تقول مباركة “كنت مكتفية بأن أكون زوجة محبة تنتظر عودة زوجها في المساء لتروي له تفاصيل يوم مرهق بين التدريس والاعتناء بالأولاد.”
تصمت قليلا ثم تضيف من بين تنهيدة عميقة “لو كان الشهيد حيا لما عرفني أحد.”
تقول مباركة “كنت مكتفية بأن أكون زوجة محبة تنتظر عودة زوجها في المساء لتروي له تفاصيل يوم مرهق بين التدريس والاعتناء بالأولاد.”
تصمت قليلا ثم تضيف من بين تنهيدة عميقة “لو كان الشهيد حيا لما عرفني أحد.”
لكن الأقدار لم تكن تريد أن تكون مباركة عواينية البراهمي، امرأة عادية تمارس حياتها كآلاف النساء التونسيات اللواتي تمضي حياتهن دون ضجيج ولا ضوضاء بين العمل وتربية الأبناء. لقد جعل منها القدر زوجة شهيد أو رمز وطني أهدر دمه يوم الاحتفال بعيد الجمهورية، (25 يوليو 2013) في وضح النهار وأمام منزله وعلى مرأى ومسمع من أبنائه وزوجته، وهو السياسي محمد البراهمي.
يومها اكتشف الرأي العام وفي خضم المأساة مباركة البراهمي أرملة الشهيد، امرأة صلبة وقوية كانت متماسكة يوم استشهاد زوجها ورفيقها سنوات الكفاح الطلابي ولكن في داخلها كان “مرجل من الغضب” يغلي ويكاد ينفجر.
النضال المتوارث
مباركة عواينية التي ودّعت زوجها شهيدا لم تكن متطفّلة على النضال، فجدّاها للأب والأم شاركا في الحرب العالمية الاولى والثانية، ووالدها كان أحد رموز مقاومة المستعمر الفرنسي بولاية سيدي بوزيد وشقيقها الأكبر كان سجينا سياسيا في السبعينات، وشقيقها الأصغر خالد عواينية يعتبر المفجّر الحقيقي للثورة التونسية التي انطلقت شرارتها من مسقط رأسها، فخالد المحامي الشاب، كما تقول، “استغل حرق البوعزيزي لنفسه ليحوّلها بخطاباته النارية أيام 17 و18 و19 ديسمبر 2010 بساحات سيدي بوزيد، إلى شرارة ثورية انطلقت بحادثة مأساوية وانتهت بثورة أسقطت طاغية ونظاما فاسدا”.
عندما يؤنّث الثأر
مباركة المولودة في 8 يوليو 1967 بمعتمدية سيدي علي بن عون التابعة لولاية سيدي بوزيد، بدأت النضال وهي ما تزال في المعهد حيث تم رفتها سنة 1982 على خلفيّة مشاركتها في التحركات التلمذيّة احتجاجا على اجتياح بيروت.
عادت بعد ذلك لتكمل دراستها والتحقت بالجامعة سنة 1988 ونشطت في الحركة الطلابية مع الفصيل القومي “الطلبة العرب الوحدويون التقدميون” أين تعرفت على محمد براهمي الذي كان أحد قيادات التيار القومي التقدمي وتزوجت به في 30 جويلية 1989 لينتهي هذا الزواج بفاجعة اغتياله يوم 25 يوليو 2013.
بعد استشهاد زوجها عادت مباركة البراهمي إلى الحياة العامة والى ساحات النضال “لتكمل المسيرة السياسية لزوجها”.
“الأرملة الغاضبة” كما أطلق عليها في اعتصام الرحيل الذي تلى اغتيال الشهيد محمد البراهمي وأدّى الى سقوط الحكومة، لا تتمالك أعصابها في الكثير من الأحيان ويسيطر عليها غضبها بطريقة تدفعها الى أن تكون خطاباتها عنيفة وراديكالية. إنها تبحث عن الثأر ممن قتل زوجها ويتّم أطفالها الخمسة.
ففي أربعينية زوجها الشهيد توعّدت حزب حركة النهضة (الإسلامي) التي تتهمها مباشرة بضلوعها في عملية اغتيال زوجها بقولها “سننهككم يا خفافيش الظلام أيها القتلة وسنغتالكم بطريقة حضارية”.
وتضيف “إن المسيرة ما تزال مستمرة وإن كان الظلاميون يريدونها خاطفة وسريعة مثلما اغتالوا الشهداء فإننا سنجعلها حرب استنزاف طويلة معهم.”
“إني أرى القتلة”
مباركة البراهمي التي خاضت الانتخابات التشريعية الأخيرة في أكتوبر الماضي ونجحت في دخول البرلمان لتواصل الجلوس على كرسي زوجها كما تمنت، وتواصل مسيرته السياسية في الدفاع عن المحرومين والفقراء، تجد نفسها وجها لوجه مع من تزعم بأنه كان السبب في موت زوجها، أي مع رئيس الحكومة السابق زمن الترويكا علي العريض النائب بدوره في البرلمان. هي تقول أنه يحاول مع باقي نواب النهضة تفاديها وعدم الاحتكاك بها أو الاقتراب منها، خاصّة وأنها طالما صرّحت أنه بينها وبين النهضة “ثأر ودم”.
تصريح مباركة المتشنّج وتّر الأجواء بين الجبهة الشعبية وحزب نداء تونس، خاصّة وأن التيار الشعبي داخل الجبهة والذي تمثّله مباركة البراهمي يرفض دعم الباجي قايد السبسي (رئيس نداء تونس) في الدور الثاني من الانتخابات (21 ديسمبر) ويرفض أيضا دعم الرئيس المؤقت) المنصف المرزوقي الذي تعتبره مباركة متورّطا في اغتيال زوجها الشهيد.
“كنّا ندرك أن الجبهة لن تحصل على منصب نائب رئيس البرلمان، لكننا كنا نختبر نداء تونس واختياره بين جبهة شعبية تمثل الحداثة والخيارات الوطنية وبين حركة النهضة سليلة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وقد فشل في الاختبار”، بهذه الكلمات علّقت مباركة البراهمي عن ترشّحها لمنصب نائب رئيس البرلمان أمام القيادي في حركة النهضة عبد الفتاح مورو وفشلها في نيل المنصب في أوّل معركة برلمانية بين الجبهة الشعبية وحركة النهضة. معركة بدأت في انتظار فصول كثيرة منها تحت قبة البرلمان في الخمس سنوات القادمة.
موقف استفزّ “الأرملة الغاضبة” التي لم تثنها القبلة التي طبعها عبد الفتاح مورو نائب زعيم حركة النهضة على جبينها يوم انتخاب رئيس المجلس ونائبيه بطريقة مؤثرة فيها الكثير من التقدير والاحترام، عن الهجوم الحادّ على حزب نداء تونس الذي اتهمته بأنه متحالف مع حركة النهضة في الكواليس.
وصرّحت مباركة لوسائل الاعلام قائلة إن “النداء جثا على ركبتيه وهو يصوّت لعبد الفتاح مورو” في تلميح مهين لصفقات الكواليس بين النهضة والنداء.
تعنّت مباركة البراهمي ومواقفها المتصلّبة تجعل منها شخصية صعبة المراس وقاسية، لكنها لا تكترث وتقول “ما دمت أشعر إني على حق فلن أتراجع أبدا عن مواقفي.” وتضيف بحزن “سأواصل مسيرة الشهيد لن أصالح، لن أساوم ولن أغادر المشهد حتى أعرف من قتل الزوجي”.