المئات من التونسيين وقفوا خلال الأيام الماضية استعدادا لعرض حقائبهم اليدوية على جهاز التفتيش قبل دخول معرض تونس الدولي للكتاب الذي امتد على مدار اسبوع وانتهت أعماله في الخامس من نيسان/أبريل الجاري.
ابتساماتهم كانت تعكس رضاهم عن إجراءات أمنية مشددة فرضتها إدارة المعرض في البوابة الرئيسية على جميع الوافدين بعد الضربة الأمنية التي تعرضت لها العاصمة في 18 آذار/مارس الماضي في قلب متحف باردو.
المئات من التونسيين وقفوا خلال الأيام الماضية استعدادا لعرض حقائبهم اليدوية على جهاز التفتيش قبل دخول معرض تونس الدولي للكتاب الذي امتد على مدار اسبوع وانتهت أعماله في الخامس من نيسان/أبريل الجاري.
ابتساماتهم كانت تعكس رضاهم عن إجراءات أمنية مشددة فرضتها إدارة المعرض في البوابة الرئيسية على جميع الوافدين بعد الضربة الأمنية التي تعرضت لها العاصمة في 18 آذار/مارس الماضي في قلب متحف باردو.
يبحث أشرف السهيلي (32 سنة) عن مطبوعات ساهمت في غسل أدمغة آلاف من الشباب التونسي انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أو ما زالوا يناصرونها. ويبتسم قائلا “الحمد الله لا يوجد أي أثر لكتب الدواعش في أروقة هذه الدورة”.
يعتبر أشرف -وهو ناشط مدني- أن “الأوان قد آن للتصدي لجميع آليات استقطاب شبابنا في صفوف التنظيمات الارهابية. فقد مثلت الكتب التكفيرية التي سمحت الحكومة التونسية سنتي 2012 و2013 ببيعها علنا، مصدرا أساسيا لتأويل القرآن والأحاديث النبوية وحثّ الشباب المسلم على اعتناق فكر جديد يدعي “الجهاد” ضد الطواغيت والكفار”.
تنوع العرض
يعتبر المدير التنفيذي للمعرض “عبد الحميد المرعوي” في حديثه لـ “مراسلون”، أن إدارة المعرض اتخذت كافة الاحتياطات لمنع تداول مثل هذه الكتب مع تنويع العرض حيث قدم أكثر من مائة ألف عنوان يعرضها 269 عارض قدموا من عشرين دولة. وهي كتب ترتقي بحسب وصفه إلى ذوق جميع الفئات الباحثين عن ذاتهم داخل الكتب الفكرية والثقافية والروايات.
ويشير إلى عدم وجود الكتب الداعية للتطرف والتعصب في المعرض. “دورة هذه السنة كانت تحت شعار “قفا نقرأ”، إلى جانب تنظيم ندوات ومحاضرات فكرية تساهم في وعي المواطن وتبرز أهمية العيش في دولة مدنية”.
غياب كتب “الدواعش” والشعوذة والتطرف الديني في المعرض كان ليشكل فراغاً لو لم تعوضه كتب جاءت من الضفة المعاكسة تفسر تفشي ظاهرة الإرهاب في العالم ونشأتها في عدد من الدول العربية والإسلامية. كتب فسرت أسباب لجوء المراهقين والكهول إلى حواضن “داعش” ورفع السلاح ضد أناس يعتنقون ذات الدين وغيره من الأديان السماوية.
وسجلت كتب تفسير الظاهرة الارهابية في معرض تونس الدولي للكتاب هذه السنة مبيعات لم يتوقعها أصحابها على غرار كتاب “تحت راية العقاب، سلفيون جهاديون تونسيون” للصحفي الهادي يحمد الذي نفذت جميع نسخه قبل انتهاء الفترة الزمنية لأشغال المرض.
ويعتقد الهادي يحمد أن نجاح كتابه يعود إلى الأهمية التي يحظى بها الموضوع محلّ النشر – أي الأسباب المباشرة للإرهاب في تونس. ويقول لـ “مراسلون”: “منذ بدايات سنة 2013 ومع حادثة اغتيال الشهيد شكري بالعيد أصبح سؤال: “من يقف وراء أعمال العنف المسلح؟” السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للتونسيين”.
ويضيف أن الكتاب جاء ليملأ فراغا حقيقيا في الساحة الإعلامية والثقافية في تونس حول أصول العنف الديني وأسبابه التاريخية والآنية. ولهذه الأسباب شهدت مبيعات الكتاب إقبالا كثيفا منذ اليوم الأول الذي عرض فيه إلى المكتبات. فقد كانت فرصة معرض تونس الدولي للكتاب في اعتقاده مناسبة مهمة للعديد من التونسيين لشراء الكتاب والإقبال عليه بكثافة.
نفذت في يومين
كتاب الصحفي والكاتب الهادي يحمد لم يكن استثناء في المعرض، فقد أقدم التونسيون على شراء 700 نسخة من كتاب الصحفي السابق بقناة الجزيرة يسري فودة “طريق الأذى، من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش” في أقل من يومين. مما دفع ببقية المتعطشين لتفاصيل تجربة فودة مع المتطرفين إلى البحث عن الطرق أخرى للظفر بنسخة من الكتاب المذكور.
ويقول الكاتب التونسي كمال الرياحي “أقبل المواطن التونسي على الكتب التي تحلل بعمق ظاهرة التطرف ونشأتها وتطورها واستراتيجياتها الجديدة في محاولة منه ليفهم الواقع الراهن والذي يمثل الإرهاب احد مشكلاته الأساسية”.
هذه الكتب تفضح، حسب الرياحي، آليات اشتغال الفكر التكفيري منذ السبعينات إلى اليوم. الأمر نفسه مع كتاب الدولة الإسلامية لعبد الباري عطوان الذي تصدر مبيعات دار الساقي بعد رواية “عشيقات النذل” للرياحي التي كانت الأكثر مبيعا بالمعرض كله.
وعن روايته “عشيقات النذل” يرى الرياحي أنها رواية لا تتحدث عن الإرهاب، لكنها تجيب عن سؤال لماذا تونس الحداثة تمثّل المصنع الأول والمصدر الأول للإرهابيين.
ويضيف الرياحي: “روايتي عشيقات النذل رآها البعض ناطقة بعصرها تقول واقعنا التونسي بكل فجاجته ودون تلك الاستعارات القديمة البائدة للأدب السعيد. فجاءت فجة كواقعنا تفضح أمراض هذا المجتمع من نفاق وخيانة وادعاء وانتهازية وتمييز عنصري”.
هتلر والمسيح الدجال!
خلو معرض الكتاب في تونس من كتب “الدواعش” لا يعتبر مقياس لنجاح دورة هذه السنة بحسب تحليل الإعلامي كارم الشريف الذي يملك دار النشر “منشورات كارم” التي عرضت المئات من عناوين الكتب في الجناح 201 بالمعرض.
ويفسر كارم لمراسلون “إقبال التونسي على المعرض كان دون المأمول والمستوى المعتاد قبل الثورة، إذ تشير الإحصائيات أن عدد زوار معرض الكتاب في دورته الحالية لم يتجاوز 60 ألف زائر في أقصى حد. والسبب ضعف فريق إدارة المعرض إداريا و ثقافيا وفشل كل وزراء الثقافة ما بعد الثورة حتى اليوم في حماية الثقافة الأصيلة والمؤسسة”.
وفيما يتعلق بنوعية الكتب المباعة هناك إقبال كبير على الكتب السياسية والفكرية و منها “الخريف العربي: في التناقض بين الديمقراطية والثورة” للمفكر والمدرس بجامعة السوربون أيمن البوغانمي و”الدين والسياسة بين تهافت العلمانيين وقصور الإسلاميين” و” نقد العقل الأصولي” للباحث والمفكر التونسي سامي براهم وكتب الرئيس التونسي السابق الدكتور المنصف المرزوقي.
ومن المؤلفات الإبداعية حقق روايات “دراقة” لبشير الخليلفي و”عشيقات النذل” لكمال الرياحي و”كوازاكي” لتوفيق بن بريك أعلى المبيعات. كما كان الشعر حاضر من خلال دواوين ضيف شرف المعرض أدونيس وديوان “لم أكن حيا بما يكفي” الفائز بجائزة قرطاج العالمية للشعر (جائزة إسبانية) للشاعر التونسي وليد الفرشيشي.
ويشير كارم الشريف إلى أن إقبال التونسي على الكتب السياسية والفكرية هي ظاهرة قديمة كانت منتشرة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. لكن الرئيس السابق بن على بنظامه الفاسد والموجه استطاع آن يحدّ من كثافة هذه الظاهرة التي عادت من جديد بعد الثورة وهي حالة صحيّة جيدة تبرز مدى وعي المواطن التونسي، الذي يفوق وعي نخبه السياسية والثقافية.
التحصينات الأمنية التي رافقت فعاليات المعرض لم تمنع من تسلل كتب إشكالية إلى أروقته، فقد رصد الملاحظون عرض كتاب الزعيم النازي أدولف هتلر “كفاحي” إلى جانب بيع كتاب “ظهور المسيح الدجال” الذان يندرج بحسب مراقبين ضمن كتب الخرافة التي رافقت الكراهية في معرض من المفترض أن تكون مهامه إنارة العقول.