يقضي الصحفي السجين عمارة الخطابي – 68 عاماً – أياماً صعبة في سجنه بطرابلس، وهو المريض بسرطان البروستاتا ويتلقى جرعات علاج كيماوي، توقفت بسبب الحكم عليه بالسجن، فضلاً عن أمراض أخرى مثل ارتفاع الضغط والسكر.

آخر جملة كتبها الخطابي في صفحته على موقع فيسبوك كانت “أفيدكم بأنني تعرضت إلى مؤامرة من محكمة استئناف طرابلس”.

حكم غيابي

يقضي الصحفي السجين عمارة الخطابي – 68 عاماً – أياماً صعبة في سجنه بطرابلس، وهو المريض بسرطان البروستاتا ويتلقى جرعات علاج كيماوي، توقفت بسبب الحكم عليه بالسجن، فضلاً عن أمراض أخرى مثل ارتفاع الضغط والسكر.

آخر جملة كتبها الخطابي في صفحته على موقع فيسبوك كانت “أفيدكم بأنني تعرضت إلى مؤامرة من محكمة استئناف طرابلس”.

حكم غيابي

تفاجأ الخطابي (63 عاماً) وزوجته م.غ ظهر الخميس 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بحضور مبلغ المحكمة إلى منزلهما لتسليمه حكم المحكمة الغيابي عليه بالسجن لمدة خمس سنوات مع النفاذ، وحرمانه من حقوقه المدنية طيلة فترة العقوبة، وحرمانه من مزاولة مهنة الصحافة لمدة سنة بعدها، فضلاً عن تغريمه بمبلغ 250 ألف دينار كتعويض للمدعين عليه.

الحكم على الخطابي جاء على خلفية مقال نشره في جريدة “الأمة” التي يرأس تحريرها، طالب فيه بـ”تطهير القضاء وإصلاح المنظومة القضائية واستبعاد المفسدين والأزلام” على حد وصفه.

وجهت إليه النيابة العامة حينها تهمة “إهانة الذات القضائية” المنصوص عليها بالمادة 195 من قانون العقوبات الليبي، والتي تصل عقوبتها إلى السجن لخمسة عشر سنة، وثارت لذلك ردود فعل كبيرة من قبل الإعلام المحلي والدولي والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية.

قضية الخطابي قائمة منذ حوالي عامين، وكان الخطابي قد سجن على ذمة التحقيق لفترة انتهت بالإفراج عنه بكفالة قدرها 300 دولار أمريكي، ولكنه مُنع من السفر وقامت السلطات المختصة بحجز جواز سفره، وذلك نتيجة لحراك مدني وحقوقي واسع داخل ليبيا، واهتمام وسائل إعلامية عديدة بينها “مراسلون” بالقضية وتغطية تفاصيلها.

“حكم جائر”

الاعتراض اليوم على الحكم يأتي لسببين أولهما إنساني يتعلق بالحالة الصحية السيئة للصحفي المسن، وثانيهما بالقانون الذي حوكم به الخطابي والذي كان محل جدل واعتراض كونه قانون سنه نظام القذافي خلال فترة تثبيت حكمه ليعاقب به كل من يعارضه أو يمس أركان النظام.

هذا طبعاً عدا عن تفاصيل مهمة تحدثت عنها زوجة الخطابي لـ “مراسلون” توضح معنى أن زوجها “تعرض لمؤامرة”.

وتقول السيدة إن “المحكمة عقدت الجلسة بتاريخ في منتصف آب/أغسطس الماضي بينما العمل متوقف تقريباً بمجمع المحاكم نظراً للظروف اﻷمنية في البلاد، ورغم وجود محامي زوجي رمضان سالم بالمجمع مصادفة في ذلك اليوم، لم يتم إخطاره بعقد الجلسة، ولم يبلغ بالحكم حتى يوم الإثنين 17 تشرين الثاني/نوفمبر”.

وتضيف الزوجة: “هذه الجلسة غير شرعية” فضلاً عن أن الحكم “أقرن بصيغة تهديد لم يتم ذكرها في منطوق الحكم غير الشرعي” بحسب تعبيرها، حيث تم تحديد مدة لتنفيذ الحكم لا تتعدى الثلاثة أيام من يوم استلام الحكم وإلا سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.

صحته سيئة

لا تفهم م. غ. سبب اتخاذ مثل هذا الإجراء المتشدد تجاه زوجها المريض، فوضع الخطابي الصحي سيء جداً بحسب تأكيداتها، وهو يعاني إلى جانب مرض الضغط والسكري من سرطان بروستاتا، يخضع بسببه لأخذ جرعة علاج كيماوي كل ثلاثة أشهر.

“آخر جرعة تلقاها كانت يوم 23 أيلول/سبتمبر، وموعد الجرعة القادمة سيكون في 23 الشهر الجاري، ويخضع قبل هذا التاريخ إلى إجراء فحوصات وتحاليل للدم والهرمونات في الجسم، وهو ما يستدعي توفير عناية خاصة قبل موعد الجرعة المقررة، ناهيك عن أدوية أخرى يتناولها بشكل عام كعلاج لهذا المرض” تقول الزوجة.

رغم رفض العائلة للحكم واعتباره “مؤامرة” من وجهة نظرها إلا أن الخطابي امتثل لحكم المحكمة “فنحن نحترم القانون ونؤمن بأن الوطن فوق كل اعتبار” بحسب زوجته التي كشفت عن عزم  المحامي رمضان سالم على تقديم استشكال بإعادة المحاكمة لأنها “غير قانونية”.

حق المحاكمة العادلة

وفقاً لأحكام المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت ليبيا عليه كإحدى الدول الأطراف فيه، فإنه يترتب على الدولة التزام يقضي باحترام وصون الحقوق المتعلقة بالمحاكمات العادلة، وهو ما تطالب به عائلة الخطابي.

يشدد ناصر الهواري رئيس مجلس إدارة منظمة “ضحايا” لحقوق الإنسان في حديثه لـ”مراسلون”، على ضرورة أن “تسحب الدولة هذه التهمة، وأن تلغي القوانين التي تجرم التشهير وتسمح للمحاكم بمنع أشخاص من ممارسة الصحافة، وعلى رأسها المادة 195 من قانون العقوبات الموروث من عهد القذافي ضمن قوانين أخرى، والتي تنص على أنه يعاقب بالسجن كل من صدر عنه ما يشكل مساساً بثورة الفاتح العظيم”.

وكان المؤتمر الوطني العام  تبنى في 5 شباط/فبراير الماضي القانون رقم 5/2014، الذي جاء تعديلاً للمادة 195 المذكورة سلفاً، وينص القانون على أنه “مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها في قانون، يعاقب بالسجن كل من صدر عنه ما يشكل مساساً بثورة السابع عشر من فبراير. ويعاقب بذات العقوبة كل من أهان علانية إحدى السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو أحد أعضائها أثناء تأديته للوظيفة أو بسببها أو أهان شعار الدولة أو علمها”.

عذا التعديل اعتبره حقوقيون – ومن بينهم الهواري – وسيلة لقمع حرية الرأي والتعبير، بدل توفير الحماية والضمانات لأصحاب الأقلام الحرة وفق نص الإعلان الدستوري المؤقت الذى ضمن حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة والإعلام والنشر والتوزيع، طالما لم “تخالف النظام العام”.

المحامي عبد الحميد ابراهيم من تكتل القانونيين الليبيين قال لـ”مراسلون” إن المادة 195 من قانون العقوبات وتعديلها الشكلي الأخير، وكذلك قانون التظاهر الصادر عن المؤتمر الوطني العام كلها تعبر عن “واقعنا وعقليتنا المتسلطة التي يجب أن تتغير، والأمل يحدونا في نصوص الحريات بالدستور القادم، والتي يجب أن تكون متوافقة مع العهود الدولية”.

حكم صادم

حكم محكمة الاستئناف بطرابلس بحق رئيس تحرير صحيفة الأمة كان “صادماً” بالنسبة للمركز الليبي لحرية الصحافة، ويعد “ضربة موجعة لحرية الصحافة ومؤشراً مقلقاً جداً لتسلط القضاء في التضييق على الحريات الإعلامية” بحسب بيان صادر عن المركز بالخصوص.

وتعهد المركز “بالعمل لتقديم كافة أساليب الدعم والمناصرة القانونية للصحفي الخطابي لإسقاط الأحكام الجائرة بحقه”، مطالباً “بضرورة الطعن في الحكم وتدويل القضية أمام المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية”.

وفي حديث مع “مراسلون” قال نزار ابراهيم مدير المركز إن “العنف المتصاعد ضد الصحفيين مرتبط بشكل كبير مع الأزمة السياسية والعسكرية، ناهيك عن تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب، ما يشجع مرتكبي الاعتداءات والانتهاكات في الاستمرار في ارتكاب جرائمهم في ظل صمت الأجهزة الأمنية والقضائية وعدم قدرتها على حماية الصحفيين والتحقيق في الجرائم التي يتعرضون لها”.

وبين ابراهيم أن المركز وثق ثلاث عشرة حالة قتل ضد الصحفيين، سبعة منهم جرت خلال العام الجاري، فضلاً عن تسجيل تسعة وسبعين انتهاكا آخر من أعمال شروع في القتل أو اختطاف وتعذيب أو اختفاء قسري، فضلاً عن واحد وثلاثين انتهاكا طال مؤسسات إعلامية.

ابراهيم طالب أيضاً مكتب النائب العام “بضرورة فتح تحقيق قضائي جاد في كل حالات الانتهاكات التي راح ضحيتها صحفيون، والعمل لوضع آلية صارمة لتتبع الجناة وتقديمهم للعدالة”، محملاً المسؤولية الكاملة للسلطات التشريعية “التي تخاذلت في إصدار القوانين الضامنة لحرية الصحافة وحماية الصحفيين من عقوبات السجن التي تطالهم في ظل انعدام الإطار التشريعي لحرية الصحافة والتعبير بالبلاد”.