تداول مستخدمو الإنترنت مؤخرا صوراً تجسد عملية حرق كتب داخل ساحة الألعاب بمدرسة في منطقة فيصل (الجيزة)، حيث وقفت مجموعة من الرجال والسيدات وكل منهم يحمل علم مصر، وفي الخلفية يمتد علم أكبر من حيث الحجم، لنكون أمام مشهد أقرب لمسرحية، يجرى تمثيلها بعناية.

تداول مستخدمو الإنترنت مؤخرا صوراً تجسد عملية حرق كتب داخل ساحة الألعاب بمدرسة في منطقة فيصل (الجيزة)، حيث وقفت مجموعة من الرجال والسيدات وكل منهم يحمل علم مصر، وفي الخلفية يمتد علم أكبر من حيث الحجم، لنكون أمام مشهد أقرب لمسرحية، يجرى تمثيلها بعناية.

التعامل مع أمر مثل حرق الكتب كحدث عادي في مواجهة “الإرهاب”، أو عدم توافقها مع “الإسلام المعتدل”، حسب تصريحات منسوبة للإدارة التعليمية التابعة لوزارة التعليم المصرية، هو أمر صادم، وقد تضاعفت هذه الصدمة مع اكتشاف أن هذا المشهد كان يجري داخل مدرسة كنت أدرس بها في مرحلة التعليم الأساسي.

كنت طالبا بمدرسة “فضل الحديثة” الخاصة، لمدة 10 سنوات. المدرس أصبحت خاضعة منذ مارس/آذار 2014 لإدارة مجلس “30 يونيو” الحكومي المُشكل من جانب وزارة التربية والتعليم لتولي الشئون المالية والإدارية لكافة المدارس المملوكة لقيادات إخوانية، والمشتبه في وجود علاقات مالية تربطها بقيادات هذه الجماعة كذلك، وقد تمّ ذلك وفقا لقرارات اللجنة الحكومية المُكلفة بمصادرة أموال وأملاك الخاصة بالإخوان المسلمين.

حاولت البحث عن مؤشرات، أو أية دلالات تربط مناخ الدراسة بأفكار جماعة الإخوان المسلمين فلم أجد. لا أذكر أي نشاط مرتبط بالسياسة كان يتمّ هناك إلا الأنشطة الرياضية والكشفية. كما كان حادث حرق الكتب دافعا للدخول في نقاشات موسعة مع عدد من زملاء دراسة سابقين،  لكن لم يربط أحد منهم بين ما كان يجري داخل المدرسة والإخوان، لكن، التنقيب في الذاكرة لن يكون مفيدا، فلا أحد كان يعلن عن نشاطه وتوجهه السياسي خلال سنوات أواخر الثمانينيات والتسعينيات، وبشكل خاص إذا كان إسلاميا.

في محاولة لتوضيح الموقف، نشر أصحاب المدرسة عبر صفحتهم الرسمية على فيسبوك بيانا للإعتذار من الطلاب وأولياء أمورهم، وقد  حمّل هذا البيان المسئولية للمدير التنفيذي للمدرسة، والمعيّن من جانب وزارة التربية والتعليم. كما أن تأمل تقارير لجنة جرد مكتبة “فضل”، المنشورة عبر صفحة المدرسة الرسمية على فيسبوك، يكشف عن إستبعاد 66 كتابا، في مارس/آذار الماضي، بسبب أن هذه الكتب “غير مطابقة للمواصفات، وغير مسجلة ضمن القائمة الوزارية”، لكن يتم تداولها بشكل يومي داخل مكتبة المدرسة.

وحسبما جاء في تقارير الجرد، قررت اللجنة وضعها بصندوق وتشميعها. لكن فجأة تحوّل الأمر لمشهد الحرق!

مع مراعاة حضور العلم المصري عدة مرات في كل صورة، وتكراره في الخلفية، سنجد أن هناك محاولة لتقديم رسالة ما، وبشكل مُكثف، لكن الإمعان فيما قدمته هذه الصور يكشف عن كارثة، إلا إذا كانت هناك رسالة تربوية وتعليمية فيما يخص حرق الكتب..أي تعليم مرجو في هذه الحالة؟ وكيف يمكن ربط فعل مثل التلويح بالعلم في حدث هيستيري مثل هذا؟

الكتب المُستبعدة عن طريق الحرق تضم “الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبد الرازق، و”عدو الإسلام” لجلال دويدار، وكتاب للراحل عبد العال الحمامصي هو “أقلام في موكب التنوير”، وسمير رجب ” للسياسة رجال”، ورجب كان معروفا بتأييده الدائم لحسني مبارك، بل إن الكتاب كان يحمل صورة الرئيس الأسبق على غلاف طبعته الأولى.

بالتأكيد لا يمكن قبول حرق أي كتاب، لكن كيف يصنف “الإسلام وأصول الحكم” من الأساس ككتاب إسلامي، أو على اعتبار أنه يروج للإرهاب مثلا، خاصة أن هذا الكتاب الصادر عام 1925 يطرح الأفكار الناقدة لمفهوم الخلافة الإسلامية ويعتبرها أمر سياسي لا علاقة له بالدين، وقد كان الكتاب سببا للجدل وقت صدروه ولا يزال!

كشفت هذه “المحرقة” عن وجود حالة من صناعة الأعداء، وحتى لو كان هؤلاء الأعداء مجرد أفكار على ورق، وأن هناك من يرى أن حرق الكتب قد يكون أمرا ضروريا لأنها تمثل العدو لهذا الوطن، دون أن ينتبه صنّاع هذه المشاهد العبثية لخطورة ما يفعلونه، وإن كانوا يعملون بمؤسسات تربوية.

يبدو أن هذه المحاولات لن تتوقف، فقد طالبت لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا مجلس إدارة مدارس “30 يونيو” بعدم حرق الكتب التي يشتبه في محتواها العلمي والثقافي، وفي حالة ضبط أي من تلك الكتب “يتم التحفظ عليها وإخطار وزارة التعليم وإتخاذ القرار المناسب”، حسبما جاء في بيان صدر عن هذه اللجنة، كمحاولة لمنع أي عملية حرق محتملة للكتب.

كما أن صدور حكم قضائي نهاية مارس/آذار الماضي يسمح للمالك بإدارة المدرسة وبطلان قرار التحفظ على “فضل”، قد يفسر المشهد العبثي الذي جري داخل ساحة الألعاب بالمدرسة، بوصفه محاولة أخيرة ومجنونة للحفاظ على الوضع القائم، دون الانتباه للتفاصيل والرسائل المرعبة لإقامة محرقة وسط حالة مصطنعة من الحفاوة الوطنية من جانب موظفي الحكومة!