لم تكن عائلة العبداوي تتصوّر يوما أنّها ستفقد ابنيها التّوأم دفعة واحدة، ناهيك عن مقتلهما في سوريا وليبيا. فلم تكد تجف دموع الفراق على الابن الأوّل خالد حتى تلقت العائلة في السنة نفسها خبر وفاة شقيقه وليد. وقد دفعت الفاجعة ذوي الشابين الى الاحتجاج لتتحول الجنازتين الى مسيرات.

في مسقط رأسي الشابين بمدينة الوسلاتية من محافظة القيروان وسط تونس راجت أنباء كثيرة عن مقتل شباب في عمليّات جهادية منذ فتحت جبهة القتال بين سوريا وليبيا. وقد روّج الإعلام المحلّي مرارا أنّ من يذهب للقتال هم من أبناء العائلات الفقيرة وذوي المستوى التعليمي المتدنّي.

لم تكن عائلة العبداوي تتصوّر يوما أنّها ستفقد ابنيها التّوأم دفعة واحدة، ناهيك عن مقتلهما في سوريا وليبيا. فلم تكد تجف دموع الفراق على الابن الأوّل خالد حتى تلقت العائلة في السنة نفسها خبر وفاة شقيقه وليد. وقد دفعت الفاجعة ذوي الشابين الى الاحتجاج لتتحول الجنازتين الى مسيرات.

في مسقط رأسي الشابين بمدينة الوسلاتية من محافظة القيروان وسط تونس راجت أنباء كثيرة عن مقتل شباب في عمليّات جهادية منذ فتحت جبهة القتال بين سوريا وليبيا. وقد روّج الإعلام المحلّي مرارا أنّ من يذهب للقتال هم من أبناء العائلات الفقيرة وذوي المستوى التعليمي المتدنّي.

ولكن بالتوازي مع تلك الفئة سجّل خريجو الجامعات وأبناء العائلات ذات الدخل المرتفع حضورا ملفتا في أوساط الجهاديين في محافظة القيروان وفي مدن مجاورة وهو ما قد يعطي تفسيرا آخر لدوافع السفر بنية الجهاد.

التوأم المقاتل

مدينة الوسلاتية الواقعة بين جبلي “السرج” و”وسلات” الممتدان غرب القيروان شهدت إثر ورود خبر مقتل التوأم حالة من الغضب. فلم يكونا وحدهما من افتقدتهما المدينة فكذلك افتقدت عائلة الشاب بلال الكعبي (23 عامًا) ابنها يوم 18 أكتوبر/تشرين الثاني2014، وهو الثاني من بين الشبان الخمسة الذين سافروا خلسة دفعة واحدة عن طريق ليبيا لـ”الجهاد” في سوريا يوم 16 سبتمبر/تشرين الأول 2014.

شقيقة التّوأم نجاح العبداوي (في العقد الثالث) تحدثت لـ”مراسلون” بمرارة وحزن عن تفاصيل سفر شقيقها الأول خالد وسفر شقيقها وليد ومقتلهما في بضع أشهر. ورغم حزنها الشديد وغضبها أثناء الاحتجاج الذي شاركت فيه، فقد كانت أفضل حالا من والديها الذين أنهكتهما الفاجعة.

شكليّا، لم تكن نجاح ملتزمة بما كان يدعو إليه شقيقاها بخصوص “اللّباس الشرعي” الإسلامي. وأفادت أنه لم يظهر على شقيقيها التّطرف الديني سوى في الفترة القصيرة التي سبقت سفرهما وكانا يميلان إلى الانعزال وملازمة الأنترنيت.  

فعندما قرّر وليد العبداوي (24 سنة) مغادرة البلاد كان قد تخرّج حديثاً من معهده واستلم وظيفة بأحد المستشفيات. لكن كانت هناك أسباب جعلته يتخذ قراره. وقالت نجاح إن شقيقها تلقى عروضا عبر الانترنيت ودروس ترغيب في مسجد المنطقة، واستلم مبلغا من المال (250 دولار). وقد استقال من عمله كفنّي  في الصّحّة بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس.

شيوخ الانترنيت

في سياق اتهاماتها، تحدثت نجاح عن تأثر شقيقها وليد بمقتل خالد في سوريا ودخوله في عزلة جعلته يعيش حالة نفسيّة صعبة.

وأشارت إلى أن هاجس السفر للقتال في سوريا سيطر على وليد ولم يتمكن والده من إقناعه بالتراجع. فقد ظن والدا وليد أنهما نجحا في إقناعه بالعدول عن فكرة السفر ووعدهما بذلك، واطمأنّا لكونه التحق بالعمل كممرض. لكن بمجرد توجه والديه للحج (السعوديّة) قرّر وليد السفر رفقة شبان آخرين ولم تعلم أسرهم إلى أيّ جهة سافروا في البداية ثم تلقوا اتصالات يعلمهم فيها أنه في ليبيا.  

قبل سفر وليد، أبلغ والده مركز شرطة الوسلاتيّة بنية ابنه السفر إلى سوريا خاصة بعد أن علم بتسلمه مالا من أحد الأشخاص الذين يتصل بهم عبر الانترنيت. وقد طلب الأب من الشرطة إيقافه فوضعه الأعوان تحت المراقبة. لكنه افلت من المراقبة واستطاع السفر رفقة 34 شبّان آخرين منهم 3 من أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل.

ومن بين الشبان الجامعيين، بلال الكعبي (ويعرف بعمر التونسي) الذي قتل مؤخرا في تفجير انتحاري ببنغازي.

وأفاد شقيقه سهيل، انه متحصل على شهادة جامعية (إجازة) في اختصاص إدارة الأعمال. وقد تم استقطابه فتحول صحبة 4 أشخاص من نفس المنطقة الى سوريا قبل أن تنقطع أخباره إلى حين وصول خبر وفاته. ونظمت له أسرته وأصدقاؤه جنازة رمزية جابت شوارع المعتمدية.

أيمن هو عينة أخرى من الشباب الجامعي، وقد تخرج من المعهد العالي للدراسات التكنولوجيّة بالقيروان نهاية السنة الماضية، وبسبب عدم إيجاد شغل عمل مع والده في محل البقالة. وبعد أشهر قليلة من العمل سافر الى سوريا ثم قرر العودة سريعا الى تونس لكن  تم ايقافه من قبل قوّات الأمن  التونسيّة للتحقيق معه ولم يتم اطلاق سراحه الى غاية أواسط كانون الأول/ديسمبر.

غير أن وضعية علي هي أكثر إثارة للانتباه. فهو مهندس (أصيل جربة) استقر في القيروان مع زوجته المهندسة التي قررت العزوف عن العمل والانشغال بتربية الاطفال والتزمت بارتداء النقاب.

يشتغل علي بمؤسسة صناعية ويبلغ مرتبه نحو 3 آلاف دينار (حوال 1800 أورو) ولكنه قرر السفر الى سوريا رغم نصيحة أصدقائه بينهم منتمون الى التيار السلفي بعدم السفر “لعدم وضوح الرؤية بالنسبة للأطراف المقاتلة”. وبعد أسابيع قليلة جاء خبر وفاته وتحولت زوجته للسكن مع والديها هي 3 من أبنائها قبل أن تضع مولودها الرابع.

عابرون بين الحدود

تقدر وزارة الداخلية الشبان التونسيين الذين انضموا لجماعات المقاتلين السوريين بحوالي 2.400 مواطن تونسي منذ عام 2011 عاد منهم 400 شاب فيما منعت الدولة سفر عدة آلاف. وتقول الوزارة إنها أحبطت سفر شبان إلى اسطنبول عبر مطار تونس ومنها للجنوب التركي ثم العبور إلى سوريا، أما الطريق الثاني فهو السفر إلى جنوب تونس وعبور الحدود إلى ليبيا والانضمام لمعسكرات التدريب هناك قبل التوجه الى سوريا.

معظم الشبان الذين سافروا للقتال لا يخبرون آباءهم عن نيتهم السفر فيختلقون حجّة للغياب. فعندما قرر أيمن العربوي السفر أخبر عائلته أنه سيغيب أسابيع قليلة للعمل في ليبيا، وبعد ستة أشهر اكتشفت عائلته الحقيقة من موقع على الإنترنت أعلن في حزيران/يونيو عن مقتله وهو يقاتل في صفوف ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

أمراء الحرب

“كان ولدا هادئا وكان يقضي وقته في الدراسة وتحصيل علامات جيدة”، تقول والدته. وترفض عائلته أن يكون هناك طرف بعينه قد أثر على قراره للسفر إلى سوريا، وتعتقد أن ما أثر عليه أكثر هو قراءته لعدد من الكتب التي نشرت في مطابع عربيّة.

اتهمت عائلة وليد وخالد طبيبا يتردد على منطقة الوسلاتية والمسجد الجامع بالجهة بالضلوع في تسفير الشباب وكذلك اتهمت رئيس مركز الشرطة بعدم تحمّل مسؤوليته عندما لجأ إليه والد وليد محمّلا بالأدلّة. وقد نظمت احتجاجات من أجل سدّ المنافذ باتجاه السفر الى سوريا فتدخل القضاء وفرقة مكافحة الارهاب وتم ايقاف عدد من المشتبه بضلوعهم في تسفير الشباب ثم اطلاق سراحهم.

كما حصلت ضربات استباقّية لمنع الشبان من السفر الى سوريا. وقد تم في عديد المناسبات منع شبان من السفر الى تركيا وليبيا ولكن ليس بشكل صارم ولا حازم، اذ تواترت مزيد من الأخبار عن سفر شبّان من القيروان الى سوريا وليبيا ووصول أخبار عن مقتلهم.

الهويّة وصورة البطل

لكن ما هي الاسباب التي تدفع بالشباب الى ترك كل شيء والذهاب الى مصير مجهول؟ “لست ادري، ربما هو من باب الانسانية التي تفرض عليهم مناصرة إخوانهم المضطهدين من طرف حاكم جائر”، هكذا تفترض الاخصائيّة في علوم التربية الاستاذة وسيلة قيقة. وتضيف بنفس الحيرة “ربما هي  أيضا اثبات لهويتهم العربية الاسلامية وتوقهم إلى تغيير العالم أو هي قناعتهم بأن الإسلام في خطر”.

وترى قيقة أن هذا الفقر العلمي والمادي يسهّل استدراجهم من طرف شبكات ارهابية لها القدرة على الخطابة والإقناع والتلاعب بالمشاعر الدينية لديهم، الشيء الذي يحرك صورة البطل داخلهم ويزيد رغبتهم وحماسهم للالتحاق بوسط يعترف بهم ولا ينكرهم علاوة عن رغد العيش والرفاهية التي سينعمون بها عند اندماجهم في وسط الجماعات الجهادية. و”إن ماتوا فهم شهداء عند الله وسينعمون بالجنة وبالحور العين” وهذا قد يتم تفهمه.

وتستدرك الباحثة بالتأكيد على أن هناك أسبابا اخرى لا بد من الاشارة اليها مثل استغلال الحريات من طرف مجموعات متطرفة قامت بالسيطرة على الجوامع واستخدامها لبث افكارهم لدى الشباب وتسهيل استقطاب. “علاوة على ذلك لا ننسى دور بعض وسائل الاعلام التي روجت للجهاد في سوريا عبر دعوات الشيوخ لإنقاذ الشعب السوري المنكوب، دون ان ننسى أيضا دور المواقع الاجتماعية في التحريض والتشجيع على التعبئة” حسب تحليل الاستاذة قيقة دوما.