“لوعايز تبقى ريس..عامل التوكتوك كويس” جملة مكتوبة على “توكتوك” يعمل داخل إحدى قرى الإسماعيلية، تحمل تهديدا مبطنا من الوزن الكبير الذي يمثله “التوكتوك” داخل البلاد.

لم يغفل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر في السنوات الأخيرة تلك المركبة البخارية الهندية الأصل من دائرة اهتمامهم، وهي المركبة ذات العجلات الثلاث التي وصلت مصر مع بداية الألفية لتصبح وسيلة المواصلات الأساسية في الكثير من المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.

“لوعايز تبقى ريس..عامل التوكتوك كويس” جملة مكتوبة على “توكتوك” يعمل داخل إحدى قرى الإسماعيلية، تحمل تهديدا مبطنا من الوزن الكبير الذي يمثله “التوكتوك” داخل البلاد.

لم يغفل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر في السنوات الأخيرة تلك المركبة البخارية الهندية الأصل من دائرة اهتمامهم، وهي المركبة ذات العجلات الثلاث التي وصلت مصر مع بداية الألفية لتصبح وسيلة المواصلات الأساسية في الكثير من المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.

الرئيس المخلوع مبارك أكد خلال المؤتمر التاسع للحزب الوطني عام 2007 على تشغيل 63 ألف عربة توكتوك فى 13 محافظة خلال العام الثاني من البرنامج الانتخابي، واعتبره آنذاك حلا سريعا لمشكلة البطالة، ثم تلاه الرئيس المعزول محمد مرسي الذى ذكر إهتمامه بأصحاب “التكاتك” في أكثر من خطاب رئاسي.

هذه الوعود لم تقنن وضع التوكتوك، وظل الأخير متهما بالتسبب بالفوضى وازدحام الشوارع، بالإضافة إلى نشر الذوق الموسيقي الرديء –نظرا لموسيقى المهرجانات الشعبية المنبعثة بصوت عالي من كل مركبات التوكتوك تقريبا.

أما الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي فسمح بترخيص التوكتوك في التعديلات الاخيرة على قانون المرور في تموز/يوليو 2014 على أن يكون ساري النفاذ بدءاً من آب/أغسطس العام نفسه. لكن القانون ترك منح التراخيص مشروطاً بموافقة المجالس المحلية في المحافظات.

خمسة ملايين

على الرغم من عدم تحرك أجهزة الدولة إلى تقنين وضعه، إلا أن اعداد التوكتوك ظلت تتزايد، إذ يخدم مناطق ضخمة لا تصل إليها المواصلات العامة. وتذهب التقديرات غير الرسمية إلى أن هناك مايقرب من خمسة مليون توكتوك تسير في شوارع مصر.

بينما يقول غريب عبد ربه رئيس شعبة مستوردي الدراجات والتروسيكلات بالغرفة التجارية بالقاهرة إن مصر كانت تستورد سنوياً نحو 50 ألف مركبة من هذا النوع بسبب زيادة الطلب عليها، وبلغت جملة مركبات التوكتوك التي تم استيرادها للسوق المصرية منذ بدء التصدير في عام 2000 مايقرب من 900 ألف مركبة، تخدم أكثر من 20 مليون مواطن، وبلغ حجم المعاملات التجارية في هذا النشاط نحو 2 مليار جنيه.

استيراد نعم..ترخيص لا

الدولة التي لم تقنن في السابق وضع التوكتوك كانت تسمح في الوقت نفسه باستيراده بشكل رسمي. ويفسر مدحت الصباغ أحد مستوردي التوكتوك ذلك بالقول إن ترخيصه كان يترك للمحافظات بحيث تضع كل محافظة لائحة خاصة بها، وبالتالي كان باب الاستيراد مفتوحا ودون أي عوائق قبل أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً قبل شهور بالغاء استيراد موتور التوكتوك والإكتفاء بإستيراد قطع غياره فقط لمدة مؤقتة سيتم بعدها السماح باستيراد الموتور.

تعديلات موقوفة

ظنّ سائقون كثر أن التعديلات القانونية هي أول طريق الاعتراف بالتوكتوك، لكن هذا ما نفاه اللواء مجدي الشاهد، الخبير المروري والأمني، إذ يرى أن تلك التعديلات تجاهلت المادة 28 من قانون المرور التي تشترط موافقة المجالس المحلية على قرارات ترخيص التوكتوك، وهو الأمر غير الموجود حاليا، مما يجعل التعديلات الجديدة مع وقت التنفيذ.

ما قاله الشاهد يؤكده ما قام به أحمد القصاص محافظ الإسماعيلية، الذي جمّد بنود ترخيص التوكتوك ومنح مهلة لجميع الوحدات المحلية بمختلف مستوياتها لإعادة النظر في موقف هذه المركبات ودراسة إمكانية تقنين أوضاعها.

القصاص فسّر موقفه بأنه جاء استجابة لرغبة بعض أهالي الإسماعيلية بعد تخوفات أبدوها من أن ترخيص التوكتوك قد يسمح بسيره فى شوارع مدينة الاسماعيلية والتسبب في الإزحام المروري وتشويه معالم المدينة الهادئة، مؤكدا أنه لم يمنع الترخيص ولكنه ترك الأمر برمته لرؤساء القرى والأحياء لدراسة الأمر طبقا لظروف كل قرية وحي، مؤكدا إنه لن يسمح إطلاقا بأن يسير التوكتوك داخل شوارع المدينة.

وعن تحديد تعريفة معينة لمركبات التوكتوك من أجل استفادة الدولة من تحصيل تلك الرسوم، وأيضا سائقي المركبات من السير بحرية في المدينة فهو ما يراه الشاهد “شبه مستحيل، لصعوبة تركيب عداد له كما فى سيارات الاجرة، كما أن تواجد التكاتك داخل الارياف يصعب من مهمة مراقبة مرورهم”.

تجربة سابقة

في عام 2010 أصدرت محافظة الإسماعيلية لائحة تقنن ترخيص “التوكتوك” داخل القرى طبقا لتعليمات المحافظ ساعتها، وهو ما دفع المهندس محمد جاد رئيس قرية “سرابيوم” التي تبعد عن مدينة الاسماعيلية مسافة عشرين كيلو متر للبدء في تلك الإجراءات.

وبالفعل تم خلال تلك السنة الترخيص لما يقرب من ثلاثين توكتوك في مقابل ألف ومائتي جنيه مصري كرسوم سنوية، حتى يتم السماح لهم بالعمل داخل حدود القرية. ورغم إنتظام العمل وإقتراب سائقي تكاتك جدد نحو الترخيص ودفع الرسوم، إلا أن إندلاع الثورة وحالة الفوضى التي تبعتها دفعت من قام بالترخيص إلى رفض دفع باقي أقساط الرسوم، إضافة إلى مئات اخرين رفضوا مجرد التفكير في الترخيص.

ويقدر رئيس القرية عدد مركبات التوكتوك العاملة الآن داخل قرية “سرابيوم” بما يقرب الألفي مركبة.

جاد لم يفقد إيمانه بالتجربة، وأكد أنه سيعرض تلك التجربة على المحافظ الحالي، فبالنسبة له “سيساهم هذا في توفير دخل مادي لخزينة الدولة، بالإضافة لتوافر قاعدة بيانات عن كل أصحاب التكاتك مما يسهل التتبع الأمني لهم حال حدوث أي خلل بالامن العام”.  

ويرى رئيس القرية أنه لابد من تلافي العيوب السابقة، وأهمها توفير عسكري مرور داخل القرية لمراقبة تطبيق تعديلات القانون الجديدة على التكاتك، أو منح حق الضبطية القضائية لرئيس القرية أو أحد الموظفين للتعامل بقوة القانون مع المخالفين والتأكد من عدم قيادة الاطفال للتوكتوك، فى حال صعوبة توافر عسكري مرور.

ولم ينس جاد تخوفات المحافظ وبعض الأهالي من عدم إلتزام التوكتوك بالسير فقط في شوارع القرى ولجوئه لشوارع المدن، فذلك كان منصوص عليه في لائحة القرية والتي أكدت على سحب أي توكتوك من صاحبه إذا خرج للعمل على الطريق الصحراوي أو شوارع أي مدينة مجاورة للقرية.

نادم على الترخيص

يقول حامد السيد صاحب الثلاثين عاماً، المقيم بقرية سرابيوم، إنه أول من أيد قيام إدارة القرية بفتح باب الترخيص للتكاتك قبل خمس سنوات وعلى الفور قام بسداد الرسوم المقررة وبلغت مايقرب من ستمائة جنيه مصري سنويا من الممكن دفعها على أقساط.

وقال إنه كان سعيدا بالترخيص لعدة أسباب أبرزها تقييد سير التكاتك غير المرخصة والتي يقودها صبية صغار ومسجلين خطر مما يضمن نزاهة مهنته فيما بعد، بالإضافة لسهولة جلب التوكتوك الخاص به في حالة سرقته أو تعرضه لأي مكروه.

ورغم إبداء حامد ندمه على قيامه بالترخيص، بعد أن تم السماح للباقين بالعمل دون ترخيص عقب ثورة يناير، إلا أنه أكد استعداده حاليا بعد إستقرار الظروف للسير طبقا للقانون الجديد وإن كان يطمع فى ان يتم إعفائه من دفع رسوم جديدة، وهو الوعد الذى حصل عليه من بعض المسئولين، مؤكدا ان من يرفض الترخيص هو فقط من يحب أن يعمل فى الخفاء.

تعديل التعديلات

تخبط أداء الدولة تجاه التوكتوك، يفسره الدكتور أحمد النجار أستاذ هندسة النقل والمساحة بجامعة الإسكندرية، بلجوء بعض المحافظين لمنطق “الباب اللى يجيلك منه الريح ..سده وأستريح”، ويتابع: “موقف محافظ الاسماعيلية، يدل على عدم رغبته في إنهاء الازمة بتأجيلها وتسويفها، رغم أن هذا من صميم عمله، فالتوكتوك وإن كان أزمة، فإنه بات امرا واقعا لايمكن الهروب منه، خاصة لإرتباطه بقطاع عريض جدا سواء من آلاف الشباب الذين يعلمون عليه، أو الملايين الذين يخدمهم بتوصيلهم لشوارع وحارات لايمكن السيارات الدخول فيها”.

ويؤكد النجار أن حل الأزمة قد يكون بسيط جدا، ويكمن في تعديل التعديلات التي تمت مؤخرا في قانون المرور الجديد لتسمح مباشرة لإدارات المرور بالترخيص دون إنتظار قرارات الجهة المحلية، بالاضافة لوضع قانون منظم خاص بالتوكتوك فقط، خاصة أن وجوده في طريقه للزيادة حاليا عن السيارات التى لها قانون ينظم عملها.

من ناحية أخرى يرى النجار أن من الصعوبة نقل بعض تجارب الدول الاسيوية التى خصصت حارات للدراجات البخارية والتكاتك  فى المدن الرئيسية، فشوارع معظم المدن المصرية مصممة منذ عشرات السنين، وبالتالي لن تستوعب وجود أي حارة جديدة، ولايصح أن يتم تخصيص حارة لعبور مركبة تحمل شخصين او ثلات فقط، مما سيضيق السير على المركبات التي تحمل عشرات الركاب.