كل ما كان يدور بخلدي وأنا أجوب وديان جبل الحساونة – جنوب غرب ليبيا – والذي أزوره للمرة الأولى، أن كثيراً من الليبيين – وكنت أحدهم – للأسف لا يعرفون شيئاً عن هذه المنطقة الساحرة، التي تعد مرسماً ثقافياً وتاريخياً متروكاً بدون أدنى اهتمام، ولاتزال صخوره ووديانه تحكي قصص من عاشوا عليها ومروا بها منذ آلاف السنين.

جبل الحساونة يعد من أبرز المعالم الطبيعية بالجنوب الليبي، وهو عبارة عن سلسلة جبلية تمتد على مساحة 800 كم مربع شمالي منطقة وادي الشاطئ، وتنقسم إلى وديان عديدة ومرتفعات متداخلة.

كل ما كان يدور بخلدي وأنا أجوب وديان جبل الحساونة – جنوب غرب ليبيا – والذي أزوره للمرة الأولى، أن كثيراً من الليبيين – وكنت أحدهم – للأسف لا يعرفون شيئاً عن هذه المنطقة الساحرة، التي تعد مرسماً ثقافياً وتاريخياً متروكاً بدون أدنى اهتمام، ولاتزال صخوره ووديانه تحكي قصص من عاشوا عليها ومروا بها منذ آلاف السنين.

جبل الحساونة يعد من أبرز المعالم الطبيعية بالجنوب الليبي، وهو عبارة عن سلسلة جبلية تمتد على مساحة 800 كم مربع شمالي منطقة وادي الشاطئ، وتنقسم إلى وديان عديدة ومرتفعات متداخلة.

تشكل الوديان ممرات طبيعية للمياه أثناء حدوث السيول بالجبل، وهي محور الحياة في هذه السلسلة، وتحدث السيول تقريبا كل ثلاث سنوات، ما يجعل الوديان تحتضن العديد من المراعي التي يعتمد عليها سكان المناطق القريبة من الجبل في رعي قطعانهم.

وعند الاستعداد لرحلة الجبل لامجال للنسيان، أشياء بسيطة قد تعكر صفو الرحلة إذا نسيناها، كالماء أهم عناصر الرحلة تليه أدوات التدفئة.

لوحة غنية

المنظر الخلاب للممرات والمسارب بين هذه الوديان المتشابكة والضيقة في أحيان كثيرة والتي تعرف بـ”الشطيب”، يثري ألوانه العديد من النباتات الصحراوية التي تنمو في تلك المنطقة وتستعمل في العلاج الشعبي لدى رواد الجبل وساكنيه.

يقول نائب رئيس جمعية جبل الحساونة لحماية البيئة محمد بوحسن الذي رافق رحلة “مراسلون” إلى الجبل إن “بعض الأشجار المعمرة هنا يصل عمرها لأربعمائة عام، ومن أهمها شجرة الأذخر، وشجرة الروبيا، والجعدة، وأغلب هذه الأشجار والنباتات تنمو بشكل كبير في أوقات السيل الذي تشهده وديان الجبل”.

ويضيف أن “تنوع الحياة النباتية نتج عنه تنوع ملحوظ في الحياة الحيوانية، حيث كانت وديان الجبل ومرتفعاته مليئة ببقر الوحش، والغزلان، والودان والثعالب، والأرانب، والأفاعي، هذا عدا الطيور المختلفة كالغراب، والفنك، والصقر، وابوغرير، والهدهد وغيرها، ولكن أغلب هذه الحيوانات تناقص عددها بشكل كبير نتيجة لعمليات الصيد والرعي الجائر”.

كانت محمية

ومن بين النشاطات التي تقوم بها الجمعية التي يرأسها بو حسن حملات توعوية لمرتادي الجبل، تحثهم فيها على احترام الحياة البرية للجبل، والتوقف عن صيد الحيوانات والرعي الجائر، حيث يطلق الرعاة قطعانهم بشكل عشوائي في الوديان مما يؤثر على سلامة النباتات، وينقص المساحة الخضراء المتاحة للحيوانات البرية.

أول محطات الرحلة إلى جبل الحساونة محمية “وادي الززعة”، التي صارت أثراً بعد عين، هنا كانت المحمية تزخر بالحياة البرية والتنوع النباتي قبل أن يقضي عليها الإهمال والاستخدام غير المسؤول من قبل رواد الجبل، الآن أصبحت المنطقة مكاناً للاحتطاب، ومكباً للأسلحة الفاسدة التي وجدناها تملأ المكان.

مخازن المياه

ينتشر في الجبل مايعرف بالأثماد جمع ثمد، وهي عبارة عن حفرة على هيئة بئر، كان الناس يقومون في السابق بإعدادها لتخزين أكبر كمية من الماء بعد نزوح مياه السيل، وتوجد في جبل الحساونة ست أثماد سعة الواحدة منها تقريباً عشرة الآلاف لتر مكعب.

كما تنتشر مخازن أخرى للمياه تسمى القلات جمع قلتة، وهي عبارة عن أحواض طبيعية تتسع لثلاثين ألف متر مكعب من المياه، أغلب هذه القلات تم تدميرها عام 1813م على يد محمد المكني باشا في حربه مع بعض القبائل الخارجة عن سلطة يوسف باشا القره مانلي (1795-1832) والتي التجأت للجبل، في محاولة منه لمنعها من الوصول للماء.

وتقوم جمعية جبل الحساونة لحماية البيئة بإعادة إحياء هذه القلات التي يبلغ عددها ثمانية موزعة على وديان الجبل.

مرسم تاريخي

جبل الحساونة من أهم المواقع التي تحوي نقوش الحضارات القديمة بليبيا، يقول بوحسن أن عمر هذه النقوش يصل إلى سبعة آلاف عام، وأغلب صخور الجبل مليئة بهذه النقوش، التي انمحى بعضها بسبب عوامل التعرية، ولكن أغلبها في حالة جيدة.

تصور هذه النقوش حياة الإنسان في الجبل إبان تلك العصور، التي كان الصيد والرعي من أهم معالمها، فنجد نقوشاً توثق لعمليات الصيد التي يتم بعضها باستخدام العربات وبعضها تتم بشكل جماعي، وتصور بعض النقوش الحياة الاجتماعية وطقوس الزواج والدفن لدى تلك الحضارات.

يقول بوحسن أن الجمعية تجتهد للحفاظ على هذا الموروث الثقافي، خاصة أن أغلب مرتادي الجبل يقومون بنقش أسمائهم على الصخور دون مراعاة وجود هذه النقوش التاريخية، وهو يؤكد أن هذه الرسومات لم تتحصل بعد على ماتستحقه من دراسة وبحث وتنقيب من قبل المختصين بالآثار والتراث الإنساني.

النار والشاي

وحين حل المساء بدأنا نبحث عن الدفء، وكما يقول أهل الصحراء “النار عين الليل”، ولنحصل على النور والدفء شغلنا أنفسنا بإعداد النار وسط برد الجبل، وكان ذلك من أمتع الطقوس الصحراوية.

وحول النار قضينا ليلتنا الأولى في صحراء جبل الحساونة، الشاي هو رفيق الليل وأنيس جلسات السمر، ليلة باردة وأكواب ساخنة، وأحاديث دافئة مع رفقة طيبة، أهل الصحراء – الطوارق – هم أبرع من يعد الشاي.

حكايا الليل

وإذ يجلب الليل معه الحكايا فقد استمعنا لحديث طويل عن تاريخ جبل الحساونة الحافل بالأحداث والتفاعل بين الأقوام والقبائل التي استوطنته أو مرت به، يقول بوحسن إن “سكان الجبل في فترة الحكم العثماني كانوا يقضون الخريف والشتاء في زلاف – وهي عروق رمال تقع بين وادي الشاطئ وسبها – جنوبي الجبل، ويقضون الربيع والصيف في الجبل لاعتدال درجات الحرارة فيه”.

وإذ يقع الجبل على طريق القوافل التي كانت تجلب بضائع إفريقيا إلى الشمال، فلاتزال آثار هذه الطرق المعروفة بـ”الطرق العربية” موجودة بوضوح، ويسترشد بها رواد الجبل والرعاة في وديانه، وكانت قوافل الشمال تأتي بالقمح والشعير الذي يعتبر الغذاء الأساسي لسكان الجبل في ذلك الوقت.

حالياً لايسكن أحد هذه السلاسل الجبلية بعد أن استوطن الناس في بلدات وقرى وادي الشاطئ، وأصبح الجبل متنزها لسكان الوادي، ومرعى لأصحاب قطعان الإبل والأغنام، ومكاناً لممارسة هواية الصيد، والأهم من ذلك أنه كان ولايزال ملجأ لكل خارج عن القانون أو خائف من الثأر، ففي وديانه الكثيرة ومساربه المتشابكة يصعب البحث عن الفارين حد الاستحالة.