“لم ننتظر بلاغاً وذلك لقرب حادث غرق الناقلة من مقر قسم الإنقاذ النهري، وفور سماع “خبطة الدفاع” أو الناقلة تحركنا فورا إلى منطقة كوبري دندرة أمام كورنيش النيل، حيث غرقت الناقلة”. هكذا بدأ الأمين محمد عبد الرافع، مسؤول البلاغات بقسم شرطة الإنقاذ النهري بقنا، وقائد فريق الغطس، حديثه حول ما حدث يوم 22 نيسان/أبريل الماضي، إذ غرقت ناقلة الفوسفات “سيناء” المحملة بخمسائة طن من الفوسفات أمام منطقة كورنيش النيل بقنا.
أيام من العمل المتواصل
“لم ننتظر بلاغاً وذلك لقرب حادث غرق الناقلة من مقر قسم الإنقاذ النهري، وفور سماع “خبطة الدفاع” أو الناقلة تحركنا فورا إلى منطقة كوبري دندرة أمام كورنيش النيل، حيث غرقت الناقلة”. هكذا بدأ الأمين محمد عبد الرافع، مسؤول البلاغات بقسم شرطة الإنقاذ النهري بقنا، وقائد فريق الغطس، حديثه حول ما حدث يوم 22 نيسان/أبريل الماضي، إذ غرقت ناقلة الفوسفات “سيناء” المحملة بخمسائة طن من الفوسفات أمام منطقة كورنيش النيل بقنا.
أيام من العمل المتواصل
الأمين عبد الرافع وفريقه المكون من خمسة غواصين فقط استطاعوا على الفور إنقاذ ستة أشخاص كانوا على متن الصندل (الناقلة). ثم قام فريق الإنقاذ، كما يروي عبد الرافع، بالاشتراك مع الأهالي وأصحاب مراكب الترفيه الموجودة في النهر بـ”تصبير” الناقلة، أي ربطها بالحبال ومحاولة تعويمها قبل غرقها في الأعماق. لكن حجم الكارثة بدأ يتضح شيئا فشيئا، فالناقلة لم تستجد لمحاولة انتشالها، واتضح أنها تحتوي على كمية غاز كبيرة إضافة إلى الفوسفات الذي يمكن أن يلوث النهر.
وعندما بدأت فى الغرق جاءت تعليمات من إدارة القوات المسلحة بضرورة سحب الغاز من الناقلة “من خلال “طلمبات” شفط الغاز والمياه حتي لا يتلوث النيل وهذه “الطلمبات” تعمل يدوياً تحت المياه، وتم توصيل خرطوم إلى مكان السحب المخصص لها”. حسبما يقول عبد الرافع.
وفى اليوم الثاني، وبعد أن فشلت محاولات فريق الغواصين الصغير في انتشال الناقلة، نزل الخمسة غواصين إلى أعماق النهر من أجل تحديد مكانها بدقة بعد أن غرقت، وبدء محاولة انقاذ جددة.
ويقول عبدالرافع إن المحاولة الثانية فى تعويم الناقلة كانت الاستعانة بالبالون الضخم عن طريق الغطس تحت الناقلة، وإخراجه من الجانب الأخر، ثم توصيله بماكينة ضخ هواء من طرف ومن الطرف الأخر توصيله “بواير” ووضعه فى رأس الونش (الرافعة) تمهيدا لسحبه، ولكن جميع المحاولات بات بالفشل. إلى أن قرر رجال القوات المسلحة بقنا الاستعانة بونش عملاق جاء من القاهرة برا محملاً على 5 شاحنات ضخمة.
مهنة منسية
وبالرغم من وصول الونش العملاق فإن عمل الغواصين لم يتوقف لمدة ثلاثة أيام في موقع غرق الناقلة على مدار الساعة. وقاموا بتركيب أجهزة الشفط وتوصيل الخراطيم من أجل سحب مادة الفوسفات من أعماق النيل. ويوضح عبد الرافع أن مادة الفوسفات عندما وصلت إلى الماء أخذت شكل أجسام صلبة ولم تذب فى الماء لذا كان من السهل شفطها.
وأثارت حادثة غرق الناقلة، التي لا تزال عملية انتشالها مستمرة حتى اليوم، جدلا واسعا حول تأثير الفوسفات على صحة المواطنين، وحول سلامة النقل النهري. لكنها كشفت أيضا عن أهمية مهنة الإنقاذ النهري، التي لا تلقى الاهتمام الكافي.
فمركز الأمين عبد الرافع هو أحد 9 مراكز للانقاذ النهري في قنا، وأحد 28 مركزا على مستوى الجمهورية، تابعة جميعها لإدارة الحماية المدنية بوزارة الداخلية. وتتركز مهمته في إنقاذ الغرقى في محطتهم، وتأمين العائمات السياحية والمعديات النيلية، بالإضافة إلى مهمة انتشال الجثث والتحري عن الجرائم بالقرب من مسطح النهر.
ويقول عبد الرافع إن أغلب حوادث الغرق التي يتعاملون معها تنتج عن إهمال المواطنين، ونزولهم للاستحمام في النيل دون خبرة سابقة بالسباحة مما يعرض حياتهم للخطر.
معدات متهالكة
ورغم أهمية هذه المهنة خاصة أوقات الكوارث فإنها تعاني من الاهمال. الأمين عبد الرافع يشير إلى أن إنقاذ قنا يفتقد معدات الغوص بداية من بدل الغوص المناسبة، والزعانف، والماسكات، ومنظمات الهواء، وكمبروسرات شحن الهواء، واللنشات، وسترات وأطواق النجاة. كذلك فإن معدات الإنقاذ مثل الأحبال، والأثقال، وأحزمة الرصاص، وأسطوانات الهواء وكشافات الإضاءة، جميعها متهالكة.
كما ان أبناء هذه المهنة لا يحصلون بحسب عبد الرافع على التقدير الكافي. إذ لم ينل الغواصون أي مكافأة أو تكريم عن جهدهم المتواصل خلال 12 يوميا. لذلك يطالب عبدالرافع بضرورة تحسين أوضاع الغواصين وتوفير الإمكانيات اللازمة لهم لإنقاذ حياة الموطنين من الغرق، مع ضرورة إنشاء مكان جديد خاص بالإنقاذ النهري فى المدينة لأنهم يضعون المعدات بمنطقة خاصة بشركة مياه قنا على النيل.
طبقا للقواعد
المسؤولون عن الحماية المدنية لم يجدوا من ناحيتهم حاجة إلى زيادة عدد الغطاسين في مراكز الغوص نظرا للقدرة الغالية التي يتمتع بها الغواصون العاملون حالياً.
ويقول النقيب محمد محمود ابوزيد، رئيس قسم الانقاذ النهري بقنا، أن إجراءات اختيار الغواص تتم طبقا لمعايير طبية ومعايير تتعلق باللياقة البدنية بما يكفل سلامته تحت الماء و الكفاءة الجسمانية. ويتم تدريب الغواص علي أعماق تصل الي 40 مترا، كما يتم تعريض المتدرب لجهاز محاكاة الضغط تحت الماء “غرفة الضغط” وتعريضه لكافة الضغوط التي قد تواجهه في القاع، كما يمتلك الغواص مهارات السباحة طبقا لقواعد ومعايير مراكز الغوص العالمية والدولية.
وفي السياق نفسه يؤكد العقيد شريف إسماعيل، مدير إدارة الحماية المدينة بقنا، أن الغواص الذي يتم اختياره لمهمة الإنقاذ النهري يكون على مستوى عال من الكفاءة. فهو يعمل في ظروف صعبة نظرا لارتفاع معدل تلوث المياه، بالإضافة إلى تلال المخلفات في قاع النيل والأخشاب وبقايا المراكب الغارقة.
لكنه يستدرك قائلا أن هذه الظروف تعرض الغواص للأمراض والتلوث نتيجة وجود أجسام غريبة تحت الماء من زجاج وكتل معدنية ومخلفات يلقيها المواطنون في المياه وهو ما يعيق أيضا إلى حد كبير عملية الإنقاذ أو انتشال الجثث.