رسمياً تحافظ حركة النهضة على “الحياد” ولا تدعم المرشح الرئاسي المنصف المرزوقي في مقابل الباجي قايد السبسي مرشح حزب نداء تونس. لكن وبلغة الحسابات الدقيقة لم يكن المرزوقي بحزبه “المؤتمر من أجل الجمهورية” ليتجاوز سقف 3 بالمائة من أصوات الناخبين في جميع أنحاء البلاد لولا دعم حركة النهضة.

فالكتلة الانتخابية “الخفية” قد تدخلت مساء يوم الاقتراع 23 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لتقفز بالرئيس المؤقت إلى موقع المراهنة على الدور الثاني، وهي الكتلة نفسها التي كانت قد صوتت لحركة النهضة في الانتخابات البرلمانية، يوم 26 تشرين أول/اكتوبر الماضي.

رسمياً تحافظ حركة النهضة على “الحياد” ولا تدعم المرشح الرئاسي المنصف المرزوقي في مقابل الباجي قايد السبسي مرشح حزب نداء تونس. لكن وبلغة الحسابات الدقيقة لم يكن المرزوقي بحزبه “المؤتمر من أجل الجمهورية” ليتجاوز سقف 3 بالمائة من أصوات الناخبين في جميع أنحاء البلاد لولا دعم حركة النهضة.

فالكتلة الانتخابية “الخفية” قد تدخلت مساء يوم الاقتراع 23 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لتقفز بالرئيس المؤقت إلى موقع المراهنة على الدور الثاني، وهي الكتلة نفسها التي كانت قد صوتت لحركة النهضة في الانتخابات البرلمانية، يوم 26 تشرين أول/اكتوبر الماضي.

وكان حزب “المؤتمر من اجل الجمهورية” قد حصل على 3 مقاعد فقط في الانتخابات البرلمانية فين حين نالت النهضة 69 مقعدا أي ثلث العدد الجملي للمقاعد بالبرلمان (217 مقعدا)، وهو ما يؤكد فرضية أن الكتلة الانتخابية  للنهضة قد دعمت المرزوقي .

وكمؤشر على دعم النهضة للمرزوقي، تشير عمليات الرصد التي قامت بها مراكز سبر الآراء في تونس ومنظمات المجتمع المدني لمراقبة للانتخابات على غرار مؤسسة “سيغما كونساي” إلى أن معظم الأصوات التي نالها المرزوقي كانت في المناطق الجنوبية وبالتحديد في الجنوب الشرقي، وهي المناطق نفسها التي حصلت فيها النهضة على نسب كبرى من الأصوات في الانتخابات التشريعية.

بيض النهضة ليس في سلة واحدة

اختارت حركت النهضة منذ البداية، تصريحا وعلانية، وخاصة بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، أن لا تخوض الانتخابات الرئاسية بمرشحين من صفوفها، وأن لا تدعم اي مرشح بشكل رسمي.

وصدر منذ ذلك الوقت أكثر من تصريح عن مجلس الشورى (يمثل أعلى سلطة داخل الحركة) يشير إلى وقوفه على الحياد، وترك الأمر بعهدة الناخبين لاختيار مرشحهم المفضّل. ولا تزال هذه التصريحات تثير شكوكاً لدى من يعتقد أنها فقط استراتيجية سياسية لدعم مرشح بعينه دون التورط في دعمه علنا أو تحمّل تكاليف هزيمته لو حدثت.

فالنهضة بحسب هذا الرأي لم تقدم مرشحا رسمياً حتى لا يقال أنه رئيس مدعوم من الإسلاميين في حال فوزه، وهو الخيار الذي يتعارض مع استراتيجية الحركة ومع رؤيتها المعلنة التي تعتبر الرئيس جامعاً ورئيساً لكل التونسيين.

وفي الموقف الثاني فان حركة النهضة بعد فوزها بالمرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية (69 مقعدا) لا تريد أن تدخل في مواجهة سياسية مكشوفة مع نداء تونس الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية (85 معقدا)، وتركت الخيار لمنتسبيها في اختيار الشخصية التي يرونها مناسبة لقيادة المسار الديمقراطي في تونس خلال الخمس سنوات المقبلة.

وإن صح هذا التحليل فإن النهضة تتخذ موقفاً ذكياً بحسب اولئك بعد أن خبرت صعوبة الحكم خلال ثلاث سنوات مضت تحالفت فيها مع أحزاب بعينها لإدارة شؤون البلاد وأقصت أحزابا أخرى. وستسعى من خلال استراتيجيتها الجديدة إلى تجنب المواجهات الحزبية وتوفير الفرصة لصيغة تشاركية تحقق هدف التوافق.

لعب دور المحايد

ما أن قرر مجلس شورى حركة النهضة عقب الانتخابات التشريعية التزام الحياد، وعدم دعم اي مرشح، ودعوة الناخبين وأنصار الحركة الى المشاركة بكثافة وفاعلية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حتى تنفس العديد من المرشحين و كبرت آمالهم في الظفر بأصوات قواعد النهضة الذين يمثلون ثقلا انتخابيا هاما (حوالي 950 ألف صوت للنهضة في الانتخابات التشريعية الأخيرة).

وتحولت الحملات الانتخابية لهؤلاء المرشحين إلى مغازلة مكشوفة ومحاولات واضحة لاستمالة أنصار النهضة، حيث لم يتركوا اي فرصة واستغلوا كل مناسبة للحديث عن ضمان التوازن ومنع التغول والمحافظة على الحريات والتخويف من سيناريو عودة النظام القديم والاستبداد.

وهناك من المرشحين من أعاد حساباته من جديد  واضطر إلى إدخال تعديلات على برنامجه الانتخابي وعلى شعاراته حيث رفع البعض شعار التعلق بالإسلام والدفاع عن الهوية العربية الاسلامية والاحتكام إلى نصوص الشريعة. ولم تخلُ العديد من الحملات الانتخابية من الثناء على أنصار النهضة. وهو سلوك أيده رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريحه الأخير لقناة الجزيرة عندما قال “لا نريد أن نفرض على قواعدنا أحد المرشحين ولم نوصي بانتخاب واحد منهم بسبب وجود الكثير من الآراء في مجلس الشورى”.

كما أن ما برز على مستوى كتلة الحركة داخل المجلس التأسيسي من خلال تقديم تزكيات الترشح لـ 8 مرشحين يؤكد هذا التوجه ويضفي الكثير من الغموض باعتبار أن أيا من هؤلاء المرشحين قد يحظى بدعم القواعد أو قسم منهم يوم التصويت.

لكن ومن خلال المتابعة الميدانية للحملات الانتخابية للمرشح المنصف المرزوقي ومن خلال الاستماع إلى مواقف أنصار النهضة أو عبر عمليات سبر الآراء فإن جزءاً كبير من قياديي النهضة وكوادرها قد حسموا أمرهم بالتعبير علنا عن مساندتهم للمنصف المرزوقي الذي يعتبرونه الأقرب إلى توجهات الحركة وموضع ثقة بالنسبة لها.

دعم المرزوقي خلسة

الدعم للمرزوقي برز في الأيام الأخيرة من خلال الحضور المكثف لأنصار الحركة في كل اجتماعاته الشعبية إضافة إلى تسخير العديد من صفحات التواصل الاجتماعي المحسوبة على النهضة للترويج له وتجنّد بعض الكوادر النهضاوية والإسلامية لمناصرته.

ويتساءل عديدون عن سر الموقف “الغامض” لمجلس شورى النهضة إزاء الانتخابات الرئاسية، حتى أن البعض فسره  بـ “خجل” النهضة من تسويق المرزوقي في العلن نظراً لسيرته الذاتية الحافلة بالمشاكل والمطبات، لكنها قررت دعمه “خلسة” مسايرة لكوادرها ونزولاً من ناحية أخرى عند رغبة المحور الاقليمي الضاغط (قطر وتركيا).

لكن هناك من يرى أن هذا الاستقطاب الثنائي الذي كرسته النهضة من خلال استراتيجية “الدعم السرّي” لن يخدم في نهاية المطاف سوى مرشح النداء. إذ من المرجّح أن يفوز السبسي في الدورة الثانية بناء على عدد الذين صوتوا له في المرة الأولى، أما المرزوقي فسيأخذ أصواته التي نالها في الدور الأول، إضافة الى أصوات ناخبين آخرين لا يفضلونه لكنهم يرونه أقل سوءاً من منافسه، ونسبتهم ليست بالحجم الذي سيقلب النتيجة.

وإذا اعتبرنا كما هو شائع في الممارسة الانتخابية الديمقراطية أن الدورة الأولى يستغلها الناخب عادةً للتحيز، والثانية للاختيار، فإن النهضة بدعمها للمرزوقي قد سهلت على قواعدها المهمة الأولى، لكن الاختيار لن يكون بذلك الحجم الانتخابي الذي سيقلب النتيجة.

ويخشى البعض أن  تكون النهضة من خلال هذه الاستراتيجية، على عكس ما تريد، قد وضعت نفسها منذ الآن خارج الحسبة التشاركية القادمة سواء في التركيبة الحكومية أو غيرها.