حصل علي بن سالم على الكثير من الألقاب خلال حياته الممتدة على تسعين سنة، فرفاقه في النشاط السياسي من أجل الديمقراطية والحريات يلقبونه بعميد الحقوقيين التونسيين، فيما يلقبه الشباب من حوله بـ “العم علي” اعترافاً منهم بأقدميته في هذا المجال، أما اليوم فقد اكتسب صفة جديدة، هي النائب عن الشعب، بعد أن دخل البرلمان عن قائمة “نداء تونس” وافتتح الجلسة الأولى من جلسات البرلمان في الثاني من الشهر الجاري.
السجن والحياة
حصل علي بن سالم على الكثير من الألقاب خلال حياته الممتدة على تسعين سنة، فرفاقه في النشاط السياسي من أجل الديمقراطية والحريات يلقبونه بعميد الحقوقيين التونسيين، فيما يلقبه الشباب من حوله بـ “العم علي” اعترافاً منهم بأقدميته في هذا المجال، أما اليوم فقد اكتسب صفة جديدة، هي النائب عن الشعب، بعد أن دخل البرلمان عن قائمة “نداء تونس” وافتتح الجلسة الأولى من جلسات البرلمان في الثاني من الشهر الجاري.
السجن والحياة
عانى عم علي طويلا من الملاحقة البوليسية والمراقبة الإدارية خلال حكمي بورقيبة وبن علي (الأول منذ الاستقلال 1956 إلى 1987، والثاني من 1987 إلى 2011)، وعاشت عائلته الجزء الكبير من الحصار الأمني كما شهد جيرانه في مدينة بنزرت الواقعة شمال تونس أطوارا من ذلك الحصار.
يتذكر الأحياء من الذين عاشوا معه تجربة السجن، كيف كان يصمد خلال التعذيب الذي كان يتعرض له في سجن “قلعة الكراكة” السيئ الصيت، إثر الحكم عليه في محاولة اغتيال الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة التي تورط فيها مع مجموعة من العسكريين والمدنيين عام1962 .
في فترة السجن جرى تقييد بن سالم بسلاسل الحديدية كانت تشد أرجله ويديه إلى حائط تلك القلعة العثمانية الرهيبة، وتعرض لشتى أنواع التعذيب الذي كان يمارس في ستينات القرن الماضي بعيدا عن أعين ورقابة المنظمات الحقوقية. لكنه لم يشعر بالحزن وبقسوة السجن إلا عندما سلّمه كبير السجانين رسالة من والدته العجوز أعلمته فيها بوفاة زوجته التي تركت له ثلاثة أطفال لا معيل لهم.
مازال يتذكر زيارة ابنتيه له في سجنه الجديد “سجن برج الرومي” المطل على البحر والواقع في أعالي تلال مدينة بنزرت. انهمرت دموعه يومها. كان حافي القدمين ورث الثياب وهو يحتضنهما في مكتب المدير. حزّ في نفسه، كما يقول أن تكبرا في غيابه، ودون رعايته. نقل له أحد السجانين، بعد قضاء فترة عقوبته، أن مدير السجن المعروف بقسوته وشدّته تأثر لذلك المشهد واضطرّ لمغادرة مكتبه.
بعد خروجه من السجن، واصل علي بن سالم نشاطه مع مجموعة صغيرة من أجل الحقوق والحريات في زمن بن علي. وجرت محاصرة منزله بعد أن جعله صاحبه مقرا للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو البيت الذي كشف لـ “مراسلون” أنه كان خصصه كمقر مؤقت لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين المعارض زمن بورقيبة بعد أن أحرقت ميليشيات الحزب الاشتراكي الدستوري (الحاكم آنذاك) المقر الأصلي للحزب.
عنيد ومسامح
عاد عم علي بعد ثورة 2011 بأيام إلى “سجن الكراكة” بغار الملح، لكن هذه المرة كزائر، تنقل بين مختلف الزنزانات، تلمس أبوابها الحديدية الصدئة، توقف طويلا أمامها وتذكر مساجين تلك المرحلة، الأحياء منهم والأموات. دمعت عيناه مرة أخرى وأصابه الشرود، وهو يجلس على أحد الجدران الصخرية فيه، محدقا ببصره في الساحة التي كان السجناء يجبرون فيها على الجري حفاة على وقع العصي والسياط التي كانت تلسع أجسادهم المنهكة. ورغم سنوات السجن والعذاب، لم يتردد عمّ علي في وصف بورقيبة بـ “رجل الدولة والوطني”، في موقف فاجأ العديد من التونسيين بمن فيهم من خطط معهم لتصفية بورقيبة سنة 1962.
وأسر علي بن سالم في لقاء مع “مراسلون” إلى أن محاولة الاغتيال التي قام بها ورفاقه كانت “محاولة خاطئة وكان يمكن أن تزجّ البلاد في أتون حرب أهلية لو كتب لها النجاح”.
كما عاد عم علي مرة أخرى إلى سجن” برج الرومي” بطلب من سلطات المكان بعد الثورة للتفاوض مع السجناء المحتجين وإقناعهم بالهدوء عند مطالبتهم بتحقيق مطالبهم. مشى بين عموم السجناء بعد أن مكث الحراس بعيدا، خطب فيهم ووعدهم بأن الأمور ستتحسن وعاد الهدوء إلى هذا السجن الرهيب. وكان يتم اللجوء إلى عم علي للوساطة وحسم بعض الخلافات نظرا لتقدير الجميع له في هذه المدينة.
تكريم واعتراف
بعد أن طويت صفحة حكم بن علي، لم يواكب علي بن سالم دعوات الانتقام والتشفي من رموز هذا النظام. اختار الابتعاد عن الأضواء بعد أن شارك في تهدئة الأوضاع وبعد أن كرّمه حكام تونس الجدد “رفاق النضال” وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي.
لكنه وبعد أن اشتد التجاذب بين “حركة النهضة” التي يقودها الشيخ راشد الغنوشي، و”حركة نداء تونس” التي يتزعمها الباجي قائد السبسي، ظهر في المشهد السياسي وخاض يوم 26تشرين أول/أكتوبر الماضي الانتخابات التشريعية على رأس قائمة “حركة نداء تونس” في دائرة مدينة بنزرت، موطنه الأصلي.
كانت مرحلة ما بعد الثورة دافعة ليساهم عم علي “في توسيع أفق الحرية والديمقراطية” على حد قوله، وكان الناخب التونسي منصفا لتاريخه وتضحياته، لكنه لم يسلم من بعض الألسن التي انتقدت ترشحه على رأس قائمة حزبية اعتبروا أنها سليلة نظامي الرئيسين السابقين بورقيبة وبن علي.
لم يهتم “عميد المناضلين” بما يقال عنه، وقال لـ”مراسلون” إنه ترشح كمستقل على رأس قائمة “حركة نداء تونس” وأن الذين يلومونه اليوم على دخول البرلمان التونسي باسم هذا الحزب، لم يجد من أغلبهم أية معونة أو مساعدة خلال سنوات الجمر، وأنه في كل الأحوال لم ينخرط بعد في حزب “نداء تونس” وإن انخرط في يوم ما سيظل “ابن هذا الشعب والمناضل على الدوام أينما كان موقعه”.
موقعه الجديد هو مجلس النواب، حيث كان له شرف ترؤس الجلسة الافتتاحية قبل أسبوعين باعتباره أكبر النواب سنا.
تذكر عم علي، وهو يفتتح عهد الجمهورية الثانية سنوات المعارضة والنضال الديمقراطي والتضحيات التي قدمتها أجيال على مرّ تاريخ تونس. انهمرت دموعه قبل أن يقف جميع الحاضرين ويصفقوا له طويلا.