مرتدين ثيابا تقليدية، حاضنين بأناملهم الصغيرة ورودا وشموعا طويلة، ومرددين أهازيج شعبية من تراث المنطقة، أعلن أطفال مدينة هون (300 كم شمال سبها) عن انطلاق فعاليات مهرجان الخريف في منتصف تشرين الثاني نوفمبر الماضي..

ووسط ماتشهده ليبيا من اقتتال عطل الحياة والنشاطات الثقافية في مدن رئيسة، يأتي هذا المهرجان ليخلق أجواء ترفيهية بمشاركة فرق شعبية، ليذكّر الليبيين بأيام السلم والهدوء على حد تعبير القائمين عليه.

مرتدين ثيابا تقليدية، حاضنين بأناملهم الصغيرة ورودا وشموعا طويلة، ومرددين أهازيج شعبية من تراث المنطقة، أعلن أطفال مدينة هون (300 كم شمال سبها) عن انطلاق فعاليات مهرجان الخريف في منتصف تشرين الثاني نوفمبر الماضي..

ووسط ماتشهده ليبيا من اقتتال عطل الحياة والنشاطات الثقافية في مدن رئيسة، يأتي هذا المهرجان ليخلق أجواء ترفيهية بمشاركة فرق شعبية، ليذكّر الليبيين بأيام السلم والهدوء على حد تعبير القائمين عليه.

يقول أحمد اعبيد رئيس اللجنة الإعلامية للمهرجان في حديثه لـ”مراسلون” إن هدف المهرجان الأول هو نشر الفرح في قلوب المشاركين وخاصة الأطفال، لافتا إلى مشاركة أكثر من أربعين جمعية تراثية في فعالياته، إضافة إلى سبع وعشرين فرقة شعبية جاءت لتشارك من جميع أنحاء ليبيا. “لقد كانت وجوه الأطفال وابتساماتهم تعلن باكرا عن نجاح المهرجان” يعلّق اعبيد.

العاديات حاضرة

على جانبي سرب الأطفال، يستعرض الفرسان الشعبيون جيادهم التي تنافسوا على توشيحها وتزيينها.

ويقول الخيال إمحمد بلقاسم لـ”مراسلون” إن أهل الصحراء مرتبطون بشكل كبير بالخيل، “وهذا الارتباط يظهر جليا في اهتمامهم بها وبتزيينها وحفظ أنسابها، ولن يكون للمهرجان رونقه إلا بصهيل الخيول”.

ليس الاستعراض فقط هو ما يقدمه الفرسان في المهرجان، بل والأهم من الاستعراض هو المنافسة في سباق السرعة، وذلك باصطفاف خمسة إلى ستة فرسان أمام باب المدينة القديمة، وعند إعطاء إشارة البدء تنطلق الخيول لتدور دورة كاملة حول سور المدينة، ويستمر السباق على شكل مجموعات.

عضو اللجنة المنظمة لسباق الخيل يوسف قدقود أفاد أن المشاركين في السباق جاؤوا من مدن سبها وسرت والمرج وسوكنة وزلة وودان، موضحاً أن الإقبال الذي شهده السباق جعل القائمين عليه يفكرون في إفراد مهرجان خاص لسباق الخيل في العام المقبل.

معارض وتاريخ

داخل أسوار المدينة القديمة التي تتحلق الخيل حولها في سباقاتها، وفي ذات الوقت يتجول عدد من الحاضرين بين صنوف مختلفة للتمور في معرض يعتبر سمة بارزة في مهرجان الخريف، يتوسط المعرض مجسم لأكثر من ثلاثمائة نخلة، تتوزع حوله أقسام المعرض.

يقول أحد باعة التمور عبدالله حميد الكيلاني لـ”مراسلون” إن منطقة هون تشتهر بأجود أنواع التمور نظرا لشدة الحرارة في فصل الصيف، وهي من المدن المنتجة لكميات كبيرة بأنواع مختلفة من التمور، لذا فإنه “بدون معرض للتمور لن يكون هناك مهرجان اسمه الخريف”.

المقتنيات الشعبية

الجانب الشمالي من المدينة ازدان خلال المهرجان بمعرض للمقتنيات والأزياء الشعبية، حيث كانت أدوات الطهي والحراثة وغيرها من الأدوات التي كان يستخدمها أهل المدينة منذ زمن بعيد من أهم المعروضات.

توضح زهرة أحمد المسؤولة عن معرض المقتنيات الأثرية أن أزياء “هون” بشكل عام تتميز “ببساطة ارتدائها وسهولة تفاصيلها”، وتضيف أن “جمعيات من مناطق شمالية مختلفة كجمعية طرابلس التراثية عرضت جانبا من لباس نساء أهل الشمال التراثي في مناسباتهن المختلفة”.

مساجلات شعرية

ومع انتهاء جولتنا بين المعارض كان الليل قد نشر رداءه على ربوع المدينة الهادئة، حيث لم يكن هناك صوت داخل أروقة المهرجان إلا صوت القوافي الشعبية، فاصطف الشعراء وسط الساحة الرئيسة بالمدينة القديمة، ومع تحلق الناس حولهم بدأت مساجلاتهم الشعرية.

أكثر من خمسة وثمانين شاعراً شاركوا في المهرجان بحسب إمحمد الصقر عضو لجنة التحكيم بمسابقة الشعراء، والذي أوضح أن أغلب الشعراء المشاركين جاؤوا من مدن الشرق (المرج وقمينس وسلوق الأبيار)، تليها مدن الجنوب (سبها ومرزق ووادي الشاطئ)، ومن ثم مدن الجبل الغربي (تيجي وبدر ونالوت والزنتان). وأكد أن المسابقة جرت في أجواء ممتعة وفكاهية على وقع سجالات الشعراء ومشاكستهم لبعضهم البعض بالشعر.

وفي حوار جانبي يقول الشاعر الشعبي من الأبيار عمر قنانة لـ”مراسلون” إن الصحراء تعتبر البيئة المثالية للشعراء، حيث أن “صفاءها ونقاءها وامتداداتها تفسح المجال لخيال الشاعر، بساطتها ودقة تفاصيلها توسع مداركه”.

رالي هون

تبيت هون على أبيات الشعر لتصحو على ضجيج محركات السيارات الصحرواية التي حضرت بأصحابها لتشارك في “رالي هون”. ومع أن هذه الفقرة دخيلة على المهرجان إلا أنها من أكثر فقراته تشويقا ومتابعة.

وبمشاركة أكثر من ثلاث وخمسين سيارة، بدأ السباق على عروق الرمال الشمالية لينتهي شرقي المدينة. وفي ذات الوقت وعلى جانبي مضمار “الرالي” يقوم بعض الشباب بالتزلج على عروق الرمال العظيمة التي تحيط بمدينتهم من شمالها وشرقها.

يقول منسق اللجنة المنظمة لرالي سيارات مهرجان الخريف حسين علي الصالح في حديثه مع “مراسلون” إن فكرة الرالي لاتزال جديدة على المهرجان، ويعمل القائمون عليه على تطويرها وتحسينها حتى يصبح “رالي” دولياً، “قد يكون صعبا ولكنه ممكن وغير مستحيل” يقول حسين.

المهرجان مستمرّ

مهرجان الخريف بهون هو واحد من ضمن نشاطات ثقافية دورية قليلة لازالت صامدة في ليبيا، فمعظم النشاطات توقف بسبب الظروف الأمنية، وربما كان الوضع المستقر في تلك المنطقة هو السبب في استمرار المهرجان.

الدورة الأولى لهذا المهرجان أقيمت عام 1996م، وكان مهرجاناً محلياً لـ”هون” وما يجاورها من بلدات ودان وزلة وسوكنة، ولكنه وبعد سنوات صار يستقطب مشاركات من بقية مدن الجنوب، ليصبح في عام 2006 مهرجاناً وطنياً تشارك به مدن من الشرق والغرب الليبي.

يؤكد عضو اللجنة الإعلامية للمهرجان أحمد اعبيد لـ”مراسلون” أن المهرجان هذا العام لم يتلق دعماً من أية مؤسسة حكومية، بل قام بشكل كامل من تبرعات الأهالي ورجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية، ويعلل “اعبيد” ذلك بأن إدارة المهرجان تريد أن “تبتعد به عن التجاذبات السياسية التي تعصف بالبلاد، وأنها تطمح أن يكون فرصة للقاء بين كل الليبيين وهذا ماحدث” كما يقول اعبيد.

ويرى عبيد أن المهرجان كان “معركة” لنشر الفرح وزرع الأمل وسط كل العواصف التي تحيق بالبلاد. ولكن هل تنتهي مآساة ليبيا بمهرجان أم أنها استراحة محارب؟ لا يملك عبيد أو غيره من المنظمين سوى عبارات الأمل والرجاء إجابة عن هذا السؤال.