“نريد أن نشارك في الانتخابات ونريد أن نعرف من هو الحزب الفائز ومن هو رئيس تونس القادم”. هذا ما كان يردده الأطفال لمعلميهم في مدرسة المنار 2 الابتدائية في العاصمة تونس، ومن هنا انطلقت الفكرة.

تقول السيدة سلوى عبد السلام مديرة المدرسة: “عندما لاحظت الاهتمام الكبير للتلاميذ بالانتخابات قررت إجراء انتخابات مصغرة في المدرسة وتدريبهم على التصويت والديمقراطية”.

“نريد أن نشارك في الانتخابات ونريد أن نعرف من هو الحزب الفائز ومن هو رئيس تونس القادم”. هذا ما كان يردده الأطفال لمعلميهم في مدرسة المنار 2 الابتدائية في العاصمة تونس، ومن هنا انطلقت الفكرة.

تقول السيدة سلوى عبد السلام مديرة المدرسة: “عندما لاحظت الاهتمام الكبير للتلاميذ بالانتخابات قررت إجراء انتخابات مصغرة في المدرسة وتدريبهم على التصويت والديمقراطية”.

اختارت المديرة أن يكون موعد الانتخابات يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني، بين موعدي الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بعد القيام بالإجراءات القانونية وإعلام وزارة التربية التونسية التي مكنتها من الحصول على الترخيص والمرافقة.

على غرار الاستعدادات العادية لعملية الاقتراع تولت إدارة المدرسة الاتصال بالهيئة المستقلة للانتخابات لتأمين صندوقي اقتراع وغرفة سريّة للتصويت (خلوة) وحبر، كما تولت مديرة المدرسة بالتعاون مع التلاميذ الإعلان حسب الآجال القانونية عن فتح باب الترشح لعضوية برلمان المدرسة بالنسبة لتلاميذ الأقسام النهائية (الخامسة والسادسة ابتدائي حسب نظام التعليم في تونس) مع تمكين التلاميذ الأقل سنا من المشاركة في عملية المراقبة والملاحظة.

حملات انتخابية وتحالفات

بعد غلق باب الترشح وضبط القائمة النهائية للتلاميذ المشاركين في انتخاب برلمان المدرسة شرع التلاميذ في القيام بحملاتهم الانتخابية سواء عن طريق مطويات كتبوها بأنفسهم أو عن طريق مكبر الصوت في ساحة المدرسة أثناء فترات الراحة بين الدروس.

تقول المديرة سلوى عبد السلام “كانت الأجواء رائعة، وقد تمكن التلاميذ طيلة فترة الحملة الانتخابية من التعريف ببرامجهم لإقناع أكبر عدد ممكن من المصوتين”. ولاحظت أن الحملات الانتخابية كانت فرصة لتوطيد علاقات الصداقة بين التلاميذ وتبادل الأفكار وبلورة تصورات لكيفية إدارة البرلمان المدرسي.

لم يمكن يوم الانتخابات يوما عاديا في المدرسة. في حدود الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد تم فتح مركز الاقتراع وتكليف عدد من التلاميذ بالسهر على سير العملية في المكتب المخصص للانتخابات فيما أولى فريق آخر الاهتمام بالمراقبة وتدوين كل المخلفات في الدفتر الخاص بذلك .

وكانت أهم لحظة بالنسبة للتلاميذ هي الاقتداء بأوليائهم بغمس سبابة اليد اليسرى في الحبر البنفسجي الذي أصبح العلامة المميزة للمشاركة في الانتخابات في تونس.

إثر الانتهاء من عملية الاقتراع التي دامت قرابة ساعتين انطلقت عملية الفرز بحضور المراقبين ومديرة المدرسة التي أشرفت على العملية وكذلك بعض الأولياء الذين شاركوا أبناءهم في هذا العرس الانتخابي.

على الجداول التي دونت عليها أسماء المترشحين لبرلمان المدرسة شرع التلاميذ في احتساب عدد الأصوات لكل مترشح، “وقد حرص جلهم على متابعة الفرز بكل جدية لإثبات شفافية العملية الانتخابية ومنع أي نوع من أنواع التزوير”، تقول المديرة.

بعد انتهاء الفرز وإعلان النتيجة أعرب الشق الفائز عن فرحته بنجاح مرشحه في ما بدا الأسف على بقية المترشحين الذين لم ينصفهم الصندوق. لكن مديرة المدرسة تدخلت لتشرح لتلاميذها أن ما قاموا به “درس في مبادئ الديمقراطية” يجب أن يتعلم فيها المشاركون في الانتخابات أن هناك الفائز وهناك الخاسر وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية ويمكن لجميع الأطراف المشاركة في الانتخابات أن تتفق حول مشروع موحد، مستشهدة في ذلك بما يحصل على الساحة السياسية التونسية.

إلياس الشنيتي (9 سنوات) أحد التلاميذ المشاركين في “الانتخابات” بصفة مراقب قال لـ”مراسلون”: “سعدت بالمشاركة في هذه التجربة ودونت على دفتر المراقبة كل الإخلالات التي لاحظتها على غرار مرافقة  والدة أحد التلاميذ لابنها في خلوة  التصويت ومواصلة بعض المترشحين لحملتهم الانتخابية أثناء عملية التصويت”.

ولكن رغم بعض التجاوزات فقد اعتبر إلياس أنها تجربة جدية أسعدت كل تلاميذ المدرسة ومكنتهم من التدرب على الانتخاب، “وسنعمل أنا وأصدقائي على أن يستمر برلمان المدرسة رغم أني لست راضيا على النتيجة وكنت أدعم مرشحا لم يفز”.

خطوات لبناء شخصية الطفل

يقول الدكتور مصدق جبنون المختص في علم نفس الطفل لـ”مراسلون” أن مثل هذه التجارب مهمة جدا في تكوين شخصية الطفل وتدريبه على أسس الديمقراطية، مشيرا إلى أن التدرب على قبول الرأي المخالف منذ الصغر يجعل الطفل أكثر قدرة على التعامل مع كل أفراد المجتمع ويحدّ بشكل كبير من انفعالاته السلبية وعدوانيته، كما تكسب مثل هذه التجارب الأطفال نضجا مبكرا.

الدكتور جبنون أكد كذلك على أهمية إشراك الأطفال في العملية السياسية في إطار تكوين أجيال متدربة على الديمقراطية مشيرا إلى أن “الديمقراطيات العريقة تعتمد على مثل هذه المبادرات سواء عبر برامجها التعليمية أو عبر الممارسة الميدانية للعمل السياسي ولو في إطار مصغر”.