هناك على أطراف منطقة “الشيخ زويد” شرق مدينة “العريش” بمحافظة شمال سيناء، كان إبراهيم المنصور جالسا تحت مظلة يدخن، ويلقي بنظره بين الحين والآخر على كومة كبيرة من أشجار الزيتون المجتثة والتي كانت قبل أيام تملأ أرضه قبل أن تقرر الأجهزة الأمنية اقتلاعها لضرورات “الحرب على الإرهاب”.

كان يجب تدمير الأوكار

هناك على أطراف منطقة “الشيخ زويد” شرق مدينة “العريش” بمحافظة شمال سيناء، كان إبراهيم المنصور جالسا تحت مظلة يدخن، ويلقي بنظره بين الحين والآخر على كومة كبيرة من أشجار الزيتون المجتثة والتي كانت قبل أيام تملأ أرضه قبل أن تقرر الأجهزة الأمنية اقتلاعها لضرورات “الحرب على الإرهاب”.

كان يجب تدمير الأوكار

تجريف الأراضي الزراعية في المناطق الحدودية في العريش عملية كانت بدأتها السلطات الأمنية في العريش منذ نحو خمسة أشهر على مراحل، وجاءت لــ “ضرورات أمنية” بحسب مصدر أمني رفيع المستوي بمديرية أمن شمال سيناء. “فقد تحولت تلك المزارع إلى أوكار لاختباء العناصر الإرهابية المسلحة وهي تستخدمها في توجيه الضربات الصاروخية على أكمنة الشرطة ومقراتها ويجبرون الفلاحين ومالكي الأراضي على الصمت”.

ويضرب مثلا في عملية كرم القواديس في 24 تشرين أول/أكتوبر الماضي عندما تعرض كمين للشرطة لقذائف صارخية انطلقت بحسب المصدر من إحدى مزارع الزيتون القريبة وخلفت 31 قتيلا بين صفوف الجيش، “لذلك كان يجب علينا إزالة المزارع بالتعاون مع القوات المسلحة”.

وتابع قائلا إن الإزالة ساعدتهم كثيرا في تدمير مئات الأوكار الإرهابية والعشرات من الانفاق ومخازن الأسلحة التابعة للجماعات الإرهابية في فترة قصيرة والقبض على عدد من العناصر الخطيرة منهم، مؤكدا أنه “لا يمكن أن نصل لإزالة كل مزارع الزيتون وغيرها لأن القوات فقط تزيل المزارع التي تهدد الأمن العام للمدينة لكونها تستخدم كأوكار ومراكز لإطلاق الصواريخ على القوات الشرطية وفي النهاية الأمر كله خاضع للمتطلبات الأمنية للمدينة”.

اقضوا على الإرهاب لا علينا

وفي تعليق على المبررات الأمنية التي افضت إلى قلع أشجار مززرعته يقول المزارع منصور غاضباً: “لسنا ضد مهاجمة “الإرهابية” والقضاء عليهم، لكن يجب أن تراعي الحكومة التي اتخذت هذا القرار أصحاب المزارع المتضررة والتي تم إزالتها خلال هدم المنازل في رفح والشيخ زويد والطويل”.

يهدأ المنصور قليلا ثم يقول: “بالأساس زراعة الزيتون والتجارة فيه وفي منتجاته هى المهنة الأولى التي يعمل بها معظم أبناء سيناء، لكن الحرب بين الحكومة والإرهابيين منذ أن بدأت أدت إلى حدوث أزمات وصعوبات كبيرة، لتنهار تماما هذا العام نظرًا لوقوع المزارع قرب المناطق التي تتم فيها العمليات الأمنية وما يصاحب ذلك من اشتباكات نارية بين الجهاديين والقوات الأمنية”.

كان اسمها “أرض الزيتون”

طبقا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز الوطني لتنمية سيناء -هيئة حكومية تم إنشائها في 2012 تشرف على مشاريع الحكومة في شبه جزيرة سيناء- فإن مساحة الأراضي الزراعية بشمال سيناء تبلغ نحو 132 آلف فدان معظمها بمنطقة دلتا وادي العريش ومنطقة شرق العريش، منها نحو مائة ألف فدان يتم زراعتها بالزيتون وتسقى بعلياً، إذ يوجد بسيناء قرابة 3 ملايين و440 ألف شجرة زيتون. كما وتعد شمال سيناء المحافظة الأولى في تجارة الزيتون على مستوى مصر.

نصف الأراضي

وبحسب المنصور حدثت بعض الإزالات لمزارع الزيتون بعد الثورة في 2011، ولكن في مساحات ضيقة لم تكن تشكل خطرا على أرزاق الناس. “إلا أنه عقب حادث تفجير كمين كرم القواديس في تشرين أول/أكتوبر الماضي تم التجريف والإزالة بشكل قوي جدا ومستمر حتى الآن حيث تم تجريف نحو 50 ألف فدان أي نصف المساحة الكلية من زراعة الزيتون بالمدينة، مما جعلنا لا نجني قرشا واحدا من زراعة هذا الموسم”.

وبالنسبة للنصف الآخر من الأفدنة المزروعة “لم نجد سوقا لترويجها بسبب الأوضاع الأمنية،مما جعل خسارتنا تصل نسبتها إلي 80%. ويشير المزارع هنا إلى جملة من الصعوبات “بدءا من عمليات القطف والنقل في مناطق ينهمر فيها الرصاص مثل المطر من كل جانب، مرورا بمقتل الكثير من المزارعين بطريق الخطأ أثناء القبض على الجهاديين وملاحقتهم، فضلا عن الضرر الذي أصاب معاصر الزيت المنتشرة في سيناء فقامت بتسريح العمالة ورفع الأسعار لعدم توافر الإنتاج”.

ويضيف المنصور أن الكثير من المزارعين الذين لم تجرف مزارعهم اضطروا إلى بيعها بثمن بخس ولم يتقاضوا إلا جزءا بسيطا من ثمنها بعد أن فشل المشترون في جمع ثمارها أو نقلها، نظرًا لصعوبة السير من طريق “الشيخ زويد” لمدينة “العريش” عبر طرق غير ممهدة وغير آمنة “إذ تقوم العناصر الجهادية المسلحة بعمل كمائن يتم فيها تفتيش العمال بشكل دائم للتأكد من عدم وجود مجندين وسطهم، وهو ما يجعل العمل هناك شبه مستحيل”.

كنا نحلم قديما

تدهور الوضع الأمني بالمدينة تسبب في وقف مهرجان الزيتون الذي أقامه المزارعون مرة واحدة في تشرين أول/أكتوبر 2011 والذي كان من المفترض أن يقام سنويا بالتزامن مع موسم الحصاد.

ويوضح المنصور أن المهرجان الذي شاركت به ثماني محافظات (جنوب سيناء، الاسماعيلية، الشرقية ، الفيوم، الاسكندرية ، مطروح، الوادى الجديد ، أضافة الي محافظة شمال سيناء المنظمة للمهرجان) لم يكن يهدف فقط لمناقشة مشاكل زراعة وصناعة الزيتون، ولكن لخلق علاقات تواصل وتبادل خبرات بين أبناء العريش والوافدين من المحافظات الاخرى ومن خارج مصر أيضا  حيث كان يتم تنظيم مسابقات لأفضل مزارع للزيتون بمحافظة شمال سيناء. ولكن كل هذا تم إلغاءه.

الحكومة..ستبحث

من ناحية أخرى لم تمنح الحكومة حتى الآن تعويضات مناسبة للمزارعين المتضررين من تجريف مزارع الزيتون.

ويقول المهندس عاطف مطر وكيل وزارة الزراعة بشمال سيناء  إن وزارته “قامت بحصر مزارع الزيتون التي تضررت وتم جمعها في ملف وسيتم عرضه في القريب العاجل على الحكومة، تمهيدا لتعويض أصحابها المتضررين حتى يجدون مصدرا أخر للرزق بدلا من الخسائر الفادحة التي تكبدوها من جراء الوضع الأمني”.

لكن وكيل وزارة الزراعة لا يملك أي جدول زمني محدد يبين متى سيتم تعويض المزارعين المتضررين.