يحاول مصطفى الترهوني عبثاً الحصول على مخصصاته الشهرية من بعض السلع الغذائية من جمعية استهلاكية هو أحد أعضائها، وذلك بعد أن نضبت مخازن معظم الجمعيات من المواد التي كانت تباع للمواطن بسعر مدعوم.

يقول الترهوني – 68 عاماً – إنه صار مضطراً لشراء صندوق الزيت بأضعاف سعره، أما الأرز فسعره “في السماء” حسب قوله، إذ بلغ سعر كيس الأرز زنة 25 كيلو جرام داخل محال بيع المواد الغذائية والأسواق العامة 58 ديناراً (حوالي 40 دولار أمريكي)، بعد أن كان يباع فقط بخمسة دينارات داخل الجمعيات.

يحاول مصطفى الترهوني عبثاً الحصول على مخصصاته الشهرية من بعض السلع الغذائية من جمعية استهلاكية هو أحد أعضائها، وذلك بعد أن نضبت مخازن معظم الجمعيات من المواد التي كانت تباع للمواطن بسعر مدعوم.

يقول الترهوني – 68 عاماً – إنه صار مضطراً لشراء صندوق الزيت بأضعاف سعره، أما الأرز فسعره “في السماء” حسب قوله، إذ بلغ سعر كيس الأرز زنة 25 كيلو جرام داخل محال بيع المواد الغذائية والأسواق العامة 58 ديناراً (حوالي 40 دولار أمريكي)، بعد أن كان يباع فقط بخمسة دينارات داخل الجمعيات.

المشاريع المتكررة التي طرحها سياسيون ورجال اقتصاد منذ الثورة وحتى الآن لرفع الدعم عن السلع التموينية، كان دائماً يقابلها برامج لزيادة دخل المواطن ليتمكن من شرائها بسعرها الحقيقي، ولكن اختفاء تلك المواد فجأة من السوق دون إحداث تغيير يذكر على المرتبات هو ما يثير الحنق والتساؤل في الشارع.

يباع بالجمعيات

ليس ذلك فقط، بل وامتلاء رفوف المحلات التجارية بمواد طبع عليها عبارة “يباع بالجمعيات” يجعل مواطنين مثل الترهوني أكثر حنقاً.

يتساءل الترهوني “كيف وصل كيس الأرز إلى تجار السلع الغذائية رغم أنه مخصص فقط للجمعيات الاستهلاكية؟”، ويسترسل بغضب شديد “المواطن الليبي يواجه خطر التجويع في ظل انقطاع المرتبات، فأنا ومثلي كثيرون لم نستلم مرتباتنا لأكثر من عام كامل والتموين مقطوع وأسعار السوق لا تُطال”.

وتدعم ليبيا في الوقت الحالي سبع سلع رئيسية بعد أن كانت 12 أيام النظام السابق، هذه السلع هي الأرز والزيت ومعجون الطماطم والسكر والدقيق والخميرة وسميد القمح.

يقوم صندوق موازنة الأسعار بشرائها من مصانع الدقيق وجهات أخرى بالسعر الحر، وتسليمها إلى ستة آلاف جمعية استهلاكية لتوزعها في مختلف أنحاء البلاد بالسعر المدعم.

اتهامات بالبيع

إلا أن محمد زايد الذي يملك إحدى الجمعيات الاستهلاكية في طرابلس يقول في حديثه لـ”مراسلون” إن آخر مرة استلم فيها مخصصات جمعيته كانت في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، و”الإجابة التي نحصل عليها من القائمين على مخازن السلع هي أنه لا توجد أية مواد غذائية داخل المخازن” بحسب زايد.

هذا الوضع جعله هدفاً لغضب المواطنين الذين يترددون على جمعيته بشكل يومي للسؤال عن حصتهم في التموين، “هم يظنون بأننا نقوم ببيعها خلسة، رغم أن مقر الجمعية يكاد يكون خالياً إلا من كمية قليلة من المكرونة المحلية وبعض أكياس الملح” يقول زايد.

ذات الظروف يمر بها عبد العاطي الدعيكي مالك جمعية أخرى، والذي قرر إقفال الجمعية التي بات عاجزاً عن دفع إيجار مقرها بطرابلس المتراكم عليه منذ خمسة أشهر.

الدعيكي الذي تحدث لـ”مراسلون” بمرارة قال “نحن نعرف جيداً الظروف المعيشية للأسر الليبية، وخصوصاً المهجرون والنازحون منهم، فهؤلاء لا طاقة لهم على مجاراة الأسعار المهولة للسلع الغذائية التي ارتفعت فجأة”.  

من يتاجر بالتموين؟

بعد جولة “مراسلون” على عدد من الجمعيات الاستهلاكية التي تكررت فيها المشاهد والأحاديث ذاتها، توجهنا إلى مقر صندوق موازنة الأسعار المسؤول الأول عن هذه المشكلة.

مدير الصندوق جمال الشيباني تفاجأ بأسئلة “مراسلون”، ونفى كل ما قاله المواطنون وملاك الجمعيات الاستهلاكية، فبحسب علمه “القائمون على مخازن السلع مستمرون بتسليم مخصصات الشهرين الأخيرين لمالكي الجمعيات”.

وضم صوته لأصوات المتسائلين عن كيفية وصول السلع المدعومة للباعة والتجار المنتشرين على الطرقات العامة وفي الأسواق المحلية المفتوحة، حيث لا يملك أية إجابات على هذه الأسئلة.

لصالح المواطن

الشيباني يرى أن رفع الدعم رغم عدم صدور قرار بشأنه أصبح أمراً واقعاً منذ قرابة الشهرين في ليبيا، فالمواطن “يشتري كل احتياجاته من المحال التجارية وبالسعر التجاري”.

هو لا يرفض الفكرة، بل يعتقد أنه رغم الظروف الراهنة رفع الدعم بشكل رسمي “سيكون لصالح المواطن ونحن لازلنا بصدد طرح المقترحات على المؤتمر الوطني لإيجاد الطريقة المثلى لتطبيقه”.

ويبرر الشيباني وجهة نظره بأن عدد الجمعيات في ليبيا وصل 6000 جمعية استهلاكية، والتقارير تشير إلى أن أكثر من ثلث الشعب الليبي لا يستفيد من تلك الجمعيات، وفيما يدعم الصندوق سلعاً غذائية لأكثر من ثمانية ملايين مواطن، “هناك جمعيات استهلاكية وهمية تقوم ببيع مخصصات مستهلكيها خلسة”.

الحكومتان لا تتفقان

مكتب الإعلام بحكومة الإنقاذ الوطني بطرابلس يقول إن الحكومة ماضية دون تردد في تطبيق رفع الدعم، والبديل سيكون دفع مبلغ ثلاثين ديناراً (حوالي 20 دولار أمريكي) عن كل فرد كبديل.

ولكن في الوقت ذاته ترى الحكومة المؤقتة التي يرأسها عبد الله الثني ومقرها البيضاء شرقي ليبيا، أن رفع الدعم يحتاج إلى وضع آلية تتضمن رفعاً تدريجياً لمدة أربع سنوات.

وهو ما يرفضه تماماً عدد من الذين تحدثوا إلى موقع “مراسلون” أثناء جولته على الجمعيات، بحجة أن المبلغ المقترح لا يكفي لشراء صندوق زيت، والذي ارتفع سعره من عشرة دينارات في الجمعية إلى ثلاثة وثلاثين دينار تقريباً في السوق.

خفض تدريجي

وكانت دراسة صادرة عن البنك الدولي في أيار/مايو الماضي قد أوصت بضرورة خفض الدعم عن السلع في ليبيا في خطوات متتابعة، وعلى مدى زمني واسع، مما يؤدى لتحقيق وفورات مالية  في الميزانية، مع الحرص على عدم حدوث اضطرابات اجتماعية.

الدراسة ذاتها حذرت من إلغاء الدعم الكامل على المواد الغذائية أو المحروقات لأن ذلك سيرفع معدل الفقر من 16.6% إلى 21.7%، وأن تقديم دعم نقدي مباشر للمواطنين بـ 175 دينار ليبي سنوياً (حوالي 125 دولار أمريكي)، سيكون كافياً لتثبيت معدلات الفقر كما هي.

ويحصل المواطن الليبي على دعم للمواد الغذائية، يقدر بـ 201 دينار سنوياً في الوقت الحالي (حوالي 140 دولار أمريكي) مما يشكل 10% من الإنفاق السنوي للمواطن.

ويرى مراقبون اقتصاديون أن رفع الدعم خلال هذا الوقت سيؤثر على سعر صرف الدينار الليبي ويرفع الأسعار بشكل جنوني، خاصة أن الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد تحتاج إلى توفير سلع مدعومة للأسر النازحة في المناطق المنكوبة.

وكان الدعم السلعي في ليبيا يشمل 12 سلعة حتى عام 2011، قبل أن يبدأ رفع تدريجي للدعم عن السلع، ليقتصر على 7 سلع أساسية فقط، تم رفع الدعم عن خمس منها منتصف العام الماضي دون توفير دعم نقدي للمواطنين.