“لم تستغرق مراسم العزاء أمام المقبرة سوى دقائق معدودات ﻻ تتعدى الربع ساعة تقريباً، لأن الحاضرين لم يكونوا حتى بعدد المرات التي خرجت فيها انتصار تدافع عنهم”، بهذه الكلمات يصف حسين علي أحد أقارب الناشطة انتصار الحصائري التي قتلت في طرابلس هي وعمتها على يد مجهول جنازتها.

يتابع علي “ثم تفرق الجمع الذي لم ألحظ بينهم ناشطين حقوقيين أو إعلامين أو صحفيين أو مصورين أو أصدقاء أعرفهم أو شخصيات عامة أو مجاميع مهمومة بالشأن العام، الذي بذلت فيه قصارى جهدها، وتعرضت فيه خلال حياتها لمخاطر جمة”.

رواية غير دقيقة

“لم تستغرق مراسم العزاء أمام المقبرة سوى دقائق معدودات ﻻ تتعدى الربع ساعة تقريباً، لأن الحاضرين لم يكونوا حتى بعدد المرات التي خرجت فيها انتصار تدافع عنهم”، بهذه الكلمات يصف حسين علي أحد أقارب الناشطة انتصار الحصائري التي قتلت في طرابلس هي وعمتها على يد مجهول جنازتها.

يتابع علي “ثم تفرق الجمع الذي لم ألحظ بينهم ناشطين حقوقيين أو إعلامين أو صحفيين أو مصورين أو أصدقاء أعرفهم أو شخصيات عامة أو مجاميع مهمومة بالشأن العام، الذي بذلت فيه قصارى جهدها، وتعرضت فيه خلال حياتها لمخاطر جمة”.

رواية غير دقيقة

وكانت انتصار الحصائري – ناشطة مدنية 35 عاماً – اختفت منذ مساء الإثنين 23 شباط/فبراير 2015، هي وعمتها آمال التيجاني 52 سنة التي كانت برفقتها، في مدينة طرابلس محل إقامتهما، وفقد أي اتصال بهما وبدأت عملية البحث، ليصدم أهلها والمقربون منها بخبر من جهات أمنية يفيد بأنه تم العثور عليها في صندوق سيارتها غارقة بدمائها إثر إصابة بعيار ناري في رأسها وكذلك عمتها.

إلا أن غرفة العمليات الأمنية المشتركة في طرابلس تبنت رواية أخرى على لسان الناطق باسمها عصام النعاس، الذي أكد أن الضحيتين تعرضتا للضرب بآلة حادة مستنداً على ما توفر لديه من تقارير.

رواية نفاها تماماً حسين علي لـ”مراسلون”، بقوله إنه “صباح الأربعاء 25 شباط/فبراير، تمكن أفراد من أسرة وأقارب المغدورتين من الوصول إلى مكان الجثتين ومشاهدتهما، من بينهم كان خال انتصار الذي أخبرني عبر الهاتف أن القتل تم عن طريق إطلاق رصاصة واحدة على رأس كل منهما، وبذلك فان ما ورد على لسان السيد النعاس غير دقيق”.

علي يشعر بالأسى على الظروف التي مرت بها عائلة انتصار بعد وفاتها، بداية من تقرير الطب الشرعي الذي لم يتمكنوا من الحصول عليه إلا بعد سماح وكيل النيابة بالدفن، وانتهاء بعدد المعزين الذين أحاطوا بالقبرين أثناء الجنازة والذين قدر علي عددهم بسبعين شخصاً جلهم من الأقارب.

استغلال مواقف

“كانت واضحة وشجاعة ولم تختفِ وراء الأسماء المستعارة يوماً”، يقول يوسف عفط الشاعر والإعلامي من مدينة مصراتة عن صديقته المغدورة انتصار الحصائري.

يقول عفط الذي كانت ربطته صداقة عمرها عشر سنوات مع الحصائري “التقينا بداية على صفحات المنتديات، ثم في الواقع وعرفتها باسمها الحقيقي – انتصار حسين – قبل أن تضيف إليه لقبها الحصائري”.

ويروي في حديثه لـ”مراسلون” كيف اتصلت به المغدورة قبل يومين من وفاتها لتسأله عن بعض نشاطاته وتسأله عن كتب ومراجع تحتاجها في دراستها الأكاديمية “التي كانت مصب اهتمامها الوحيد مؤخراً” حسب تأكيده، يتابع “لأصعق صبح الثلاثاء بخبر موتها، ولاتزال تفاصيل جريمة قتلها مجهولة”.

يعيب عفط على كل من “يستغل دماء انتصار ويتاجر بها للهجوم على طرف ما أو يستغله لمصلحة طرف ما في الصراع السياسي القائم في ليبيا حالياً”، ومن وجهة نظره فإنه احتراماً لذكراها لا بد من “اتباع الإجراءات القانونية والتحقيقات لمعرفة سر مقتلها، وليس فرض احتمالات وتوجيه أصابع الاتهامات دون أدلة وبراهين”.

هددت أم لم تهدد

أما صديقتها فاطمة العمراني وهي ناشطة حقوقية بدورها قالت لـ”مراسلون” إن نشاطات المغدورة كانت فعالة جداً في حركة تنوير “لنشر الوعي والثقافة ومبدأ التسامح، وقد كانت من مؤسسي الحركة في يناير 2013، وأيضا من الأعضاء المؤسّسين لنادي الكتاب في طرابلس، وشاركت في أغلب المظاهرات التي تنادي بالجيش والشرطة، ورفض تمديد ولاية المؤتمر الوطني العام”، وتضيف العمراني “حسب علمي لم تتعرض لأي تهديد مباشر، فهي لم تمارس أي نشاط مؤخراً يدفع أي طرف للاعتداء عليها”.

لكن (ن. و.) وهي صديقة مقربة من انتصار تخالف العمراني، حيث قالت إنها “افتقدت كتابات انتصار الشجاعة منذ فترة، وعندما سألتها عن السبب صرحت لي بأنها تعرضت لتهديدات من جهة مسلحة، وهذا ما جعلها تبتعد عن أي نشاط سياسي، وتركز فقط على المدني والثقافي مؤخراً، وهذا ماجعلني أنا أيضا أقف عن أي نشاط، أشعر بأنني لن أعبر حتى عن رأيي السياسي مستقبلاً، فقد أكون الضحية المقبلة من يدري؟”.

لا أحد مستثنى

الناشط والإعلامي مالك خلف كان شريكاً للمغدورة في مشروع إعلامي يقول عنها “كنت أعول على ذكائها وحبها للعمل، ولكن أن تموت بهذه الطريقة البشعة فهذا مؤسف جداً، نحن نفقد مثل هذه الشخصيات التي يعول عليها الوطن”.

يضيف خلف “إن ثبت أنها جريمة سياسية فالمصيبة أعظم، خصوصاً أنه في طرابلس حالياً لا يوجد أي حراك يهدد وجود الطرف المسيطر على الأمور، ولاتوجد أصوات عالية ضدهم، أو حتى وسائل لإيصال هذه الأصوات، وانتصار بعيدة عن هذا الحراك من فترة كما يعلم الجميع”.

خبر اغتيال انتصار الحصائري كان له أثر كبير في وسط الناشطين المدنيين والإعلاميين الليبيين خصوصاً وفي الأوساط الشعبية أيضاً على وجه العموم، يقول محمد علي عبدالله رئيس حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا “نسأل الله أن يتقبلها برحمته برغم عدم معرفتي بالمغدورة معرفة شخصية ولكنه أمر مؤسف وخطير جداً، فالجريمة زادت نسبتها وأصبحت تستهدف الجميع”.

يقول السياسي الليبي “لا أحد مستثنىً من احتمالات الخطر من كل الأطراف، سواء كان صاحب مواقف أو لا فهو معرض للقتل، وهذا نتاج للفراغ الأمني وعدم التعرف على منفذي مثل هذه الجرائم ولذلك تتزايد”.

يلفت عبدالله إلى أنه “هناك من يُقتل بنفس الطريقة ولانسمع به حتى، وهناك من يتناول الإعلام والساسة قضيته، ولم يتم التحقيق الحقيقي في أي من الجرائم وكلها تنسب إلى مجهول، والناس تتكهن وتخمن من القاتل وما دوافع القتل”.

تسخيف متعمد

فيما يرى سمير السعداوي الإعلامي والكاتب الصحفي إن “التعامل مع الجريمة البشعة التي طالت الفقيدة انتصار وعمتها كان مؤشراً على تزايد الحساسية المفرطة لدى الذين يصادرون حرية الرأي والتعبير، هم يشعرون بأنهم يفقدون السيطرة”.

ويضيف “أنا شخصياً لا أصدق قضية ضربها بآلة حادة رحمها الله، ففي هذه الحالات ما ينتشر بداية يكون هو الخبر الصحيح، والكلام الذي جرى تداوله بداية كان عن تعرضها لطلقات من سلاح رشاش، والتفنيد الذي أقدمت عليه السلطات المعنية لم يكن كافياً في تقديري، وتم التعامل مع القضية على أساس أنها جريمة عادية، وهي في الحقيقة جريمة وقعت بحق ناشطة معروفة، تختلف توجهاتها جذرياً عن توجهات الجهات المسيطرة على الأرض”.

يستنكر السعداوي “كان يفترض إيلاء اهتمام أكبر بالقضية لا محاولة تسخيفها بتمريرها كجريمة عادية جنائية، وأنا قلت بعد الجريمة إن من يسيطر على الأرض هو المسؤول عن أمن وسلامة السكان، وفي حال وقوع جريمة فهو ملزم بالنزول إلى الشارع لتعقب القاتل، وما لم يفعل ذلك فعليه الاعتراف بعجزه وتقصيره. أما تصرف المسؤول بسكوت وتجاهل وتخفيف من شأن القضية، فهو غير مقبول ويزيد الناس قناعة بوجود نزعة للتستر على الجاني، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشخصية لها حضورها مثل انتصار الحصائري”.

الإعلامية جيهان الجازوي قالت ل-“مراسلون” إن “مجرد التفكير في قتل امرأة بريئة في الشارع و سلب حياتها و من معها هو امر يثير القرف و التقزز و الاشمئزاز” .

 فهي تعتقد أن أولئك الذين يرتكبون أعمالاً انتقامية لا يحققون منها سوى زعزعة وضع “ملتهب أصلاً و مشبع بالعواصف التي لن ينالنا منها سوى شق الصف و القضاء على ليبيا كدولة”.