“اليساريون لا يليق بهم الانخراط في ذلك الفلكلور الشعبي كزيارة أضرحة أولياء الصالحين أو التوسّل للناس لإقناعهم بأنهم مسلمين ومتدينين مثلهم” بهذه الكلمات يهاجم مختار الاحولي مظاهر التديّن التي حاولت بعض قيادات ورموز لجبهة الشعبية إظهارها بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة.
مختار الاحولي واحد من آلاف اليساريين في تونس، وهو أيضا واحد من القلائل الذي يضعون أمام السلوك المتدين لليسار في هذه لفترة عشرات نقاط الاستفهام.
“اليساريون لا يليق بهم الانخراط في ذلك الفلكلور الشعبي كزيارة أضرحة أولياء الصالحين أو التوسّل للناس لإقناعهم بأنهم مسلمين ومتدينين مثلهم” بهذه الكلمات يهاجم مختار الاحولي مظاهر التديّن التي حاولت بعض قيادات ورموز لجبهة الشعبية إظهارها بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة.
مختار الاحولي واحد من آلاف اليساريين في تونس، وهو أيضا واحد من القلائل الذي يضعون أمام السلوك المتدين لليسار في هذه لفترة عشرات نقاط الاستفهام.
“الأفكار اليسارية تعلّم الناس، ترتقي بوعيهم وإدراكهم وهي ليست مطالبة بان تنسجم مع بيئتها على مستوى المظاهر”، يضيف تعليقاً على الشيوعيين الذين يحاولون التصالح مع بيئتهم ومورثوهم الحضاري.
خيانة التاريخ
يصف مختار الاحولي نفسه بالشيوعي المتطرّف، المنحاز لأفكاره منذ الثمانينات، ينتقد بشكل لاذع القيادات التاريخية للفكر الاشتراكي أو اليساري التي وصل بعضها الى البرلمان اليوم في تونس. يقول “أثبتت الثورة أنها قيادات وهمية ومنفوخ فيها من قبل نظامي بورقيبة وبن علي اللذان عملا على استراتيجية واضحة: ارفع من قيمة خصمك حتى يضاهيك ليكون لحربك معه أهمية”.
يرى الشيوعي العتيق أن تلك القيادات تخلت عن أسس وجودها في الشارع في أوّل معركة وأوّل منعرج في إشارة إلى “حزب العمال” وزعيمه حمة الهمامي المرشّح للرئاسة والذي تخلّى في مرحلة أولى عن صفة “الشيوعي” في تسمية حزب العمال خوفا من رميه بالإلحاد ثم تخلّى قبل الانتخابات الماضية في تشرين أول/اكتوبر الماضي عن المطرقة والمنجل رمزا الشيوعية وانتهى به الأمر الى زيارة أحد أضرحة الأولياء الصالحين بمناسبة الانتخابات الرئاسية.
عندما يتحدّث مختار الأحولي عن الشيوعية في تونس يرى أن مستقبلها غير واضح رغم أن “الأحداث الحالية تصب لمصلحتها ولمصلحة اليسار بصفة عامة، حيث تسير البلاد مرغمة نحو الحل الشيوعي كبديل لا مفر منه”.
الاحولي كا يرى نفسه واحد من اليساريين الأوفياء لفكرهم، الذي يؤمنون “بثورة الكادحين والمهمشين”، لكنه اليوم يخشى أن “يخون اليسار التونسي التاريخ والقيم والمبادئ ويتحالف مع الأحزاب الليبرالية التي تخدم مصالح البرجوازية كحزب نداء تونس فينسى سبب وجوده التاريخي”.
“الشيوعية ديني”
يقول الأحولي إن بذرة الشيوعية بدأت فيه زمن انتفاضة الخبز سنة 1984. آنذاك اندلعت انتفاضة شعبية في البلاد عندما قررت الحكومة رفع أسعار الخبز والمواد الغذائية. يتذكر تلك السنوات و يقول “كغيري من أبناء جيلي، كنا متأثرين بأفكار السبعينات، وخاصّة تلك الأفكار السياسية الجريئة والمتمرّدة التي كان العالم يضج بها. كنا نلتهم الكتب التهاما وكانت الجامعة حلبة للصراع الفكري والإيديولوجي”.
ويضيف “لقد اشتدت حينها الأزمة وتحوّلت من سياسية الى أزمة فكر في أذهان النخبة وكثرت النقاشات حول البدائل الضرورية لجعل المجتمع التونسي يرتقي وكانت العقيدة الفكرية المناسبة لذلك الشيوعية، ولا شيء غيرها، ومن أجل المجتمع اخترت نهائيا أن يكون ديني وعقيدتي الشيوعية”.
ابن الجنوب التونسي المولود في 1963 بقرية الزارات بمحافظة قابس، انحاز للأفكار التروتسكية “حيث تصبح الشيوعية أكثر ليونة وتنتفي فيها سيطرة الحزب الستاليني الواحد” حسب تعبيره.
في نهاية سنة 1988 حصلن انعطافة في حياة الأحولي، وكغيره من آلاف الشباب العربي اختار التوجّه الى بغداد العاصمة العراقية ليستكمل دراسته في المسرح لكن وجد نفسه يدرّس في معهد المعلمين المركزي ببغداد.
يقول عن بغداد “إنها تلك المدينة التي تسكن روحها. طبيعة الشخصية العراقية وعمقها الإنساني جعل من بغداد وطنا مؤقتا أحمّله في حقيبة سفري وأعود به إلى تونس”.
التعايش مع الهزيمة
عاد مختار الى بلده سنة 1993 رجلاً مهزوماً من الداخل . بغداد خذلته “لأنها لم تصمد بشكل لائق”، اختفى في زحام الحياة اليومية، التحق بالوظيفة العمومية وتزوّج. عاد “كمناضل محبط” كما وصف نفسه، مضطر للتعايش مع الدكتاتورية. حتى العمل النقابي لم يمنحه فرصة الصراخ اللازم، “لكن البركان الصامت انفجر في وجه النظام زمن الثورة” يقول.
شارك الأحوالي في الثورة مثل تونسيين كثر، يعترضه الناس لكن لا يهتمون له، “ومن يهتم للأنبياء؟” يقول عن نفسه بغرور.
سألته “كل نبي غيّر من قومه فماذا فعلت أنت لقومك وماذا غيّرت؟ لاشيء..أنت فقط كنت تشبه التونسيين انتظرت الثورة لتجاهر بأفكارك”.
يتفادى الاجابة المباشرة: “غالبا يفشل الانبياء في اقناع القوم بأفكارهم لكن عندما يرحلون يتركون رسالتهم”. ويضيف “كما يحرس الأنبياء كتبهم المقدسة، أحرس أفكاري، وأرفض أن تغادرني أو أغادرها”.
ككثير من الشيوعيين القدماء، يجد نفسه اليوم في مواجهة الخطاب الديني: “فعل التديّن أوجده الخوف، والفكر الانساني العظيم ابتدع الدين ليتخّلص من مخاوفه وهواجسه”.
الشيوعي الذي يقول عن نفسه إنه ليس يساريا بالشكل النمطي يرى أن الحالة الوحيدة التي تجعله يسجد للإله هي “حالة احتراق كل الأحلام والآمال”، وباستثناء ذلك يظل “شيوعيا صامدا كآخر ديناصور على وجه الأرض” ويضيف “حتى ولو سجد كل يساريي العالم سأبقى واقفا”.
عندما تسأله الى متى سيصمد النبي الشيوعي الذي بعث في روحه كما قال، يجيب بخبث “بعض الانبياء قتلوا..من لم يُقتل منهم حمل وزر قومه معه الى الجحيم، أما الأنبياء المقتولين فذهبوا إلى الجنة”.