قبل دقائق من بدء المباراة، وأثناء الاستعراض الجماهيري المعروف بالـ “الدخلة” لمشجعي فريق “مستقبل قابس” لكرة القدم، رفع المشجعون لوحة في مدرجات الملعب تقول إن أجدادهم قاوموا الاستعمار الفرنسي فيما كان أجداد الفريق الآخر “عملاء” رحبوا بالمستعمر وقدموا له يد العون، علما أن الفريقين ينتميان إلى مدينة واحدة.

قبل دقائق من بدء المباراة، وأثناء الاستعراض الجماهيري المعروف بالـ “الدخلة” لمشجعي فريق “مستقبل قابس” لكرة القدم، رفع المشجعون لوحة في مدرجات الملعب تقول إن أجدادهم قاوموا الاستعمار الفرنسي فيما كان أجداد الفريق الآخر “عملاء” رحبوا بالمستعمر وقدموا له يد العون، علما أن الفريقين ينتميان إلى مدينة واحدة.

اللوحة المنصوبة في مدرجات الملعب كانت دلالة متفجرة على التعصب الكروي الممتد إلى موضوعات خارج كرة القدم نفسها، بل إلى التاريخ والسياسة.

فقد تضمنت اللافتة العملاقة أيضاً تقسيم المدينة إلى جزأين يحددان مواقع ومناطق انتشار أحباء الفريقين، وصوراً لمقاومين فوق صهوات جيادهم يمسكون بأسلحة بدائية يواجهون بها قذائف المدافع الفرنسية.

أهالي مدينة قابس بالجنوب التونسي ظلّوا طيلة أشهر يترقبون مباراة كرة القدم التي جمعت فريقي “المستقبل الرياضي القابسي” و”الملعب القابسي” في السادس من كانون الأول/ ديسمبر الجاري. لكن “العرس الكروي” بحسب وصف عشاق كرة القدم في الجنوب التونسي كاد أن ينقلب إلى صراع دموي بين أهالي المدينة بسبب حشر مواضيع سياسية يعود تاريخها إلى قرابة مئة سنة في الرياضة.

وحاولت مندوبية وزارة الشباب والرياضة في قابس قبل أيام من تنظيم المباراة أن تنبّه الجماهير الرياضية إلى خطورة العنف اللفظي والجسدي داخل الملاعب وخارجها، فقامت بتوزيع قمصان تحمل ألوان وشعارات الفريقين مترافقة مع حملة توعوية، لكن ذلك  لم يكن كافياً لمنع تكرار أحداث الماضي المتمثلة في رفع شعارات عنصرية.

وأثارت اللوحة جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي عند نقل المباراة على الهواء على التلفزة التونسية وهو ما دفع بقوات الأمن إلى الانتشار في المدينة قبل نهاية المباراة.

ويقول رئيس فرقة الشرطة العدلية في قابس رضوان العيساوي لموقع “مراسلون”: “قررنا نشر فرق أمنية بين المنطقتين تحسبا لردود فعل مشجعي الملعب القابسي”، مضيفا أن الشعارات الخطيرة التي تتضمن دعوات للكراهية والعنف قد تحول مباراة رياضية إلى اشتباكات عنيفة بين الأهالي.

ويتذكر الضابط أن الشرطة سجلت أكثر من مرة  أثناء اللقاءات التي جمعت الفريقين أعمال عنف وشغب بسبب الشعارات والصور المتبادلة من الطرفين، ولهذا السبب تحديداً، يؤكد العيساوي، تسمح وزارة الشباب والرياضة منذ سقوط النظام السابق بدخول مشجعي فريق واحد فقط للملعب، “بسبب الانفلات الأمني الذي عاشته البلاد بعد فرار الرئيس (بن علي)”. ويعتبر العيساوي أن هذا القرار حال دون حدوث كارثة أهلية بين أحباء الفريقين في حالة وجود أنصار الطرف الآخر في المدرجات.

ولا يقتصر تسجيل رفع شعارات سياسية أو عنصرية في ملاعب كرة القدم على مباراة الفريقين في مدينة قابس. فقد تفاقمت هذه الظاهرة في صفوف جماهير الفرق التونسية دون استثناء.

ويفسر الأستاذ الجامعي المختص في الفلسفة والمتابع لهذه الظاهرة البشير المؤدب في لقائه مع موقع “مراسلون” أسبابها قائلا: “تنحصر هذه الظاهرة في الفئة العمرية بين 25 و35 سنة وأغلبهم من طلبة الجامعات الذين يتطوعون لرسم اللوحات وصياغة الشعارات ويخول لهم مستواهم التعليمي الوصول إلى معلومات تاريخية يتم تأويلها لاستهداف المنافسين”.

ويشير المؤدب الى أن ما تعيشه ملاعب كرة القدم في تونس لم يتطور إلى العنف المادي ومازال مقتصرا على اللفظي، “لكن تأثيراته السلبية ستؤدي إلى الفتنة بين التونسيين رغم عدم تجاوزه إلى حد الآن أسوار الملاعب الرياضية”.

ويعلق البشير المؤدب على الصورة المرفوعة في مباراة “دربي قابس” قائلا “تمريرها في التلفزة التونسية كان خطأ فادحا ساهم في الترويج لمظاهر التعصب الكروي والعنصرية”.

وأضاف أن “الإعلام التونسي مطالب بلعب دور إيجابي لتفادي الانزلاق في خندق زعزعة الاستقرار الاجتماعي خلال هذه الفترة الحساسة التي لم تخلو بدورها من مظاهر العنف بين التنظيمات الحزبية”.

ولئن كان فريق “المستقبل” صاحب اللوحة قد خسر في مواجهة فريق “الملعب” بنتيجة واحد صفر، واستقال مدربه إثر تلك النتيجة، إلا أن الأستاذ الجامعي يعتقد أن العبارات المتعصبة التي رفعها مشجعو الفريق جعلت من خسارته أفدح بكثير.