بدأت الهيأة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي في مناقشة المسودة النهائية للدستور، فالهيأة التي انطلقت أعمالها منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2014، انحصر عملها حتى الآن على الأفكار والنصوص المبدئية، وهو ما طرحته للنقاش في كانون الأول/ديسمبر الماضي عبر موقعها الإلكتروني.

لكن طريق عملها لم تكن معبدة بالنجاح، فالنتائج المبدئية لعمل اللجان النوعية بالهيأة قوبلت بمواقف حادة من المواطنين، فإما الاستهجان والرفض الكامل أو القبول والتأييد غير القابل للنقاش.

بدأت الهيأة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي في مناقشة المسودة النهائية للدستور، فالهيأة التي انطلقت أعمالها منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2014، انحصر عملها حتى الآن على الأفكار والنصوص المبدئية، وهو ما طرحته للنقاش في كانون الأول/ديسمبر الماضي عبر موقعها الإلكتروني.

لكن طريق عملها لم تكن معبدة بالنجاح، فالنتائج المبدئية لعمل اللجان النوعية بالهيأة قوبلت بمواقف حادة من المواطنين، فإما الاستهجان والرفض الكامل أو القبول والتأييد غير القابل للنقاش.

لذلك بقي الانتهاء من كتابة الدستور الليبي وعرضه على الاستفتاء العام أملاً مشوباً بالتوجس والمحاذير وانعدام التوافق بين مكونات المجتمع الليبي واللغط الكبير حول شكل ونظام الحكم، بالإضافة إلى معارضة بعض التيارات الدينية للعملية الانتقالية في ليبيا، ورفضها للدستور.

لمناقشة هذا الموضوع التقى “مراسلون” رئيس لجنة شكل ونظام الحكم الدكتور مراجع علي نوح، عضو الهيأة التأسيسية لصياغة الدستور.

هناك أصوات تطالب بتجميد العمل على مشروع الدستور بسبب الانقسامات السياسية والاقتتال في ليبيا ووجود نازحين في الداخل والخارج، فكيف تنظرون لهذه الأصوات؟

نوح: أولاً إن أغلب الدساتير في العالم تكتب في ظل الظروف الساخنة، لأن من مهام الدساتير جمع الفرقاء وردم الهوّة بين مكونات الشعب الليبي وشرائحه، ونحن في هيأة صياغة الدستور نأمل أن يسهم هذا العمل في إيقاف الحرب، نحن نبحث عن دستور توافقي أي يوفق بين جميع الليبيين.

ولقد تواصلنا مع اللاجئين والنازحين في الداخل مثل نازحي تاورغاء في طرابلس وبنغازي، كما أن مجموعة من الأعضاء التقوا بنازحين في تونس، أما بخصوص النازحين في مصر فلم نستطع التواصل معهم بسبب الظروف الأمنية حسب ما قالته الحكومة المصرية لنا، علماً بأنه جاءتنا الكثير من المقترحات من النازحين خارج ليبيا. إن مجرد التفكير في تجميد العمل بمشروع الدستور لن يكون في صالح ليبيا.

وعندكم صعوبة أيضا في دعوة المكون الأمازيغي للحاق بكم، فهم قاطعوا الانتخابات الدستورية..

تواصلنا مع الأمازيغ أكثر من مرة في وفدين منفصلين، ولم نلق منهم أية استجابة للحاق بنا أو الموافقة على انتخاب ممثليهم في هيأة صياغة الدستور، واشترطوا لذلك تنفيذ مطالبهم أولاً التي لم نستلمها حتى هذه اللحظة رغم الوعد الذي قطعه المجلس الأعلى للأمازيغ لنا بمدنا إياها، ولكنهم لم يفعلوا، وكان من بينهم “سالم قنان” عضو المجلس الانتقالي السابق. وأعتقد أيضا أن وفداً من مجلس البرلمانات العالمي زار الأمازيغ في ليبيا وحفزهم على المشاركة، لأنها إحدى مقتضيات الديمقراطية، وقال لهم إذا رفضتم المشاركة في الانتخابات فمعناه أنكم فرطتم في حقوقكم الديمقراطية.

هناك من يقول إن اللجان المكلفة بصياغة الدستور لم تتواصل مع عدد كبير من شرائح الشعب المختلفة، مما أدى إلى عدم اطلاع معظم الليبيين على المخرجات، خصوصاً مع  وجود أعطال في وسائل التواصل عبر شبكة المعلومات الدولية، هل تؤكد ذلك؟

نحن نعترف أن التواصل بيننا وبين المواطن ضعيف، ولم نستثمر وسائل الإعلام بالشكل المطلوب، ولكن الأسباب أننا لا نريد الانفتاح على الإعلام خاصة ونحن في بداية عملنا حتى لا نُهاجَم، مثلما حدث بعد صدور مسودة الدستور اليمني التي اقترحت دولة فيدرالية من ست مقاطعات، فهجم الحوثيون على صنعاء، وكذلك هجوم الناس على مقر الهيأة الفرنسية لصياغة الدستور عام 1958، والآن جاء الوقت المناسب وأُذن لنا بالتحدث مع وسائل الإعلام. ولكن في نفس الوقت هناك بعض القنوات لم تعطنا المساحة الكافية بعد صدور مسودة الدستور يوم 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي لنوضح مسائل كثيرة، ربما لأن قنوات فضائية كثيرة لم يكن مسيروها مقتنعين بالعملية الدستورية برمتها.

الرأي العام الليبي يرى أن إسقاط ورقة الانتخاب المباشر من الشعب كان الغرض منها إضعاف حظوظ شخصيات كاريزمية مثل “محمود جبريل” واللواء “خليفة حفتر” للوصول إلى الرئاسة؟  

ما توصلنا إليه هو انتخاب رئيس الدولة بالنظام الانتخابي غير المباشر، واقترحنا أن يتم التصويت على انتخاب الرئيس بواسطة أعضاء الغرفة الثانية – المتعارف عليها بمجلس الشورى – التي اقترحتها هيئة الدستور، والتي ستتكون من المنتخبين عن الأقاليم الثلاثة (برقة – طرابلس – فزان)، ومجموعهم 72 عضواً بواقع 24 عضواً عن كل إقليم.

نحن لم نفضل الانتخاب المباشر لأننا نعتقد أن الاقتتال بين الليبيين سببه عدم توازن الأغلبية المجتمعية في كل الأماكن، والذي ساهم في إبراز المخاوف من هذه الأغلبية هو الإعلام نفسه، وعرفنا أن هذه التوجهات ستؤثر في تكافؤ الفرص بين الليبيين في اختيار الرئيس، والأغلبية المجتمعية كما هو معلوم تقسم المجتمع عمودياً وليس أفقياً، فعلي سبيل المثال لو أن مدينة بني وليد لها مرشح رئاسي  فقد تعارضه مدينة مصراتة بأكملها لما بينهم من عداء، بمعنى قد يكون الاختيار مبني على الجهوية وليس على الموضوعية.

قضية أخرى تضر بالانتخاب المباشر لرئيس الدولة وهي المال السياسي، أو المال الأسود كما يحدث في الكويت في ظل رفاه اقتصادي عالٍ جداً ونظام انتخابي متعدد الصوت تكثر فيه ظاهرة شراء الأصوات، وكذلك في تونس شكاوى مؤسسات المجتمع المدني ضد شراء الأصوات، ولكن هنا ألفت انتباه الليبيين أنه ليس هناك أشياء قطعية، فكل شيء قابل للتعديل كما حدث في تركيا بعد أن كان الرئيس يُختار من البرلمان أصبح يُنتخب من الشعب مباشرة.

وما الضمانات المتوفرة عند مجلس الشورى ويفتقدها الشعب في اختيار رئيسهم القادم؟

أولا ليعلم الجميع أن الأعضاء سيكونون محاسبين أمام دوائرهم، ولدينا في الدستور مسمى جديد وهو الهيئات الدستورية المستقلة والتي لا تخضع للسلطة التنفيذية  ولا التشريعية ومهمتها رقابية.

أما المحكمة ستتكون من ثلاثة أشخاص برتبة مستشار بالمحكمة العليا، وهذه كلها ضمانات بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني وغيرها، وبالتالي فإن مراقبة 72 عضواً أسهل بكثير من مراقبة شعب بكامله، خاصة وأن ليبيا سجلت نسبة فساد عالٍ في السنوات الماضية والحالية، أضف إليها وجود حالة من العزوف عن المشاركة في الانتخابات وحالة من الإحباط تسود أوساط المجتمع الليبي والتي ستؤثر حتما لو جعلنا الانتخاب بطريقة مباشرة.

الدستور المصري أُنجز في ستة أشهر وأنتم في ليبيا ما زلتم تعرضون مسودات بعد عام كامل؟

هناك فرق بين الحالة الليبية والمصرية، فالمصريون لديهم إرث دستوري من عام 1923 ونحن ورثنا عن لجنة الـ 60 لدستور عام 1951 وبمساعدة من الأمم المتحدة فقط 24 محضراً، فيما لم نعثر على أية أعمال تحضيرية على الإطلاق.

كما أن لجنة الدستور المصري قامت بتثبيت 149 مادة من دستور عام 2011، وفي تونس تم إنجاز الدستور خلال سنتين تقريبا بدون تسبيب وتأصيل، أما نحن في ليبيا نعمل على لجان نوعية وننشئ كل شيء من الصفر.

متى ستنتهون من كتابة الدستور؟

لدينا مشكلة أساسية في التصويت داخل الهيأة المكونة من 56 صوتاً، بالإضافة إلى عقبة المكونات التي وضعها أمامنا المؤتمر الوطني العام في التعديل السابع في الإعلان الدستوري، حيث أقر أنه لا تصدر المواد إلا عن طريق أغلبية الثلثين أو التوافق.

وعندما تتحدث إلى المكونات يقولون لك إن كل شيء في الدستور يخصنا، أي أنه عند التصويت تؤخذ الموافقة بدون عد الأصوات وحتى يمر الموضوع يجب موافقة الجميع دون استثناء، فلو افترضنا أن هناك تصويتا على مادة، وصوّتت الهيأة بـ 55 صوتا واعترض صوت أحد المكوَّنات فإن المادة لا تقر، لذلك لا يمكن لنا تحديد متى سيُنجز الدستور. لقد شكلت هيأة الدستور لجنة التوافق برئاسة الدكتورة “اعتماد المسلاتي”  للتوصل إلى صيغة توافق وكيف يتم التوافق، أيضا قام الدكتور نجيب الحصادي بتزويدنا ببحث قيّم عن مفهوم التوافق وكلها ستؤخذ في الحسبان.

كيف سيكون شكل الاستفتاء؟ هل على الدستور وحدة واحدة أم على أبوابه وبنوده؟

بعد إنجاز المسودة النهائية للدستور فإنه سيتم طبعها وتوزيعها على الشعب، ثم يأتي يوم الاستفتاء عليه وحدة واحدة بثلثي المقترعين بنعم أو لا في الجولة الأولى، وفي الجولة الثانية إذا قال الشعب (نعم) فإن الدستور يصبح نافذاً وإذا قال (لا) فيعاد صياغته من جديد في مدة شهر تجري فيها دراسة استطلاعية لمعرفة الأسباب.

لاحظنا أنكم أفردتم باباً كاملاً للجيش والشرطة في مسودة الدستور، هل لذلك دلالة معينة؟

للتأكيد على أن مؤسسات الجيش والشرطة تتمتعان باستقلالية وهي ضرورية لحماية الشعب والوطن ومقدراته، فكانت مواد هذا الباب تجاوزت أربع مواد، ومن باب التقسيم والتوضيح رأينا أن يكون لهذه المؤسسات باب في الدستور ومراعاة للشفافية والوضوح.

لماذا اعتمدتم العلم ذا الثلاثة ألوان الذي رفع أثناء الإطاحة بنظام القذافي  ضمن مسودة الدستور في باب شكل الدولة من دون الرجوع للتصويت؟

اللجنة المختصة في هذا الباب اتكأت على رأي غالبية الشعب، ووفقا لإحدى الدراسات التي أجرتها جامعة بنغازي عام 2013 أوضحت أن نسبة كبيرة من الليبيين راضية بأن يكون هذا العلم هو علم الدولة الليبية.

أخيرا كيف تبرر مطالبة أعضاء الهيأة بجوازات سفر حمراء ورواتب وُصفت بالمرتفعة في ظل الأوضاع المالية الراهنة للدولة مع تدني إنتاج النفط وهبوط في أسعاره؟

الجواز الدبلوماسي لا يعني لنا الكثير، ولكنه ضرورة لتسهيل تنقلاتنا خارج ليبيا لحضور ورش العمل بعد أن امتنع المحاضرون في الأمم المتحدة عن المجيء إلى ليبيا، وهم من طلبوا منا الانتقال إلى مناطق آمنة كلبنان وتونس وبعض الدول الأخرى، أما المرتبات المرتفعة فقد حُددت عن طريق الأمم المتحدة بـ 20 ألف دولار شهريا، لكن رئيس الهيأة وأعضاءها رأوا أن هذا الرقم كبير جداً، فحدد الراتب بمبلغ وقدره 1000 آلاف دينار ليبي (7500 دولار أمريكي) وبدل سكن قدره 5000 آلاف دينار ليبي، علماً بأن بدل السكن هو أقل بكثير وأفضل من الإقامة في الفنادق الخاصة التي تكلف الدولة الكثير.