أن تصادف امرأة غير محجبة في شوارع مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي فهو أمر يثير الاستغراب، فتلك المنطقة تعتبر بيئة شديدة المحافظة، أما أن تكون تلك المرأة على تواصل دائم مع تشكيلات مسلحة ذات مرجعية إسلامية كمدافعة عن حقوق الإنسان، فذلك مثير للدهشة.

مريم منصور (34 سنة) الحاصلة على ليسانس آداب من قسم التاريخ بجامعة سبها، هي المثال المقصود، وهي ناشطة في المجتمع المدني ومن أهم القيادات النسائية في سبها، ترأس جمعية الرسالة التي تعمل حالياً على توثيق الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة بسبها، وتدير مركزاً مختصاً بالتدريب والتأهيل.

أن تصادف امرأة غير محجبة في شوارع مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي فهو أمر يثير الاستغراب، فتلك المنطقة تعتبر بيئة شديدة المحافظة، أما أن تكون تلك المرأة على تواصل دائم مع تشكيلات مسلحة ذات مرجعية إسلامية كمدافعة عن حقوق الإنسان، فذلك مثير للدهشة.

مريم منصور (34 سنة) الحاصلة على ليسانس آداب من قسم التاريخ بجامعة سبها، هي المثال المقصود، وهي ناشطة في المجتمع المدني ومن أهم القيادات النسائية في سبها، ترأس جمعية الرسالة التي تعمل حالياً على توثيق الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة بسبها، وتدير مركزاً مختصاً بالتدريب والتأهيل.

متى بدأتِ في العمل الأهلي؟

بدأت منذ عام 1998، حينها كنت أسعى لافتتاح جمعية تُعنى بالمرأة وتدريبها في مجالات اللغة والكمبيوتر، ولكن تمت محاربتي ومُنعت من إشهار جمعيتي من قبل عدة جهات.

لماذا تمت محاربتك؟

لعدة أسباب منها أن الدولة في النظام السابق كانت تحتكر العمل الأهلي، فكانت هناك جمعيتان أو ثلاث فقط تعمل ويرأسها أشخاص على علاقة جيدة بالمسئولين آنذاك، والسبب الأهم هو مظهري الذي لم يستسغه القائمون على المدينة.

وكيف تعاملت مع هذا الوضع؟

حاولت بشتى الطرق أن أشغل جمعيتي، ولكن تم استدعائي لجهاز الأمن الداخلي واستجوابي بتهمة محاربة النظام الجماهيري، وأُطلق سراحي بعد أن أجبروني على توقيع تعهد بعدم السعي لإنشاء الجمعية، ولكنني بعد ذلك انضممت لجمعيات عاملة وصرت أعمل من خلالها، حتى تسنت لي فرصة إنشاء جمعيتي بعد الثورة في شهر أكتوبر/تشرين أول 2011.

هل تعتقدين أنك مختلفة عن النساء في الجنوب كونك غير محجبة؟

نعم، أنا مختلفة ليس عن النساء فقط بل حتى عن الرجال، أرفض التفكير الذكوري، ولأنني أرفضه أعتقد بأنني أختلف عن البيئة ككل وليس عن النساء فقط.

ولكنك تعملين في مجال يجعلك على احتكاك دائم بالنساء. ألا تخشين من ردة فعلهن أو ربما عدم تجاوبهن معك؟

لا بالعكس، النساء هنا في سبها والجنوب عامة لايفعلن مايردنه دوماً. هناك نسبة من النساء اللواتي أتعامل معهن التزمن الحجاب بسبب الضغوظ والعادات الاجتماعية، ولكنهن وغيرهن يتعاملن معي بكل أريحية ومتجاوبات معي على الدوام، خاصة اللواتي أوثق انتهاكات تعرضن لها أو تتدربن معنا للرفع من مستواهن العلمي والثقافي.

تسيطر على سبها تشكيلات مسلحة من الثوار وغيرهم وبعضها ذو مرجعية إسلامية، هل اصطدمت بها أو واجهت نقداً لعملك من قبلها؟

لم يحدث معي أي اصطدام بهذه التشكيلات. أنا أزاول عملي بكل حرفية ووضوح، ولا أتعرض لهذه التشكيلات بأي شكل من أشكال الانتقاد أوالتقييم، أحاول على الدوام أن لا أحتك سلبياً معهم طالما لم يتدخلوا هم في عملي ونشاطاتي. آمر أحد هذه الكتائب متعاون معي بشكل كبير، ويشارك في بعض مشاريعي الداعمة للأسر الفقيرة، كما قمت عدة مرات بتقديم محاضرات توعوية لبعض أفراد هذه الكتائب ووجدت منهم تجاوباً ملحوظاً.

ألا تعتقدين أن هذا التعاون يحاول من خلاله بعض آمري الكتائب تحسين صورتهم من خلالك؟

لا أظن ذلك، هنا في سبها لكل كتيبة جمهورها سواءً كان ذلك على خلفية قبلية أو غير ذلك، حتى وإن كان هذا الإفتراض صحيح فأنا لا أهتم، الأساس عندي هو مساعدة المرأة في استرجاع شئ من حقوقها والرفع من مستواها العلمي حتى تتمكن من المطالبة بهذه الحقوق.

ما أغرب تعليق سمعتيه على مظهرك؟

كنت في إحدى المرات عائدة في الطائرة لسبها؛ وكان هناك رجل مسن يعتقد أنني أجنبية ويعاملني على هذا الأساس، وعندما أوضحت له أنني ليبية من سبها وبدوية، نظر إلى باستغراب قائلاً “كانك بدوية راك مغطية راسك!”.

هل تفكرين في ارتداء الحجاب يوماً ما؟

حالياً لا أفكر في ذلك، مستقبلاً لا أعلم، أحترم جداً النساء المحجبات عن قناعة ورضى وأدافع عن حقهن في ذلك، ولكنني أشفق على اللواتي يرتدينه خوفاً أو مسايرة لعادات وتقاليد المجتمع، أنا والحجاب حالياً ضدان.. قد نتفق مستقبلاً وقد لا نتفق.

وأنت توثقين الانتهاكات ضد المرأة في الجنوب هل تعرضت لتهديدات ممن توثقين ضدهم تلك الانتهاكات؟

نعم وباستمرار، فأغلب ماتتعرض له المرأة من انتهاكات يتم على يد أسرتها بالدرجة الأولى، من تعذيب جسدي ونفسي إلى حرمان من التعليم والعمل؛ والإجبار على الزواج وأحياناً القتل، لذا عندما تتواصل معي إحدى الضحايا وأبدأ في عملي لأجل توثيق حالتها أتلقى التهديدات بشكل مباشر، يطالبني الأهل في أغلب الأحيان بالابتعاد عن بناتهم ولكنني لا أفعل.

كيف تتعاملين مع هذه التهديدات؟

أسرتي هي الداعم الأول لي، فإخوتي يقفون بجانبي ضد أي إعتداء قد يطالني، مؤخراً أصبحت أوثق الانتهاكات بشكل سري بيني وبين الحالة مباشرة دون علم أهلها إذا كانوا يعارضون ذلك، بهذه الطريقة تحاشيت العديد من الصدامات، خاصة إذا علمنا أن المحكمة لاتبت في العديد من قضايا جرائم الشرف منذ ثلاثة سنين.

كيف تقيمين المرأة في الجنوب؟

تتمتع المرأة في الجنوب بشخصية قوية تدفعها للمشاركة في بناء المجتمع، ولكن هذه الشخصية مكبلة بمنظومة من المعتقدات والتقاليد والعادات الاجتماعية التي يفرضها الرجال، حيث احتكر الرجال تفسير النصوص الدينية وصارت المرأة أسيرة هذه التفاسير، لذا أتمنى أن تستطيع المرأة في الجنوب بناء شخصيتها المستقلة بعيداً عن هذه الاعتبارات.