إذا كنت من عشاق الخصوصية وتود التمتع بسحر الطبيعة فعليك بعمل رحلة سياحية إلى جزيرة “فروة”، قد تبدو الجملة السابقة وكأنها عبارة دعائية على ملصق سياحي، وغالباً سيعتقد من يقرؤها أن فيها من المبالغة ما فيها، إلا أن من تطأ قدماه المكان سيدرك أن الوصف لا يفيه حقه، فذلك النتوء في البحر الفيروزي الذي تمتاز به المنطقة هو مكان خُلق للاستمتاع والتأمل.

إذا كنت من عشاق الخصوصية وتود التمتع بسحر الطبيعة فعليك بعمل رحلة سياحية إلى جزيرة “فروة”، قد تبدو الجملة السابقة وكأنها عبارة دعائية على ملصق سياحي، وغالباً سيعتقد من يقرؤها أن فيها من المبالغة ما فيها، إلا أن من تطأ قدماه المكان سيدرك أن الوصف لا يفيه حقه، فذلك النتوء في البحر الفيروزي الذي تمتاز به المنطقة هو مكان خُلق للاستمتاع والتأمل.

تقع جزيرة فروة في الجزء الغربي من الساحل الليبي قرب الحدود الليبية التونسية قبالة منطقة أبي كماش، وتبعد عن طرابلس نحو 150 كم، وعن مركز مدينة زوارة 36 كم إلا أنها تقع ضمن حدودها الإدارية.

تحدد نادية أبوالشواشي دكتورة الجغرافيا والباحثة بالمنطقة موقع الجزيرة بأنها “تمتد اتجاه جنوب شرق – شمال غرب، حيث تبدأ من الشرق بمنطقة مجرى فروة حتى تنتهي عند رأس تالقا في الشمال الغربي، ويبلغ طول الجزيرة نحو 11.5 كم وعرضها في أقصى حد يبلغ نحو كيلومتر واحد بينما تضيق في بعض أجزائها إلى نحو200 متر”.

قصة عشق لاتنتهي

يقول حافظ فطيس وهو أحد اللذين فتحوا أعينهم على الدنيا في ذلك المكان بأنه تربطه بالجزيرة “قصة عشق لا تنتهي”، هذا العشق دفعه لتبني مسألة حماية المنطقة والمطالبة بالاهتمام بها وإشهارها، ولهذا الغرض أسس مع مجموعة من النشطاء جمعية “بيسيدا” لحماية المنطقة.

كان الفقيه صالح فطيس – جد حافظ – من أوائل الشيوخ الذين “كانوا يعلمون الأولاد القرآن على الجزيرة، وكان إماماً ومؤذناً في حينها ويعالج بعض المشاكل بالقرآن، ويتقاضى أجره من جملة إنتاج الصيادين، وكانت تُمنح له حصته كصياد مقابل مهنته التي تخصه لوحده”.

فروة في التاريخ

يقول وائل فطيس الباحث التاريخي إن “الشريف الإدريسي تحدث في كتبه عن موقع يسميه “راس المخبز”، ويقصد به فروة ويقابله قصر صالح، كما وردت هذه التسمية عند الرحالة العياشي في كتاب عنوانه “رحلة العياشي – القرن السابع عشر”، وفي كتب الرحالة الألماني هاينريش فون مالتسان”.

وقد كانت هذه الجزيرة نقطة صالحة لرسو السفن التي تشحن الملح من ملاحات المنطقة كما ذكر الرحالة التيجاني في كتابه “رحلة التيجاني 1307” بحسب فطيس، وقد شهدت طلائع الغزو الإيطالي سنة 1911 وكانت من أماكن الإنزال التي أنزلوا فيها قواتهم.

سكان الجزيرة هم من أمازيغ زوارة وقد اشتهروا بقصة لجوء الزعيم التونسي الحبيب بو رقيبة إليهم عقب فراره من تونس عام 1948، حيث استقبلوه وأرسلوا معه من يرشده و يؤمن له الطريق إلى زوارة، وهو ماذُكر في كتاب “المسيرة الكبرى” للمؤلف صالح الدريدي.

جزيرة الأحلام

مناخ الجزيرة المتوسطي الحار والجاف صيفاً والدافئ والممطر شتاءً، بالإضافة إلى احتوائها “تشكيلة رائعة من النباتات والزهور والحيوانات، وخاصة الطيور المهاجرة، والشواطئ الرملية الذهبية وظلال النخيل، كل ذلك يضفى على الجزيرة سحراً لايقاوم” تقول د. نادية أبو الشواشي، وتضيف “إنها حقاً جزيرة الأحلام”.

فوق الجزيرة منارة بيضاء تحمل الطابع العثماني المميز، بناها الأتراك عندما وصلوا إليها إبان الحكم العثماني للمنطقة، حسب قول وائل فطيس لـ”مراسلون”، كما تحدث بعض الرحالة – حسب فطيس – عن وجود مبانٍ أثرية داخل الجزيرة نعتوها باسم “خرائب فروة”، وترد تسمية “راس المخبز” للدلالة على المكان أيضاً في الفترة العثمانية في كتاب “تاريخ طرابلس الغرب” للمؤلف محمود ناجي.

في الجزيرة أيضاً بحيرة تسمى بحيرة فروة تبدأ من منطقة “ضهاري ساسي” وهي القناة الواصلة بين البحر والبحيرة، وكانت تمتد شرقاً حتى منطقة سيدي سعيد، غير إن إقامة الرصيف البحري لمصنع أبي كماش للمواد الكيماوية في ثمانينات القرن الماضي قطع امتدادها الطبيعي.

وتعتبر بحيرة فروة نهاية الامتداد الطبيعي لخليج قابس جغرافيا حسب قول د. أبوالشواشي، أما جيولوجياً “فروة هي جزء من سهل الجفارة الذي تشير الدراسات الجيولوجية إلى أنه كان جزءاً من بحر تيتس، حيث تعرض شمال البلاد لسلسة من حركات الرفع والهبوط ترتب عليها طغيان البحر وانحساره على مر العصور الجيولوجية” حسب قول د. أبوالشواشي.

تنوع بيولوجي

يصل الناس عادة إلى الجزيرة منطلقين من منطقة أبي كماش على متن أحد المراكب، ويحظون فيها برحلة غوص في البحيرة “للتمتع بالتنوع البحري والمناظر الخلابة تحت سطح الماء، الناتج عن التنوع البيولوجي فى البحيرة الذي يعود لكثرة عشبة البيسيدونيا (تالقا) وهى المصدر الأساسي لهذا التنوع، مع وجود أنواع أخرى من الأعشاب والنباتات والإسفنج”.

فوق الأرض أيضاً تعيش عدة أنواع من الحيوانات البرية ويمكن للزائر رؤية تشكيلة من الطيور المهاجرة حسب موسم رحلته الى هناك، وتوضح د. أبوالشواشي “تتخذ هذه الطيور من بحيرة فروة ملاذاً طبيعياً ومحطة من محطات الهجرة الموسمية، ومنها البلشون، البط، الإوز، الكركي (الفلامنك)، غراب البحر، ووصل عددها إلى 28 نوعاً حسب ما رصدته جمعية “بيسيدا” مؤخراً عند استضافتها خبير الطيور الليبي هشام محمد”.

وبالإضافة إلى ذلك فالجزيرة موطن لتكاثر السلاحف البحرية، “إلا أن بعض المواطنين يصيدونها دون رحمة وقد أصبحت مهددة” يقول حافظ فطيس، وهو ما جعل جمعية بيسيدا تقيم ورش عمل لتعشيش السلاحف البحرية، وحققت الجمعية نجاحاً برصد11عشاً تمت مراقبتها لمدة 90 يوماً، وتم إنقاذ تسعة أعشاش بالتعاون مع جمعية “بادو” البيئية.

الجزيرة ستختفي

تشتكي د. أبوالشواشي وأهالي المنطقة من إهمال المسؤولين في العهد السابق والحالي لهذه الجزيرة، فهي “لم تحظَ في السابق بأية دراسات علمية جادة تحدد حجم الجزيرة وما يهددها، وهذا ما دفعني لإعداد دراسة لمراقبة وقياس جزيرة فروة باستخدام الاستشعار عن بعد وعدة برامج حديثة” تقول الباحثة.

وقد أثبتت دراسة أبو الشواشي أن الجزيرة تتعرض للتناقص المستمر، “وذلك من خلال تحليل المرئيات Landsat خلال الفترة من عام 1987 إلى 2013، وقد تناقصت الجزيرة بحجم 1.596 كم مربع، ونظراً لصغر الجزيرة التي بلغت مساحتها 4.6 كم في سنة 2013، فإن استمرار التناقص قد يؤدي إلى اختفائها بالكامل خلال 70 سنة” تقول الدراسة.

عضو المجلس البلدي بمدينة زوارة نادية معمر تؤكد اهتمامها بالموضوع، وتعد في حديثها لـ “مراسلون” بالتنسيق مع وزارة السياحة ومصلحة الآثار، “لتكون هذه المدينة ضمن أهم المعالم التاريخية التي سيتوافد إليها السواح من كل العالم، فجزيرة فروة مكسب وفخر لمدينتنا، ونحن كمجلس بلدي نتدارس مانستطيع أن نقدمه من إمكانيات بحثية أولاً، وآليات حمايتها والنهوض بها وغيرها من معالم المدينة ثانياً” .

العبث بالجزيرة

إلا أن هذه الوعود لم تطمئن أبناء المنطقة الذين تظاهروا منذ فترة تنديداً بما يصفونه “العبث بالجزيرة”، كما تمت توأمة جمعية “بيسيدا” و جمعية “بيوت الشباب” لإغلاق المجرى الشرقي للجزيرة المعروف بـ “فم الوادي” أو “إيمي الواد”، بهدف قطع الطريق على السيارات الصحراوية التي “تهدد بتدمير الجزيرة وتعيث فيها فساداً” حسب المتظاهرين.

ضمن المخاطر التي تتعرض لها فروة تأتي حرفة الرعي التي تمارس من قبل بعض سكان منطقة أبي كماش، وهذه الحرفة تؤدي إلى استنزاف الغطاء النباتي، بما لا يتزامن مع عملية تعويض له من خلال زراعة أنواع النباتات التي تتلاءم مع البيئة الطبيعية للجزيرة، وهذا يساهم في تفكك وانجراف الأرض حسب ماذكرته د. أبوالشواشي لـ”مراسلون” ورصدته في دراستها.

ولذلك كان من أبرز توصيات الدراسة منع الرعي وزراعة الجزيرة بأنواع نباتات مقاومة للجفاف تحد من انجراف التربة وتآكل السواحل، والاهتمام ببناء مصدات الأمواج وبناء الكواسر.

“تمتلك فروة مؤهلات تجعلها من أجمل الجزر السياحية في العالم نظراً لما تتمتع به من مميزات، وهذا ماجعل الشركات الاستثمارية تطمع باستثمارها، ولكنها مشاريع طالما باءت بالفشل لأسباب عدة، أهمها تعمد العهد السابق تهميش المنطقة”، حسب قول حافظ لـ”مرسلون”.

بانتظار يوم يتوقف فيه تآكل الجزيرة عن طريق الاهتمام بها واتخاذ ما يلزم لحمايتها، يتمسك حافظ بحلم طفولته المتمثل في رؤية السياح يجولون جزيرته قادمين من كل أنحاء العالم، حلم يشاركه فيه كل سكان المنظقة الذين يدركون قيمتها الحقيقية.