منذ أربع سنوات وشرف الدين القليل محامي شهداء الثورة التونسية وجرحاها يلهث بين أروقة المحكمة العسكرية لإظهار الحقيقة وإدانة القتلة. فأحكام البراءة التي صدرت بحق المتهمين والتي أثارت حفيظة الرأي العام لم تضعف من إرادة المحامي الذي يقول أنه ضحّى بمكتبه وبمستقبله المهني وبحياته الخاصّة من أجل هذه القضية التي يعتبرها قضية حياته.

المحامي يكشف في هذا الحوار الطويل خلفيات وتفاصيل كثيرة في ملف الشهداء والجرحى.

مراسلون: بعد أربع سنوات من المعارك القضائية الضارية هل طوي ملف شهداء الثورة التونسية وجرحاها؟

منذ أربع سنوات وشرف الدين القليل محامي شهداء الثورة التونسية وجرحاها يلهث بين أروقة المحكمة العسكرية لإظهار الحقيقة وإدانة القتلة. فأحكام البراءة التي صدرت بحق المتهمين والتي أثارت حفيظة الرأي العام لم تضعف من إرادة المحامي الذي يقول أنه ضحّى بمكتبه وبمستقبله المهني وبحياته الخاصّة من أجل هذه القضية التي يعتبرها قضية حياته.

المحامي يكشف في هذا الحوار الطويل خلفيات وتفاصيل كثيرة في ملف الشهداء والجرحى.

مراسلون: بعد أربع سنوات من المعارك القضائية الضارية هل طوي ملف شهداء الثورة التونسية وجرحاها؟

القليل: لا نستطيع الحديث عن بناء حقيقي للديمقراطية بطي هذا الملف..هذا الملف مازال حي ومازال يؤرق الجميع. النخبة السياسية، مؤسسات الدولة، النشطاء الحقوقيين وكذلك عائلات الضحايا. وأنا أعتقد أن عديد الأطراف تواطئت لإجهاض هذا الملف وكذلك من أجل تحويل وجهته. وأعتقد أن الأحكام التي صدرت في شأن قضايا شهداء الثورة وضحاياها هي تتويج لصفقة سياسية كاملة المعالم والملامح.

صفقة بين من ومن؟

طرفا الصفقة هما المؤسستين الأمنية والعسكرية بمباركة سياسية حزبية واسعة. فلا يخفي على أحد أن جل الأحكام القضائية التي صدرت ضد العسكريين المتهمين في قتل الشهداء وجرح الجرحى وهم أغلبية، كانت أحكام رمزية ما بين 100 دينار خطية مالية وسنتين سجن، سنتين سجن في تهمة قتل كيّفت على أنها قتل على وجه الخطأ. فانطلاقا من هذا المعطى ومن تدخّل واضخ من النقابات الأمنية ووزارة الداخلية وعديد المسؤولين الأمنيين في ملف شهداء وجرحى الثورة تتضح معالم الصفقة..

لكن هل تملكون أدلة قاطعة تبرهن على هذه الصفقة المزعومة؟

هناك مسؤولون نقابيون أمنيون مرابطون في المحكمة العسكرية للضغط وهرسلة القضاة العسكريين، بل والأدهى هناك مسؤولون نقابيون قاموا بتحويل وجهة القضية من خلال تقديم متهم افتراضي عوض المتهم الحقيقي الموقوف من أجل قضية قتل شهيد حي التضامن (بالعاصمة) مجدي منصري. نفس هذه النقابات بلغت بها الجرأة حدّ مقايضة أمن البلاد باطلاق سراح موقوفين أمنيين متهمين بالقتل. هذا الموقف صدر بعد ساعات من عملية بئر علي بن خليفة الإرهابية (جنوب تونس في أيار/مايو 2011) .

ومن خلال كل ما تقدّم نشتم رائحة الصفقة السياسية. فحركة النهضة توجهت لها عشرات المكاتيب من طرف نقابات أمنية ومن طرف أطراف خارجية لإطلاق سراح علي السرياطي (مدير الأمن الرئاسي زمن بن علي) ورفيق الحاج قاسم وزير الداخلية أثناء الثورة، المسؤولين المباشرين عن الجرائم التي ارتكبها نظام بن علي خاصّة من 6 الى 14 كانون الثاني/جانفي.

لكن هل يكفي ذلك للتدليل على شبهة تلاعب قضائي وصفقة سياسية في هذه القضية؟

لقد وقعت التضحية بالنص القانوني وما قدمته لنا المحكمة العسكرية هو عبارة عن “فتاوى” قضائية. فهل يعقل أنه بعد خمسة أطوار قضائية تصبح جريمة المشاركة في القتل العمد مجرّد الامتناع عن محظور وهي مجرّد جنحة؟ هل يعقل أن جريمة استهداف مواطن تونسي بالرصاص وإصابته إصابة بليغة تكيفها المحكمة باعتبارها جرح على وجه الخطأ؟

كل ما تقدّم يحيل إلى صفقة واضحة ولكن بأدوار غير واضحة للمحكمة العسكرية والنقابات الامنية وأنا أملك وثائق تدين نقابي امني قام بابتزاز زوجة مسؤول أمني متهم في احدى القضايا المتعلقة بشهداء وجرحى الثورة لتدليس وثائق ادارية تسقط التهمة عنه.

نحن كنا بلّه وسذّج عندما منحنا ثقتنا في البداية للقضاء العسكري الذي اهمل في الطور الابتدائي كل الوثائق اللازمة كسجلات الذخيرة وسجلات المكالمات الهاتفية للقيادات الأمنية الميدانية ورغم أنه انخرط في تنفيذها استئنافيا لذلك انا كنت مقتنعا ان القضاء العسكري قد يكشف الحقائق لكنه لن يرتّب الآثار القانونية الذي هو المحاسبة والمحاكمة الصرامة.

وحتى النخب السياسية بات يقلقها هذا الملف وتريد طي صفحة الماضي.

في ذكرى الثورة وأثناء الاحتفال في قصر الرئاسة بقرطاج، قال أهالي الشهداء والجرحى إن رئيس الدولة أهانهم..

أنا كنت من المتهمين بأني وراء الاحتجاجات التي وقعت في داخل قصر قرطاج يوم الاحتفال بذكرى الثورة. أما بالنسبة للاحتفال فأنا قلت إن عائلات شهداء الثورة وجرحاها لن يحتفلوا قبل ظهور الحقيقة وطالما لم نحاسب من قتل ومن عذّب وجرح أبنائنا وتسبّب لهم في اعاقات دائمة. واذا انخرطنا في الاحتفال دون محاسبة فان ذلك يعني شرعنة الجريمة ومبدأ الافلات من العقاب. وعندما نظمت العائلات وقفة احتجاجية بشارع الثورة تحت شعار “لن نستسلم” فان ذلك رسالة قوية أن الملف لن يقبر ولن يغلق.

ولكن ألا يحتاج ملف شهداء الثورة وجرحاها إلى إرادة سياسية؟

صعوبات هذه الملف بسيطة ولحلّه بشكل جذري لا بدّ من توفّر ارادة سياسية جدّية. لكن هذا الملف مثّل طوال السنوات الماضية وقودا للمزايدات السياسية وللمعارك الانتخابية الطاحنة.  وما حصل في قصر قرطاج كان أمرا متوقعا وشخصيا توقعته. فمشكلتنا نحن بعد 14 كانون الثاني/جانفي أننا لم نحسن ولم نقنن طريقة تعاملنا مع الضحايا.

وفي ذلك اليوم أهين الشهداء بالفعل. في عيد الثورة كان من الأولى تكريم شهداء الثورة وجرحاها. لكن “عجوز” قرطاج كان يدرك جيّداً ما يفعل حيث أنه في نهاية حملته الانتخابية صرّح على الملأ أن في هذا الوطن هناك ثلاثة شهداء فقط (الزعماء السياسيين الذين تم اغتيالهم بعد الثورة). وهذا كان بغاية ضرب وحدة قضية شهداء الثورة وجرحاها.

هل كنت موافقا على طريقة احتجاج عائلات الشهداء في القصر بتلك الطريقة الفجّة؟

طبعا لم أكن موافقا على ردّ الفعل المتشنّج من العائلات لكن أتفهّم حزنهم وغضبهم.

محسن مرزوق، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية اتهم أطراف سياسية بأنها تقف وراء حالة الهرج والمرج التي سادت في القصر يوم 14 جانفي؟

إذا كان محسن مرزوق يتهمني أنا بتحريض عائلات الشهداء فذاك شرف لا أدّعيه والعائلات ليست قطيع يساق حسب الأهواء. هم أصحاب قضية يدافعون عنها بشراسة ولا يخضعون الى إملاءات سياسية.

لكن بعض رموز الحزب الحاكم اليوم كانوا ضمن هيئة الدفاع عن المتهمين بقتل الشهداء.

كلنا يتذكّر أنه في يوم 13 نيسان/أفريل 2014، يوم صدور الأحكام النهائية في قضايا شهداء تالة والقصرين وتونس الكبرى، أصدر حزب نداء تونس، الحزب الحاكم اليوم، بيانا زكّى من خلاله وبارك “فتاوى” المحكمة العسكرية ولا أقول أحكامها.

الحزب الحاكم اليوم هو ضلع من أضلاع الأطراف السياسية التي انخرطت في تلك الصفقة بين المؤسستين العسكرية والامنية. وقد أحدث هذا الحزب لجنة في البرلمان الجديد تعني بشهداء وجرحى الثورة ولكن من باب “السكيزوفرينيا” السياسية وضع على رأسها محامي قتلة الشهداء من القيادات الأمنية والعسكرية وهو الأستاذ عبادة الكافي الذي ناب 9 متهمين كبار في قضايا الشهداء وناب علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي السابق والشخصية رقم 2 في نظام بن علي.

هل يدخل ملف الشهداء والجرحى في سياق العدالة الانتقالية؟

مسار العدالة الانتقالية تأسس أولا وبالذات من أجل إنصاف ضحايا الاستبداد والدكتاتورية ولعمري أن 319 شهيدا و2418 جريحا من جرحى الثورة لا يمكن أن يكون ملفا منفصلا عن الملفات التي تعود بالنظر الى هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة مستقلة لإنجاز العدالة الانتقالية) وهذه الهيئة مطالبة اليوم بالمبادرة بوضع اليد على كل الوثائق المتعلقة بهذا الملف وعليها أيضا الاستماع الى الضحايا وتحديد استراتيجية لمعالجة مشاكلهم المادية والمالية في علاقة بالتعويضات.

لماذا ساندت المنصف المرزوقي في حملته الرئاسية رغم أن عائلات الشهداء اتهمته بانه خذل الملف وخذل القضية الشهداء؟

في الدور الاوّل ساندت وبقوة المناضل اليساري حمة الهمامي ولكن في الدور الثاني وباعتباري أمقت الوقوف على الربوة والسلبية وكان هناك خيار بين المنصف المرزوقي والباجي قايد السبسي، اخترت الانحياز للمرشح الاول.

صحيح أن في ملف الشهداء لم يفعل المرزوقي شيئا ولكن في الاحاطة المادية والمعنوية بالجرحى وعائلات الشهداء كان فاعلاً إلى درجة انه دفع من أمواله الخاصّة لتحمّل نفقات خاصّة.

لذلك في الاختيار بوصلتي لها علاقة بمن خدم الملف أكثر ليس فقط في بعده القضائي بل أيضا الانساني. المرزوقي ارتكب أخطاء في هذا الملف وفي الاداء السياسي ولكن في المقابل الباجي قايد السبسي ارتكب جرائم سياسية وأهان الثورة و الشهداء عندما ادّعى ان “القناصة إشاعة”.

هل تثق في القيادة السياسية الجديدة في علاقة بملف الشهداء وقدرتها على إنصاف العائلات والجرحى وإبراز الحقيقة؟

أنا لا أثق في رغبة او قدرة هذه القيادة على تحقيق استحقاقات الثورة وانصاف هذا الشعب المكلوم.