في قراءة اقتصادية- سياسية للخارطة الليبية، ترى سعدة الصابري المختصة في الشأن الاقتصادي والمذيعة في راديو مونتي كارلو الدولي أن الأزمة الاقتصادية في البلاد ذات محركات خارجية، وأن هناك دولاً خليجية وغربية تستفيد من خلل الميزان الاقتصادي والتجاري، ما يجعلها تجني أرباحاً عبر تحطم الاقتصاد في ليبيا وعجز موازناته.

وتستبعد الصابري أن تتعرض ليبيا في المستقبل القريب إلى إفلاس مالي بسبب وجود احتياطيات ضخمة من الذهب والبترول على حد قولها.

في قراءة اقتصادية- سياسية للخارطة الليبية، ترى سعدة الصابري المختصة في الشأن الاقتصادي والمذيعة في راديو مونتي كارلو الدولي أن الأزمة الاقتصادية في البلاد ذات محركات خارجية، وأن هناك دولاً خليجية وغربية تستفيد من خلل الميزان الاقتصادي والتجاري، ما يجعلها تجني أرباحاً عبر تحطم الاقتصاد في ليبيا وعجز موازناته.

وتستبعد الصابري أن تتعرض ليبيا في المستقبل القريب إلى إفلاس مالي بسبب وجود احتياطيات ضخمة من الذهب والبترول على حد قولها.

وتقدم الخبيرة الاقتصادية قراءة للدور القطري في ليبيا قبل وبعد الحرب، وتتسائل لماذا لم يتحرك الغرب لإعادة الأمن إلى البلاد، ولم ينظّم تحالفاًُ ضد “إمارة داعش” في درنة على غرار ما فعله في العراق وسوريا.

عناوين شائكة أخرى طرحها موقع “مراسلون” على الصابري ضمن نص الحوار التالي:

هل يخضع البنك المركزي الليبي لسلطة مجلس النواب في طبرق أم المؤتمر الوطني العام في طرابلس؟ ومن المسؤول عن عجز الموازنة في الدولة حالياً؟

معضلة “إلى من يتبع” البنك المركزي لم يجر حسمها إلى اليوم، وهناك عملية بحث جارية لدسترة البنك المركزي واستقلاليته.

الحكومة والبرلمان في الشرق يقولون إن البنك تابع لهم وإن حكومة “فجر ليبيا” تتلقى رواتبها من الأموال التي كانت مجمدة وعادت إلى ليبيا لتمول الإسلاميين، أما الحكومة والمؤتمر في الغرب فيقولون إن البنك يتبعهم وإن طبرق والبيضاء يتلقون رواتبهم من مصر والإمارات والسعودية.

الحكومتان والبرلمانان يتبادلان التهم بخصوص عجز الموازنة، إذ إن عجز الموازنة في السنة الماضية له تفسير منطقي، وهو تراجع إيرادات النفط، وبالتالي بدلاً من الفوائض المالية التي اعتادت عليها البلاد فقد أصبحت إيرادات الدولة لا تكفي لتغطية الواردات والرواتب، إضافة إلى عدم وجود نظام يحدد عدد موظفي القطاع العام فعلياً، خصوصاً العاملين في وزارة الدفاع والمقربين للطرفين، الأمر الذي يسمح بحدوث تجاوزات عديدة.

الوزارات في كل حكومة كانت تفتح باب العروض لعقود تدريب وتكوين مهني لكوادرها وللشباب الليبي، بالإضافة إلى عقود خدمات وقطع غيار للمصانع، وكل عقد كانت قيمته مضروبة في 4 كعادة الليبيين طيلة العقود الماضية، وكالعادة أيضا في كل مرة يتحدثون عن عجز، لكن هناك أيضاً فائض من الميزانية لا تعلن عنه الوزارات بعد استخدامها لمخصصاتها، وديوان المحاسبة يتساءل عن أربعة مليارات دولار مفقودة.

هناك تصريحات دولية حول حدوث عجز في موازنة الدولة الليبية واحتمال إفلاسها في المستقبل القريب، ما هو تعليقك؟

الإفلاس الفعلي سيناريو مستبعد، لأن ليبيا لديها احتياطيات ضخمة بالقطع الأجنبي والذهب، المشكلة في الفساد وهدر المال العام وليست في الحرب والنزاع.

هل تؤثر صادرات ليبيا من البترول بشكل مباشر على السوق العالمية من حيث ارتفاع وانخفاض الأسعار؟

ليبيا عضو مهم في “أوبك” وانقطاع إمداداتها ساهم في رفع الأسعار طيلة عام كامل، لكن المملكة السعودية عوضت الفارق في إنتاج أوبك، وكان لذلك تأثير واضح وكبير خلال السنوات الثلاث الماضية.

فعلى الرغم من تذبذب الأسعار إلا أن السعودية لم تكف يوماً عن زيادة إنتاجها، وهو ما جعلها تعوض فارق السعر بحجة الحفاظ على استقرار السوق، ولعلك تابعت أن “النعيمي” وزير النفط السعودي لم يعلق على انخفاض الأسعار، ولم يتحدث عن خفض فوري للإنتاج من أجل تخفيف الضغوط النزولية للأسعار العالمية.

ومن جهة أخرى جاءت مسألة تفاوض إيران مع القوى الست العظمى حول ملفها النووي، والرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، لتعوض النقص في المعروض الليبي وتطمئن المستثمرين والمضاربين في سوق النفط.

بالتالي انخفاض الانتاج الليبي وتراجع الأسعار يصب في مصلحة فواتير الطاقة الغربية الأوروبية ويفسح المجال أمام المصدرين غير الأعضاء في أوبك.

هل يمكن القول بأن أمريكا وبريطانيا تحديداً تسعيان لتعميق الفجوة في ليبيا للاستفادة اقتصادياً من ثرواتها؟ أم أنهما يسعيان إلى ما كانت عليه ليبيا قبل الاستقلال عام 1951؟

الأساس في الصراع كان جزءٌ كبيرٌ منه حول ثروات ليبيا. نظام القذافي دق مسماراً في نعشه عندما تجرأ وفكر مجرد التفكير في تغيير بنود وشكل عقود الشركات النفطية الكبرى المتواجدة في ليبيا منذ الخمسينيات، وتحديداً الأمريكية والبريطانية والفرنسية.

لقد كان النظام السابق يتهيأ للتعاقد مع شركات آسيوية بمجرد انتهاء عقود الشركات الحالية، أو فتح باب العروض بشكل نزيه، والعرض الأفضل يبقى مع تغيير نسب مشاركة وتقاسم الإنتاج لصالح ليبيا، وما حدث أيضاً في 2010 كان قرب دخول ليبيا إلى سوق الغاز بشكل ضخم ومخيف بسبب احتياطياتها في حوض غدامس وخليج سرت، وكانت “توتال” – شركة نفط فرنسية – هي الشركة الأوفر حظاً، لكن دولة قطر أرادت الدخول كشريك مع توتال رغم رفض ليبي سابق لذلك، الأمر الذي أدى إلى إلغاء ليبيا للمشروع برمته مع توتال.

لا أظن أن الغرب بوضعه الحالي يريد احتلال ليبيا مجدداً، لكنه يكره أن يتم فرض الشروط عليه، ويبغض الندية في التعامل، ويفضل أن يكون المرشد والموجّه وصاحب الفضل والشريك في كل المشاريع بأسعار تفضيلية ومميزات تعاقد يختارها بمزاجه.

التدخل القطري في ليبيا هل دوافعه سياسية أم اقتصادية؟

سياسية اقتصادية. قطر بكل توسعاتها الاستثمارية تحاول تخطي حجمها الحقيقي من خلال إمكاناتها المادية. لقد أثبتت الأحداث الماضية في المنطقة أن قطر مهما فعلت ورغم قوتها المادية تظل دولة غير مؤثرة على المدى الطويل، فيما تبقى مصر مثلاً على الرغم من أزماتها الاقتصادية ونسبة الفقر المتفشي فيها دولةً فاعلة، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي أيضاً.

لقد حاولت قطر من خلال تدخلها في ليبيا أن تحصل على ما لم تحصل عليه خلال حقبة القذافي، وهو الهيمنة على مشاريع الغاز والمناطق الحرة وبعض المشاريع السياحية مثل مدينة راس لانوف (وسط الساحل الليبي)، فذلك كان سيساعدها على توريد الغاز إلى أوروبا بأقل تكاليف بفضل القرب الجغرافي الذي لا تتمتع به، لكن بعد السنة الأولى من الثورة وجدت نفسها مستبعدة، فاختارت دعم القوى “المتأسلمة” لضمان تواجدها في القطاع الاقتصادي، ومن ثم يأتي دورها السياسي في المنطقة. تماماً كما حاولت خلال حكم “محمد مرسي” في مصر بأن تحصل على امتيازات وحصص في مشاريع كبيرة، كان أهمها قناة السويس.

باختصار الأهداف الاقتصادية والسياسية متداخلة.

من وجهة نظرك كمتابعة للشأن الليبي والوضع الاقتصادي، هل سيتدخل المجتمع الدولي ليعود الاستقرار الأمني والاقتصادي في ليبيا؟

الخارج يتدخل بالفعل، ولم يتوقف يوماً عن التدخل، ولن يتوقف أو يسمح بحلول تستبعده، لكن الخلاف يقع بين الأطراف المتداخلة في حد ذاتها. فالمجتمع الدولي يريد أن يضمن لحلفائه الإسلاميين مكاناً، أما مصر والجزائر والخليج دون قطر فيريدون حلاً لا وجود للإسلاميين فيه، أما اذا كنت تقصد تدخلاً عسكرياً فأنا أستبعد ذلك.

لكن السؤال يظل قائماً، هل يريد الغرب بالفعل حلاً سياسياً؟ ولماذا لم يتحرك ضد درنة “الإمارة الداعشية” كما فعل في العراق والشام؟ هل لأنها تريد محاصرة مصر، وزرع كيان جديد في كل دولة خصوصاً وأن التنظيمات الإرهابية باتت تغير أسماءها وتتجه لإعلان إماراتها في كل مكان، كما حدث مع جماعة “أنصار بيت المقدس” في مصر وتغيير اسمهم إلى ولاية أو إمارة سيناء التابعة لداعش؟ وهل هو توجه من أجل الاستحواذ على النفط وبيعه بطرق غير شرعية لدول كبرى بسعر لا يتجاوز الـ 30 دولاراً للبرميل، وبالتالي دفع أسعار النفط عالمياً نحو الهبوط المستمر، ووضع الدول الريعية في مأزق؟

إذا أنت تقولين أن مصلحة الغرب تكمن في استمرار الأزمة في ليبيا؟

أزمة ليبيا وأزمة الشرق الأوسط ككل تصب في مصلحة الغرب على جميع الأصعدة. صحيح أنهم يتحدثون عن ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، لكنهم يرفعون أيضاً ميزانهم التجاري وصادراتهم نحو المنطقة، صادرات السلع والسلاح والخدمات، ويتخلصون من المتشددين من خلال تصديرهم نحو مناطق النزاع، أو بمعنى آخر غض الطرف عن تدفقهم إلا في حال عودتهم إلى البلد المصدر، عندها يبدؤون في ملاحقتهم.

البلدان المنكوبة يزداد اعتمادها على الغرب، لذلك فإن فزاعتهم الوحيدة هي حدوث تقارب بين البلد المنكوب والدول الآسيوية وروسيا عندها يبدأ الغرب في تغيير سياسته تجاه البلد المعني، كما حدث في مصر مثلاً وقبلها في العراق، فعندما هدأت أوضاعه في وقت من الأوقات أصبحت الشركات الفائزة بامتيازات التنقيب أغلبها من كوريا الجنوبية وروسيا والصين.

وهل يختلف الدور الفرنسي عن بقية دول أوروبا كما يروج، خاصة أن فرنسا حاربت الإرهاب في مالي ويقال إنها تؤسس لقاعدة جنوب ليبيا لشن هجمات على المتشددين هناك؟

من سمح بوجود متشددين في المنطقة على الرغم من وجود جحافل من الجيش الفرنسي في المنطقة تحت ذرائع مختلفة لإبقاء تواجدها قائماً في مستعمراتها القديمة؟ وهل تحرك فرنسا جيشها وأسلحتها وتنشئ قاعدة تكلفها مليارات فقط من أجل مواجهة الإرهاب؟ في وقت تعاني فيه فرنسا من دين عام داخلي وخارجي يناهز الثلاثة آلاف مليار يورو، أي ما يشكل 97 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي؟!

فتش عن ثروات الجنوب والتي لم يستغلها النظام السابق يوماً، ولم يصارح بها الشعب، ولا يجب ان ننسى ان ما يوجد في شمال البلاد شرقاً وغرباً ماهي الا موانئ تصدير تغذيها حقول هي أقرب للجنوب.