زينب حسين أحمد مهدي، ابنة حي روض الفرج الشعبي التي درست اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر وتنقلت بين أكثر من تيار سياسي ومدني، أنهت حياتها القصيرة انتحاراً في صالة منزل أسرتها، يوم 13 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، معلقة بحبل من رقبتها في مروحة السقف.

زينب حسين أحمد مهدي، ابنة حي روض الفرج الشعبي التي درست اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر وتنقلت بين أكثر من تيار سياسي ومدني، أنهت حياتها القصيرة انتحاراً في صالة منزل أسرتها، يوم 13 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، معلقة بحبل من رقبتها في مروحة السقف.

عقب اندلاع ثورة يناير التي أطاحت بالديكتاتور مبارك، ظلت زينب مثل الكثيرات من فتيات جيلها قابضة على تلك الجمرة/الثورة التي لم تأت رياحها بما اشتهت، ولذا انشقت عن صفوف جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت بداخلها، وانضمت لحزب “مصر القوية” الذي أسسه لاحقا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح – القيادي السابق بالإخوان والذي أنشق عن الجماعة عقب الثورة- وكانت من المعارضين للرئيس المعزول مرسي  بعد خسارة حزبها في انتخابات الرئاسة. شاركت أيضا بعد ذلك في اعتصام رابعة من باب النوايا الطيبة لحقن الدماء بالحشد وتجنبا لوصفها بالخيانة لخلع الحجاب.

***

زينب التي وزعت في إحدى التظاهرات ورقة صغيرة تتضمن من بين أهدافها كناشطة في مؤسسات المجتمع المدني؛ النهوض بالمرأة على المستوى السياسي والاجتماعي، لم تعد ترتدي غطاء للرأس، الأمر بمثابة اختيار شخصي لشابة في مقتبل العمر، ربما وقعت في مصيدة الوحدة واللاجدوى من العمل العام وتبحث كروح قلقة لنفسها عن خلاص متطرف تبلور بشكل آخر في انتحارها.

***

علق العديدون من مستخدمي مواقع السوشيال ميديا على خبر انتحار زينب المؤسف، وربط البعض هذه النهاية الدرامية بالبوست الأخير لها على الفيس بوك وبخلعها للحجاب، بالإضافة إلى أثر الضغوط النفسية لتلك الفترة التي عارضت فيها الرئيس السيسي بعد حراك الثلاثين من حزيران/يونيو، حيث عملت زينب مع فئة قليلة من أصدقائها على التخفيف من مآسي المعتقلين/ات لأسباب سياسية سواء بمتابعة قضاياهم أو بلفت نظر الرأي العام إلى تلك الأثمان الباهظة التي يدفعونها من أعمارهم وراء القضبان، لكونهم مجرد حالمين سلميين بغد أفضل.

كتبت ذات الابتسامة اللافتة للنظر قبل غلق حسابها في الفيسبوك: “تعبت واستهلكت ولا فائدة. كلهم أولاد كلب، ونحن نحرث في البحر، حيث لا يوجد قانون ينصف ويحق الحق. فنحن نؤدي ما علينا، وكل ما نفعله أن نحاول أن نؤدي ما علينا بكلمة حق، لكي لا نبصق على وجوهنا حين نطالعها في المرآة. لا يوجد عدل. أنا متأكدة من ذلك، وليس هناك نصر نتوقعه في الأفق. لكننا نضحك على أنفسنا لكي نستمر في الحياة”، وانتشر هذا البوست الأخير لزينب كعلة للانتحار.

***

لم تنس زينبنا المنتحرة ذات العشرين ربيعا، ما عاشته بين صفوف الجماعة وصرحت لإحدى الصحف عن المرأة داخل الجماعة: “يتم التعامل مع المرأة على أنها “كائن مهمش، وهي نفس النظرة القاصرة التي ترى بها في مجتمعاتنا كمواطن من الدرجة الثانية، لكون الشورى مقتصرة على رجال الجماعة فهم الذين يخططون لها، وليس من حقها سوى تحفيظ القرآن وتعليم الفتيات”.

***

ظهرت مهدي في شريطي فيديو مصورين، كانت في الفيديو الأول المنشور على موقع YouTube  جالسة بزيها الإسلامي تشرح، بعد حصولها على دورة تدريبية كمراقب تحت شعار “احمي صوتك”، ما تراه ممكنا لاختيار رئيس بشكل ديموقراطي، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حزيران/يونيو 2012، وقبل وصول مرسي وجماعته لكرسي حكم مصر، كانت ذات الصوت الخفيض تنصح الذاهبين للاقتراع بأن من حقهم الوجود بداخل حرم لجان الاقتراع حتى الساعة الثانية عشرة ليلا والإدلاء بأصواتهم لمرشحيهم بشرط الوصول قبل الساعة السابعة مساء حسب القانون المنظم لمسار العملية الانتخابية.

بينما في الشريط المصور الثاني، ظهرت زينب في صحن مسجد السلطان حسن، تشرح مفهوم الدولة الدينية، وكيف أن هذا الحكم الثيوقراطي نشأ وترعرع في العصور الوسطى في أوروبا، عندما كانت الكنيسة هى المتحكمة فى أمور الدولة، كان ذلك بعد سيطرة مكتب الإرشاد على مقاليد الحكم وممارساته القامعة لنشطاء الثورة كأية سلطة معادية لهم،

وأخيرا، على موقع sound cloud شريط صوتي لزينب وهي تتحدث عن الختان، وتروي كيف دمرت تلك الجريمة العائلية المعتادة من الأبوين علاقتها بجسدها في سن مبكرة، والتعليق المكتوب من الراحلة ليصاحب شريط الصوت، هو بمثابة اعتذار عن الأخطاء اللغوية و”الزنة” على حد تعبيرها أثناء قراءتها للنص.

وفي صفحة الموسيقى والأغاني والكتب الصوتية المفضلة بالنسبة لها، فهي “الحب كله” للسيدة أم كلثوم وتحديدا مقطع “طريق حياتي مشيته قبلك في ليل طويل”، و”العيون السود” لوردة وبليغ وأغان أخرى عديدة لنجم الراي رشيد طه وشيخ المداحين ياسين التهامي وآخرين، ومن كتبها الصوتية المفضلة “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة التركية أليف شافاق عن الصوفي الكبير جلال الرومي.

الشذرات التي تركتها زينب تدفع تأمل تلك الشخصية الشابة النسوية الشجاعة والمتسقة مع اختياراتها، بمايتجاوز مأساة فقدها ودوافعها للانتحار شنقا، والطعن في كونها من أهل الجنة أم النار كما انساق جزء كبير من الحديث الإعلامي عنها بعد رحيلها.