعة نظمت جامعة النيل مهرجان “مدينة زايد للإبداع” خلال النصف الأول من شهر أبريل/ نيسان الماضي.. هكذا تداول سكان المدينة قميص رياضي (تي-شيرت) حمل رسماً لخريطة المدينة، وجملة- بالإنجليزية- تؤكد دعوة سكانها لقبول التنوع. المهرجان كان بمناسبة مرور 20 عاما على تأسيس “زايد”، وضم حفلات لتوقيع كتب عدد من الكُتّاب المصريين منهم عمر طاهر وأحمد مراد، وعرض لوحات للفنانين منهم مجدي الكفراوي وخالد سماحي.   

عاصمة مُصغرة

يصف مصطفى عبد الرازق “أكتوبر” بأنها النموذج المُصغر من القاهرة، ويقول موضحا:”مشاكل المثقف في العاصمة تجدها بالمدينة، لكنها تبدو مضاعفة هنا”. ويرى صاحب “كتبخانة” أن معاناة ساكن المدينة في البحث عن الكتاب أو النشاط الثقافي مستمرة، لم تحلها الجامعات المنتشرة بها، أو قصور الثقافة بالحي السادس والسابع.

الثقافة لم تكن في دائرة الإهتمام سواء من جانب الدولة عند التخطيط أو من جانب السكان عندما عاشوا بالمدينة أيضا. لهذا يعتبر عبد الرازق أن مشروعه يهدف للقضاء على معاناة شخصية بالأساس، وإن كان قد وجد العديد من سكان المدينة يشاركونه هذه المعاناة، إذ يقول: “حاولت أن أجعل عملية النشر والحصول على الكتاب أكثر سهولة. من معاناتي الشخصية توّلدت لدي رغبة في تيسير أمور كل من يريد ترجمة أو نشر الكتب”.

مع صدور أول كتاب بدأت المشكلات، فحينما صدرت ترجمة كتاب “لعبة الشيطان – دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي” لروبرت دريفوس، أواخر عام 2010 كانت هناك نسخة أخرى من الكتاب مترجمة إلى العربية بالفعل، ويقوم ناشرها “الثقافة الجديدة” بتوزيعها على المكتبات.

حول ذلك يقول عبد الرازق موضحاً: “الترجمة كانت قد صدرت قبل ترجمتنا بشهرين عن دار “الثقافة الجديدة”، كما أن الأخيرة كانت قد حصلت على حقوق ترجمة ونشر الكتاب في اللغة العربية”.

بعد هذه الواقعة صار صاحب الكتبخانة أكثر خبرة في مجال صناعة الكتاب وأصدر عدة عناوين منها “خريف الإخوان” لكارم يحيي، وراوية “سجن مفتوح” لعبد النبي فرج، وترجمة محمد عيد إبراهيم لرواية “بنت مولانا جلال الدين الرومي” للبريطانية مورل مفروي، وديوان “يوميات ثائر” لطارق يوسف.

جرافيتي وإشارات أخرى

قبل سنوات، وقبل ثورة 25 يناير 2011، شهدت جدران هذه الضواحي أول رسوم الجرافيتي الخاصة بروابط تشجيع أندية الكرة المصرية، حيث واظب نشطاء من رابطتي “الألتراس” الأكثر شهرة لفريقيّ الأهلي والزمالك لكرة القدم على رسم الجرافيتي على العديد من جدران مدينة السادس من أكتوبر. مؤخرا تمّ محو مساحة كبيرة من هذه الرسوم عن طريق إعادة طلاء الجدران، لكن أثر ما تبقى منها ساهم في تشكيل ملامح حياة ثقافية جديدة وبعيدة عن العاصمة المصرية، ملامح بدأت مع تأسيس المدينة 1978، ولن تتوقف مع نشر الكتابات الجديدة وتأسيس المكتبات بها.