حين هرول دون أن يشعر إلى متحف باردو حيث اختلطت دماءٌ السواح الأجانب بدماء مواطنين تونسيين، فوجئ نائب رئيس البرلمان عبد الفتاح مورو بأصوات تصيح “ارحل ارحل”، بل مُنع حتّى من البقاء في المكان أو اجتياز الحواجز للاقتراب من المتحف.
لم يعرف في البداية السبب فهو لم يستفق بعد من هول صدمة الاعتداء المسلّح مثلهم. ولكنه بعد وقت قصير تأكد أن الجموع لا تحاسبه لكونه إسلاميّا، إنما لمماطلته ورفاقه في مجلس نواب الشعب في المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب.
حين هرول دون أن يشعر إلى متحف باردو حيث اختلطت دماءٌ السواح الأجانب بدماء مواطنين تونسيين، فوجئ نائب رئيس البرلمان عبد الفتاح مورو بأصوات تصيح “ارحل ارحل”، بل مُنع حتّى من البقاء في المكان أو اجتياز الحواجز للاقتراب من المتحف.
لم يعرف في البداية السبب فهو لم يستفق بعد من هول صدمة الاعتداء المسلّح مثلهم. ولكنه بعد وقت قصير تأكد أن الجموع لا تحاسبه لكونه إسلاميّا، إنما لمماطلته ورفاقه في مجلس نواب الشعب في المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب.
تفهّم النّائب الإسلامي المعروف بفصاحته وقدرته الفائقة على الإقناع ردّة فعل الجمهور الغاضب الذي تجمّع أمام بوابة متحف باردو، فهم ينتظرون منذ اكثر من سنتين المصادقة على القانون الذي يعتبرونه أحد الركائز لدحر الإرهاب من بلادهم، وقد عيل صبرهم بعد أن أصبحوا وأطفالهم هدفاً.
المعادلة الصعبة
منذ صعود التيارات الجهادية بقوة في تونس في 2011 اتسعت دائرة الجدل حول تشريع قانون مكافحة الإرهاب. لكنّ المساس بمبادئ حقوق الإنسان كان الهاجس الأكبر لدى تونسيين كثر عارضوا مواد في القانون من شأنها أن تسير بعجلة الديمقراطية إلى الوراء.
تحقيق هذه المعادلة ليس بالأمر الهين، فرغم وعي الجميع بإلزامية الأرضية التشريعيّة لدحر الإرهاب، وتعويض قانون بن علي القمعي، فإن كل الجلسات العامة التي كانت تُعقد لمناقشة فصوله والمصادقة عليها تنتهي بعراك بين النواب، ممّا تسبّب في ترحيل القانون للبرلمان الحالي وإتهام حركة النهضة آنذاك بتعطيله، والتي نفت الأمر.
وتكمن صعوبة المعادلة في تلافي ما ورد في قانون الإرهاب الذي وضعه نظام بن علي، وضمان حقوق الإنسان والحرمة الجسدية إضافة إلى محاكمة عادلة وعقوبات رادعة في آن واحد.
القانون الفرض
بعد العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو، التي راح ضحيتها 23 شخصا أغلبهم من السيّاح إضافة إلى 50 جريحا، والتي مثلت تحولا في إستراتيجية المتشددين من استهداف الأمن والجيش إلى اعتبار المواطنين من سياح وتونسيين هدفا لعملياتهم، أصبحت المصادقة على قانون الإرهاب ومكافحة غسيل الأموال “فرضا” كما اعتبر ذلك النائب عن حركة النهضة عبد الفتاح مورو.
يقول مورو لـ”مراسلون” إن “المجلس التأسيسي فشل في المصادقة على قانون الإرهاب بسبب الخلافات السياسية آنذاك وتم ترحيل القانون لنا ونحن لن ندخر جهدا او وقتا لتمريره فقط نحن ننتظر المشروع من وزارة العدل”.
واعتبر نائب رئيس مجلس النواب أن الأولوية تصب في خانة توفير كل الظروف لمجابهة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله خاصة الديني ومن أهمها تشريع قانون يعوض قانون الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
أولوية قصوى
أحد منفّذي الهجوم على متحف باردو وقع اعتقاله في وقت سابق للاشتباه بصلته بالجماعات المسلّحة وتخطيطه للقيام بعمليّات إرهابيّة ولكن تمّ إخلاء سبيله لعدم وجود إطار قانوني يُبيح للسلطات إبقائه رهن الاعتقال حسب ما أفاد به كاتب الدولة المكلّف بالأمن رفيق الشلّي لـ”مراسلون”، ممّا يجعل التسريع بالمصادقة على قانون مكافحة الإرهاب “فريضة مستعجلة”.
من جانبه قال وزير العدل التونسي محمد صالح بن عيسى إن مشروع قانون الإرهاب سيتم عرضه على المجلس الوزاري خلال الأسبوع المقبل ليتم في ذات اليوم إحالته على مجلس نواب الشعب للنظر فيه والمصادقة عليه.
وأشار وزير العدل أن المشروع الذي سيتم تقديمه هو ذات المشروع الحكومي السابق مع إدخال بعض التعديلات وأنه سيطالب البرلمان باستعجال النظر فيه واعتباره من الأولويات القصوى التي يجب معالجتها.
التعريف فضفاض
إلزامية القانون وصبغته الاستعجالية لم تنجيه من الانتقادات، خصوصا في جوهره أي في ما يتعلق بتعريف لفظة الإرهاب، حيث أن التعريف الوارد فضفاض ويمكن تطويعه للتضييق على الحريّات بحسب نواب عارضوه، إضافة إلى موضوع التصنّت على المكالمات الهاتفيّة التي يجب أن تكون، على خلاف مسودة القانون الحالية، بإذن قضائي مسبق ومحدد من حيث المدّة الزمنيّة، لتجنّب إستغلال التسجيلات لأهداف بعيدة عن مكافحة الإرهاب كما كان الحال خلال فترة حكم الرّئيس السّابق زين العابدين بن علي.
وقامت حكومة الترويكا بصياغة مشروع قانون إرهاب جديد لم يحظ بتوافق المكونات السياسية بالمجلس التأسيسي، وتم تعطيل مناقشته طيلة المرحلة الانتقاليّة التي انتهت بتسلم حزب نداء تونس للحكم مؤخرا.
وكان النظام الرئيس السابق بن علي أقرّ قانون الإرهاب في 10 كانون الاول/ديسمبر2003 المتعلق بمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال على خلفية أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2011 التي تبنّاها تنظيم القاعدة وهجوم جزيرة جربة التونسية التي استهدفت معبد يهودي في 2003.
ولكن لم يقتصر استخدام هذا القانون ضد الأشخاص المنتمين إلى جماعات سلفية تكفيرية، فقد تم تطويعه لخدمة أغراض سياسية بهدف قمع المعارضين، خاصّة منهم الناشطين الإسلاميين من حركة النهضة.