قبل نحو عام أسس حمادة زيدان مع صديقه توني صليب مؤسسة صغيرة في مدينة ملوي (250 كيلو جنوب القاهرة) باسم “مجراية للثقافة والفنون”، تعمل على استضافة وتنظيم الأنشطة الثقافية المستقلة بالمدينة.

هذه الجمعية لم تكن المبادرة الأولى التي يطلقها، فقد بدأ نشاطه بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 التي يصفها بأنها “أهم حدث في تاريخ الثقافة المستقلة بصعيد مصر”.

قبل نحو عام أسس حمادة زيدان مع صديقه توني صليب مؤسسة صغيرة في مدينة ملوي (250 كيلو جنوب القاهرة) باسم “مجراية للثقافة والفنون”، تعمل على استضافة وتنظيم الأنشطة الثقافية المستقلة بالمدينة.

هذه الجمعية لم تكن المبادرة الأولى التي يطلقها، فقد بدأ نشاطه بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 التي يصفها بأنها “أهم حدث في تاريخ الثقافة المستقلة بصعيد مصر”.

فمنذ سقوط نظام مبارك خرجت الأنشطة الثقافية من “القصور الحكومية” وانتشرت المبادرات الثقافية المستقلة لتشمل مختلف المجالات الفنية والثقافية، حسبما يقول زيدان.

ويشير في هذا السياق إلى جانب آخر من تأثيرات ثورة يناير 2011 عليه، وهي قدرتها على إزالة السور بين الشبان المسلمين والمسيحيين في الصعيد. ويعلق قائلا: “لم يكن لي أي أصدقاء مسيحيين قبل يناير”.

قناة لإيصال الثقافة

خرجت فكرة “مجراية” إلى النور من رحم احتياج واقعي لها. فالأقلية المسيحية في صعيد مصر تعاني من التمييز، وتتعرض منازلهم وكنائسهم إلى هجمات متقطعة، كما كانت هدفا لهجمات عنيفة من جماعات إسلامية مسلحة خلال صراع تلك التيارات مع الدولة في تسعينات القرن العشرين، وتعرضت لهجمات واسعة بعد إطاحة الجيش بالرئيس المصري السابق محمد مرسي عام 2013.

وبدأ حمادة زيدان رحلته مع الأنشطة الثقافية المستقلة عام 2011 من خلال “صالون ملوي الثقافي” الذي كان يستضيفه “حزب المصريين الأحرار” –حزب ليبرالي تأسس بعد ثورة يناير- واستمر ينشط من خلال الصالون حتى نهاية 2013.

ويقول زيدان “مع الوقت اختلفت رؤيتنا عن رؤية مدير الصالون الذي كان يرغب في الإبقاء على مناقشات الكتب كنشاط وحيد للصالون بينما رغبنا –حمادة وتوني وشبان آخرين- في تنوع أكبر في الأنشطة”.

وفي الشهور التالية لانفصالهما عن “صالون ملوي الثقافي” شارك حمادة وتوني في أنشطة ثقافية تنظمها “جمعية مصر التنمية” في قرية البرشا (غرب ملوي)، وفي مشروع توثيقي باسم “المنيا في صورة”، وخلال ذلك كانا يعملان على تأسيس “مجراية”.

ويقول حمادة زيدان إنهما اختارا هذا الاسم -“مجراية”- ليكون معبرا عن رؤيتهم وقريبا من خيال الناس في الصعيد، فالجميع هناك تقريبا يعرف أنها تعني المجرى الصغير للمياه الذي يسقي الأرض المزروعة، وهذا ما نسعى لأن نقوم به. و يضيف زيدان “نسعى لأن نكون قناة لإيصال الثقافة للشارع في ملوي”.

ومنذ تأسيسها نظمت “مجراية” عروضا لأفلام سينمائية عربية وأوروبية وندوات شعرية وورشة حول التصوير الفوتوغرافي ومهرجان لعروض المونودراما المسرحية استمر ليوم واحد، وتم المهرجان بالتعاون مع مركز شباب ملوي وبدعم صغير من جهات مهتمة بالعمل الثقافي المستقل.

التمويل في زمن تجريم التمويل

يشير حمادة زيدان إلى أن مشكلات التمويل هي أكثر ما يهدد مستقبل العمل الثقافي المستقل في الصعيد، فالدولة والمجتمع المحلي عازفين عن تمويله. ويضيف أنهم استمروا طوال الفترة الماضية معتمدين على العمل التطوعي ودعم الأصدقاء ومنح صغيرة للغاية ودخل محدود من بعض أنشطة “مجراية”. ولكن “مجراية” تلقت مؤخرا وعدا بدعم من مؤسسة “روبرت بوش” الألمانية، يعتقد حمادة زيدان أنه سيساعد مشروعهم الناشئ على الاستمرار.

من ناحيته يوافق مينا واصف أحد مؤسسي مشروع “دوار الفنون” بمدينة المنيا على أن مشكلات التمويل هي أكبر التهديدات للعمل الثقافي المستقل في الصعيد، وخاصة تلك القوانين المقيدة للتمويل التي صدرت العام الماضي.

معروف أن الحكومة المصرية الحالية قامت بإصدار قانون يجرم تلقي أي تمويلات إذا ما تبين أنها “تهدد الأمن القومي أو السلم العام” وهي تعبيرات يقول العاملون في المجتمع المدني أنها فضفاضة للغاية، ويضاف هذا القانون إلى ترسانة من القوانين التي تعوق التمويلات الأجنبية للنشاط الأهلي موروثة من عهود سابقة.

“لم نتعرض لمضايقات”

وتأسس مشروع “دوار الفنون” في فترة أسبق من “مجراية”، حيث حصل المؤسسون على وثائق التأسيس الحكومية يوم 30 حزيران/يونيو 2012، ويقول مينا واصف إنه لن ينسى هذا التاريخ لأنه كان يوم تولي الرئيس الأسبق –الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين- محمد مرسي سدة الحكم.

ولكن واصف يشير إلى أن أنشطة “دوار الفنون” لم تتعرض لأي مضايقات خلال العام الذي تولى فيه الإخوان المسلمون حكم مصر، ولا في الفترة التي تلت ذلك، مشيرا إلى أنهم خلال العامين الماضيين تعاونوا مع معهد جوتة في مجموعة من الأنشطة المتعلقة بالسينما، وأقاموا بدعم ألماني “المهرجان الألماني المصري للمسرح المستقل” في تشرين أول/أكتوبر 2014، ولم يتعرضوا خلال أي من هذه الأنشطة لمضايقات من السلطات.

الخروج إلى الشارع

وتختلف خبرات أماني باسيلي مع السلطات عن خبرات “دوار الفنون”، فأماني التي شاركت في تنظيم نسخة من مهرجان “الفن ميدان” الشهري بمدينة المنيا بدءا من نيسان/ابريل 2011 تقول إن السلطات بدأت تضيق على الأنشطة الفنية في الشارع خلال النصف الأول من 2013 –فترة حكم مرسي- بتحريض من نشطاء جماعة الإخوان المسلمين.

وتستطرد أماني باسيلي “كنا نقيم فعالياتنا في الشارع منذ 2011 بدون تدخل من السلطات –سواء الجيش أو الشرطة أو المحليات- وبعد تولي الإخوان بفترة بدأت موظفو المحليات يأتون ويسألوننا عن التراخيص، وحاولوا منعنا من استخدام الأجهزة المعاونة في فعالياتنا”. وتضيف “اضطررنا مرة واحدة على الأقل لإقامة مهرجاننا في الشارع بدون ميكروفون”.

وتنشط أماني باسيلي حاليا من خلال مشروع “ألوانات” –وهي مبادرة فنية غير هادفة للربح تسعى لتحفيز الطاقات الفنية لدى الأجيال الصغيرة- كما تعمل بشكل متقطع مع معهد جوتة من خلال مشروع “مكتبة القهوة”.

وبدأت أماني باسيلي علاقتها بالعمل الثقافي في فترة مبكرة، حيث تعرفت على الفرق المسرحية والغنائية لأول مرة في فترة المدرسة من خلال مسرح “الجيزويت” بمدينة المنيا، وذلك قبل ثورة يناير بسنوات عديدة. وتقول أماني إن أهم فارق بين الأنشطة الثقافية قبل وبعد ثورة يناير، هو “أننا اكتشفنا أن هناك عدد كبير من الشباب في المنيا لديهم اهتمام بالفن والثقافة، وذلك لأننا خرجنا للشارع بعد الثورة”، وهو ما لم يكن ممكنا قبلها.

وفي النهاية يقول حمادة زيدان إن النزول للشوارع والقرى هو أحد الأهداف الرئيسية لأغلب الناشطين الثقافيين في المنيا حاليا، وأنه يلمس نتائج –وإن كانت محدودة- لبعض الأنشطة تشجعهم على الاستمرار رغم كل المعوقات.