حكومة الحبيب الصيد التي تضم ما بين 42 وزيرا وكاتب دولة بينهم ثمانية نساء، اثنان منهم على رأس وزارتي الثقافة والمرأة، أثارت جدلاً حول طبيعتها، فهل هي حكومة ائتلاف حزبي أم وحدة وطنية أم حكومة أملتها الضرورة وفرضها واقع سياسي هشّ؟

تشكلت حكومة الصيد من أحزاب نداء تونس (وسط، صاحب المركز الأول في الانتخابات) وحركة النهضة (يمين، المركز الثاني) بالإضافة إلى حزبين صغيرين من الوسط هما حزب آفاق وحزب الاتحاد الوطني الحر.

حكومة الحبيب الصيد التي تضم ما بين 42 وزيرا وكاتب دولة بينهم ثمانية نساء، اثنان منهم على رأس وزارتي الثقافة والمرأة، أثارت جدلاً حول طبيعتها، فهل هي حكومة ائتلاف حزبي أم وحدة وطنية أم حكومة أملتها الضرورة وفرضها واقع سياسي هشّ؟

تشكلت حكومة الصيد من أحزاب نداء تونس (وسط، صاحب المركز الأول في الانتخابات) وحركة النهضة (يمين، المركز الثاني) بالإضافة إلى حزبين صغيرين من الوسط هما حزب آفاق وحزب الاتحاد الوطني الحر.

ومنذ تقلّده لمنصب رئيس الحكومة يوم 5 كانون الثاني/يناير الماضي، والصيد يصارع الأهواء الحزبية والانتقادات اللاذعة التي رافقت عملية تشكيل الحكومة المرتقبة. فبعد أن فشل في إقناع الأحزاب الكبرى الممثلة في البرلمان بالتصويت لصالح حكومته التي أعلن عن تشكيلتها يوم 23 من الشهر نفسه وسط استياء كبير من مختلف الأحزاب والشخصيات السياسية، عاد الحبيب الصيد إلى نقطة الصفر من جديد في المشاورات والمفاوضات مع الأحزاب لمراجعة تركيبة الحكومة.

التشكيلة الجديدة مختلفة شكلا ومضمونا عن التشكيلة الأولى إذ شهدت انضمام حزب آفاق تونس ذو التوجهات الليبرالية الاجتماعية بثلاثة حقائب بينها حقيبة الاستثمار والتعاون الخارجي التي كانت من نصيب أمينه العام ياسين ابراهيم، وحزب حركة النهضة الوافد الجديد الذي أثار عواصف من الاحتجاج على إشراكه في الحكم.

النهضة من جديد

رغم نصيب النهضة المحتشم من الحقائب حيث لم يظفر الاّ بحقيبة وزارة التكوين المهني والتشغيل التي كانت من نصيب الناطق الرسمي للحركة زياد العذاري وثلاث كتابات دولة، فان هذه المشاركة بقدر ما طمأنت الحبيب الصيد بأن تحوز حكومته على ثقة البرلمان بنسبة لن تقل عن 170 صوتا وأرضت حركة النهضة، بقدر ما أثارت الاستياء داخل حزب نداء تونس الذي انقسمت قياداته وقواعده بين مؤيد لوجود النهضة في الحكم وبين رافض بصفة قطعية لذلك.

ووجدت قيادات نداء تونس نفسها في وضعية محرجة إزاء قواعد الحزب، ناهيك عن أن الحملة الانتخابية للنداء ارتكزت أساسا على أن يكون الحزب بديلا للنهضة التي فشلت في إدارة شؤون البلاد.

تاريخيا تأسس حزب النداء ليحدث التوازن السياسي ويمنع النهضة من السيطرة على مفاصل الدولة وتغيير نمط المجتمع. لكن اليوم نجد حزب اليمين الديني حركة النهضة وحزب اليمين الليبرالي حركة نداء تونس يضعون اليد في اليد لحكم تونس لخمس سنوات قادمة.

التقارب الغريب الذي كشف عن نفسه بين النهضة والنداء أثار التوجس والمخاوف السياسية لدى قسم من المجتمع المدني والكثير من الأحزاب اليسارية وعلى رأسها تحالف الجبهة الشعبية الذي أبدى ارتيابا من تمسّك حركة النهضة بالمشاركة في الحكومة وتكالبها عن الحكم.

ويسمح الموقع البرلماني لحركة النهضة كثاني قوة حزبية بـ 69 نائبا بأن تكون قوة معارضة ضاربة تستطيع الانتقام سياسيا من حزب نداء تونس الذي كان في الماضي أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى خروجها من الحكم بعد أن قاد معارضة شرسة لتوجهاتها في المجلس التأسيسي وفي الشارع من خلال اعتصام الرحيل بباردو.

لكن النهضة فضلت مد يدها للنداء، وهو موقف أثار استياء بعض أنصارها الذين استغربوا أن ترضى الحركة بحقيبة وزارة التشغيل، تلك “الهدية المسمومة”، باعتبار أن ملف التشغيل من أكثر الملفات المؤرقة والحارقة للحكومة القادمة والتي قد تخرج بسببه احتجاجات إلى الشارع مع وجود ما يناهز 800 ألف عاطل عن العمل ثلثهم تقريبا من أصحاب الشهادات العليا.

كما أثار موقف النهضة ريبة وشك خصومها حول نواياها الحقيقية ومحاولاتها المستميتة لطمس أي أدلة تدينها فترة حكمها السابقة. لكن حركة النهضة لا تبدو مهتمة بكل ما يقال في شأنها لأنها في النهاية وصلت إلى ما تريد، خاصّة وأنها كانت من أوّل الأحزاب التي أبدت تحمّسا لأن يتولى الصيد، الذي شغل منصب مستشار أمني مع حمادي الجبالي الأمين العام السابق لحركة النهضة إبان فترة حكومة الترويكا الأولى، منصب رئيس الحكومة.   

السياسي الصامت

الصيد الذي أوكل له حزب نداء تونس مهمة رئاسة الحكومة رغم أنه ليس من قياداته، أثار صعوده اعتراضات من الأطراف المنهزمة في الانتخابات الأخيرة ولدى بعض الشخصيات المناضلة التي ترى فيه امتداد لرجالات زمن بن علي.

رئيس الحكومة البالغ من العمر 66 سنة والحاصل على إجازة في العلوم الاقتصادية سنة 1971 من الجامعة التونسية وعلى شهادة الدراسات العليا في الاقتصادي الفلاحي من جامعة “مينسوتا” الأمريكية، يجد نفسه في مواجهة وجهات النظر المختلفة والمتباينة لأحزاب قوية لها قواعد متحفّزة ونفوذ في الشارع التونسي، هذا الشارع الذي لا يبدو مهتما كثيرا بوجود الصيد في منصبه بقدر ما ينصب اهتمامه على نجاعة الحكومة المرتقبة في حل شواغله ومشاكله الاجتماعية والاقتصادية على وجه الخصوص.

وكان الباجي قايد السبسي هو من أعاد الصيد إلى واجهة الحياة العامة عندما منحه منصب وزير الداخلية في حكومته بعد الثورة، وهو ما أثار آنذاك احتجاجات من بعض الناشطين  حول شبهة تورط الصيد في  التعذيب والاعتقالات والتنصت وقمع المظاهرات السلمية مثل قمع اعتصام القصبة 3 في تموز/يوليو 2011 .

هذا السياسي الصامت كما يسميه الملاحظون في تونس لم يسعفه صمته للإفلات من اتهامات كثيرة أبرزها علاقته برجال الزمن البائد وبصقور نظام بن علي وعلى رأسهم الرجل القوي عبد الله قلال وزير الداخلية السابق والذي تولّى الحبيب الصيد مهمة رئيس ديوانه ما بين سنتي 1997 و2000. ويرى منتقدو الصيد انه من رجال الدولة المحسوبين على الرئيس المخلوع وأن الشبهات تحوم حول تورّطه في بعض الأعمال المنتهكة لحقوق الانسان.

الماضي الغامض والمثير للجدل للحبيب الصيد جعله “صيدا ثمينا” بالنسبة لمطلقي الاشاعات في بلد تكاد تتحوّل فيه بعض الاشاعات الى حقائق ثابتة لا يرقى لها شكّ.

ويعتبر معارضو الحكومة الجديدة أن وجود شخصية مثل الحبيب الصيد على رأسها سيفقدها قوتها وصلاحياتها الدستورية الواسعة لصالح القصر ولصالح رئيس الجمهورية الذي سيبقى ماسكا بكل خيوط اللعبة السياسية وبكل مفاصل الدولة.

لكن من جهة أخرى، فإن نجاح الحبيب الصيد في إشراك أكبر وأقوى الأحزاب في البرلمان يقف وراءه هدف لم يعد خفيا وهو إفراغ قوة المعارضة وتوريط الجميع في الحكم بما في ذلك حركة النهضة، والحرص على عدم بقاء قوة سياسية مهابة خارج الحكم، وهو ما يشير إلى أن الصيد بصدد إتخاذ قرارات مؤلمة وغير شعبية في المرحلة القادمة لا يمكن تمريرها من دون تغطية من الجميع.