لم تصدق عائلة العبداوي أن ابنها هو “الذباح الداعشي” بطل شريط الفيديو الذي كان بصدد ذبح أحد ضحاياه. وما زاد من صدمة العائلة أن الضحية كان يتوسل لتمكينه من أداء الصلاة قبل إعدامه.
العائلة الغاضبة هي أصيلة منطقة الوسلاتية بمحافظة القيروان (جنوب تونس). ولم يكن “الذبّاح” سوى ذاك الشاب الجامعي الخجول ويدعى خالد العبداوي الذي تحول من مراقب للانتخابات ومتدرب على المواطنة والمشاركة المدنية، إلى مقاتل بدءاً من العام 2013.
تكشف الصدمة وحالة الغضب لدى العائلة أسرار وتفاصيل باحت بها لـ “مراسلون” بشكل حصري وقد فضّلت إخفاءها منذ سنوات.
لم تصدق عائلة العبداوي أن ابنها هو “الذباح الداعشي” بطل شريط الفيديو الذي كان بصدد ذبح أحد ضحاياه. وما زاد من صدمة العائلة أن الضحية كان يتوسل لتمكينه من أداء الصلاة قبل إعدامه.
العائلة الغاضبة هي أصيلة منطقة الوسلاتية بمحافظة القيروان (جنوب تونس). ولم يكن “الذبّاح” سوى ذاك الشاب الجامعي الخجول ويدعى خالد العبداوي الذي تحول من مراقب للانتخابات ومتدرب على المواطنة والمشاركة المدنية، إلى مقاتل بدءاً من العام 2013.
تكشف الصدمة وحالة الغضب لدى العائلة أسرار وتفاصيل باحت بها لـ “مراسلون” بشكل حصري وقد فضّلت إخفاءها منذ سنوات.
ويقدم مقطع الفيديو الذي تم العثور عليه في جهاز موبايل يعود لأحد مقاتلي “داعش” تم أسره، عمليّة ذبح شاب يدعى عمر التوم، ينتمي لمجموعة مسلحة أخرى تدعى “جيش الإسلام” بقيادة زهران علوش، جرت في منطقة تل دكوة شرقي دمشق، في اليوم الأخير من شباط/فبراير الماضي.
وقدم الفيديو هذا تفاصيل ركل الأسير وضربه بوحشية قبل ذبحه بالرغم من طلبه أن يصلي ركعتين، وإمعان منفذ الاعدام في تعذيبه طالباً من رفاقه سكيناً غير حادّة كي يقوم بعملية الذبح.
الداعشي أبو حيدرة
حصل اختلاف بشأن جنسية الأسير المقتول وقيل إنه تونسي من جهة جانب العيون التابعة للقيروان. ولكن تم التأكد من هوية ذباح داعش في منطقة الغوطة بسوريا.
خالد العبداوي المكنى بـ “أبو حيدرة” داخل التنظيم يظهر وهو يأمر من معه بالانضباط والعودة الى الصف وهو ما يفيد أنه يقود مجموعة (أمير) في التنظيم.
“القائد” الدموي، تعرفه عائلته بكونه خجولا، انخرط في الحياة السياسية وشارك في انتخابات اكتوبر/تشرين الأول سنة 2011 بعد الثورة بصفة مراقب وطني. وكان يحمل بطاقة تسندها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لناشطين في المجتمع المدني. كما عرف بانتمائه لحزب حركة النهضة الاسلامية بصفة شاب من قواعد الحزب وذلك خلال فترة حكم النهضة. وتقول نجاح العبداوي شقيقة خالد إن والده غضب منه غضبا شديدا أنذاك بسبب انتمائه إلى حزب النهضة إلى درجة طرده من المنزل.
قاتلاً وليس مقتولاً
الصور التي حصل عليها “مراسلون” تظهر حضوره مؤتمر شبابي لحركة النهضة، وصورة له مع نائب المجلس التأسيسي (البرلمان) عن حركة النهضة الصادق شورو. يقول أفراد اسرته أن الصورة التقطت في منزل شورو. وقد كان خالد يحتفظ بالصورة. وكذلك صور أخرى مع أعضاء من حركة النهضة منهم نجل علي العريض وزير الداخلية ثم رئيس حكومة من 2011 إلى 2014. بعد سفره إلى سوريا، تحولت صوره إلى صور مع أنواع من الأسلحة الخفيفة والثقيلة وصور مع ضحاياه.
كان خالد العبداوي (من مواليد 1990) الابن المدلل لعائلة ميسورة رفقة شقيقه التوأم وليد الذي قتل في عمل قتالي بليبيا في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2014. وقد سافر بعده بنحو عام ونصف.
في يناير/كانون الثاني 2013 سافر خالد الى سوريا سرّاً بنية الجهاد. تعتقد أسرته أن هناك من شجعه واستقطبه ويسّر له الطريق. وكانت لدى العائلة معلومات وشكوك لم تفصح عنها في حينها وقررت نسيان أمر ابنها خالد وانقطعت أخباره إلى درجة أنهم اعتقدوا بمقتله في سوريا.
يوم سافر وليد وأربعة آخرين من الشباب من معتمدية الوسلاتية بالقيروان عمت المنطقة حالة حزن وغضب واحتجاج ضد الجميع بمن في ذلك مركز الشرطة ورواد الجامع، واتهمهم المحتجون بتشجيع الشباب التونسي على المضي في طريق الإرهاب، ليظهر خالد بعد غياب طويل عبر المواقع الاجتماعية ليعلم أسرته أنه على قيد الحياة.
طريقة التواصل معه كما تقول شقيقته نجاح هي مصادفته في أوقات مختلفة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فترجوه الأسرة الرجوع، وعندما تيأس تمني نفسها بسلامته.
كان شقيقه التوأم وليد يتواصل معه في السابق عن طريق الفيسبوك، وعبر نفس الفضاء تم استقطابه وحثه على الالتحاق بالمقاتلين. ولكن لا تعرف أسرة التوأم ما الذي منع رئيس مركز الشرطة حينها من حجز الحاسوب وايقاف الشاب وليد الذي حمله والده عبد القادر بيديه مطالبا بإيقافه.
الأم الثكلى التي فقدت فلذة كبدها وليد، يتضاعف ألمها وتتزايد لديها المصائب وهي ترى ولدها الثاني خالد في شريط مصور، ولكن هذه المرة قاتلا وليس مقتولا. “نفس القلب الذي تألم لمقتل ابنها ألمها لمقتل شخص آخر ولو على يد وليدها”، تقول نجاح.
الأرق الذي عاشته العائلة يوم 11 آذار/مارس 2015 لا تحسد عليه. ضاعفه صخب من الجيران الذين شاهدوا الفيديو ورشقوا العائلة بعبارات ضاعفت آلامها منها اللقب الأخير الذي حصلت عليه: عائلة “الذباح”.
“ليس ابننا ولا نعرفه ونتبرأ منه ومن جرائمه”، تنفجر غضبا العائلة مثل لغم مضغوط متوجهة إلى وسائل اعلام والى الجيران لتعبر عن خيبتها من أفعال ابنها.
وتقول نجاح شقيقة خالد إنهم تواصلوا معه بواسطة “الفيسبوك” ولاموه على ما جاء في الفيديو وأبلغوه رفضهم لما يفعه. ونظرا ليأسهم من عودته و”توبته” فقد طلبوا منه عدم التواصل معهم. وقالت نجاح “اعتبرناه توفي منذ يوم سافر الى سوريا”. وقالت إن العائلة وصلها ضرر من جراء ما فعله ابنها. وأضافت: “ما ذنبنا نحن كي يلومنا الناس” موضحة أنه لا أحد من عائلتها راضٍ عمّا فعله ابنهم “أبو حيدرة”.
نهاية الابن الضال
يوم الثلاثاء 11آذار/مارس كان آخر حوار لخالد مع أسرته حسب صهره. بعدها بيومين تصادف العائلة خبر مقتل ابنها (أبو حيدرة) في معارك قتالية مع نظام بشار الاسد.
فقد نشر شخص يدعى حمزة الحلبي على صفحته الخبر، وبعد يومين من نشره تكتشف أسرته أن حساب خالد على الفيسبوك تغير اسمه وأصبح اسم المشرف “حمزة الحلبي”. ورجح صهر خالد أن يكون خبر مقتله هو ردة فعل على موقف العائلة الغاضبة.
لم يكن خبر مقتل الذباح مثلما نشرته وكالة الانباء السوريّة مؤثرا بقدر ما أثر فيها مقطع الفيديو الذي عرض عملية ذبح أسير. ووصف أحد معارف العائلة أن الأسرة لم تستفسر كثيرا ولم تبحث وظلت تراوح بين حالة الإنكار من جهة والتبرّأ منه.
تحتفظ نجاح شقيقة خالد، صاحب المصير المجهول ووليد الذي قتل في ليبيا، بأدلة دامغة على وجود صلات لعدد من الأشخاص وحسابات الفيسبوك يشتبه بتورطهم في تسفير شقيقيها التوأم. وقد قدمت الأسرة بعض الأدلة من صور وأسماء حسابات، لكن لم يتم التفاعل معها من الناحية الأمنيّة بالشكل المطلوب. إذ سبق للأسرة إعلام الأمن بسفر شقيقها وليد، وطلبت إيقاف ابنها لكن لم يحصل ذلك.
وبعد نحو 6 أشهر من تشكيات اقارب الشبان الذين سافروا الى سوريا، تدخلت الجهات الأمنية وقامت بإيقاف 20 شاب من معتمدية الوسلاتية. تم اطلاق سراح 13 منهم بعد أسبوع من إيقافهم وعرضهم على قاضي التحقيق.
تكررت عمليات نشر أشرطة مصورة لعمليات ذبح اسرى على يد قادة في تنظيم “الدولة الاسلاميّة”ويبدو أن فئة الشباب هي الفئة الأكثر ظهورا.
لم تتوصل أسرة خالد بعد لمعرفة ما اذا كان ابنها على قيد الحياة أم لا ولكنها قررت حسم امرها بعدم الاعتراف بابنها والتبرأ منه وقول الأم المنكوبة لكل من يلومها أو يعاتبها “هو لم يعد ابني وهو بالنسبة لنا ميّت”.