في يوم واحد وفي وقت واحد عقدت في ليبيا جلستان برلمانيتان، واحدة كانت في طرابلس غربي البلاد وأخرى في طبرق شرقيها.

جرى ذلك يوم الثلاثاء 18 تشرين الأول/نوفمبر فيما بدا وكأنه لعبة شد حبل ستستمر بين الطرفين، المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته (برلمان طرابلس) ومجلس النواب المنتخب (برلمان طبرق)، على انتزاع الشرعية.

في يوم واحد وفي وقت واحد عقدت في ليبيا جلستان برلمانيتان، واحدة كانت في طرابلس غربي البلاد وأخرى في طبرق شرقيها.

جرى ذلك يوم الثلاثاء 18 تشرين الأول/نوفمبر فيما بدا وكأنه لعبة شد حبل ستستمر بين الطرفين، المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته (برلمان طرابلس) ومجلس النواب المنتخب (برلمان طبرق)، على انتزاع الشرعية.

وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت قراراً في السادس من تشرين ثاني/ نوفمبر ببطلان مجلس النواب المتخب وحلّ كافة المؤسسات المنبثقة عنه، الأمر الذي فسر على أنه إقرار بشرعية برلمان طرابلس، وهو ما أدخل البلاد في جدل قانوني ومتاهة دستورية عمقت من حالة التوتر الأمني بحسب مراقبين.

قرصنة المطارات

وجاءت جلسة المؤتمر الوطني العام في طرابلس لتكون الأولى منذ صدور قرار المحكمة، وحضرها أكثر من مئة عضو بحسب تصريحات المتحدث الإعلامي باسمه عمر حميدان.

لكن لا يوجد إلى الآن ما يؤكد هذا الرقم إذ مُنع “مراسلون” من بين عدة وسائل إعلامية أخرى من دخول قاعة المؤتمر، وبالتالي لم تخرج للإعلام أي صور من الاجتماع، وهو ما برره حميدان “بالحرص على سلامة الأعضاء الحاضرين”.

المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب فرج بوهاشم قال إن جلسة الثلاثاء عقدت بحضور أكثر من 97 عضو من مختلف البلديات، و”ناقش الحضور موضوع ديوان المحاسبة وهيأة الرقابة الإدارية، وتطرقوا لاجتماع المؤتمر وما صدر عنه من قرارات وسبل التعامل مع الوضع”.

ذكر هاشم أيضاً في حديثه لـ”مراسلون” أن جلسة البرلمان ناقشت الحادثة التي تعرضت لها طائرة كانت تقل نواب من الجنوب والغرب يوم الإثنين، عندما حاولت ما وصفها “ميليشيات تابعة لفجر ليبيا” إجبار الطائرة على الهبوط في مطار تامنهنت (جنوب غرب)، لمنع النواب من الالتحاق بالجلسة.

وأضاف المتحدث أن الأعضاء ناقشوا موضوع “إغلاق المطارات التي تسيطر عليها هذه الجماعات في مصراتة وزوارة وسرت وطرابلس وبعض المدن الأخرى، لما ترتب عليها من مشاكل وصلت حد القرصنة، واستعمالها من قبل الإرهابيين لجلب السلاح والمتطرفين”.

ويتمسك هاشم بأن ما يصدر عن المؤتمر المنتهية ولا يته من قرارات لا يعدو كونه “محاولة لإرباك الشعب خصوصاً في طرابلس”، و”أن العالم معترف بالبرلمان (الجديد) وما يصدر عنه من قرارات، فنحن نواب منتخبون عن الشعب، ومايصدر عنا من قرارات تمثل الشعب”.

لاغبار عليها

يرفض أعضاء البرلمان السابق هذه التصريحات، ويصرون على أن البرلمان الجديد منحل بحكم المحكمة، ويؤيدهم في ذلك رئيس حزب التغيير جمعة القماطي الذي شدد على ضرورة الامتثال لقرار المحكمة الدستورية التي “قضت بعدم دستورية انعقاد مجلس النواب” على حد تعبيره.

القماطي يرى بأن “علينا أن نقنع أنفسنا بأن حكم المحكمة أمر لا خلاف عليه، وأن المؤتمر الوطني العام هو الجسم الوحيد القانوني بعد الحكم، وعلى المؤتمر أن يعمل بشكل جدي ويضع خارطة طريق لتنظيم عمله حتى يتمكن من الخروج من وضعه الحالي” .

السياسي الليبي أكد أن جلسات المؤتمر “لاغبار عليها قانوناً وأن مشروعيتها استمدت من قرار المحكمة”، بل ذهب إلى أبعد من ذلك باعتباره أن “شرعية المؤتمر لا تتخذ من خلال عدد الحضور، وأن النصاب القانوني – 134 عضواً – يقع ضمن التنظيم الداخلي للمؤتمر”.

وجه آخر

القانون الذي استند إليه القماطي هو ذاته الذي فسرت من خلاله كتلة “الـ 94” عضواً المقاطعين لجلسات المؤتمر – والتي تشكل حوالي 50% من إجمالي عدد أعضائه – أسباب عدم حضورها، فأصدر عدد من أعضائها بياناً رفضوا فيه ما سموه “محاولة إحياء المؤتمر الوطني” رافضين ما صدر عنه من قرارات وتكليفات، وأعلنوا اعترافهم بمجلس النواب ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب الليبي.

بيان الكتلة اعتبر إصرار المؤتمر على العودة للحياة “تحدياً لإرادة الشعب الليبي الذي اختار ممثله الشرعي وهو مجلس النواب المنتخب، وإخلالاً بالمبدأ المنصوص عليه في المادة الأولى من الإعلان الدستوري وهو أن الشعب هو مصدر السلطات”، مؤيدين  كل الجهود المبذولة لوقف “الاقتتال بين الإخوة الليبيين”.

النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته عزالدين العوامي والمنتمي لكتلة “الـ 94″، صرح لـ “مراسلون” أن “المؤتمر ومنذ شهر أيار/مايو 2013 كان ينعقد فقط بحضور 101 عضواً، وهو ما يخالف أيضاً حكم المحكمة التي قالت إن النصاب القانوني لانعقاد الجلسة يجب أن لا يقل عن 134 عضواً”، معتبراً بأن ذلك ينعكس سلبا على كافة القرارات التي اتخذها المؤتمر خلال تلك الفترة.

واستغرب العوامي من موقف الأعضاء المتمسكين بالمؤتمر، فبحسب قوله “نحن كنا نستعجل الوقت لنسلم السلطة لمجلس النواب ولا أدري لما كل هذا التعنت”.

ذهاب إلى المجهول

ليست هذه الكتلة فقط من أعضاء المؤتمر هي من قاطعت الجلسات، فالمعروف أيضاً عن عضو المؤتمر أسماء سريبة مواقفها الصريحة في دعم مجلس النواب وتبرؤها من ما يفعله زملاؤها الذين تقول إنهم “ﻻيمتلكون أي صفة اعتبارية في الدولة” وأن كل افعالهم وقراراتهم ﻻ تمثلها .

سريبة قالت لـ”مراسلون” إنها ورغم احترامها لحكم المحكمة “إﻻ أنه لم ينص صراحة على عدم شرعية مجلس النواب، ولم ينص أيضاً على عودة المؤتمر الوطني المنتهيه وﻻيته، وبالنسبة لي أعتبر أن هذا الحكم ذهب بليبيا للمجهول، وأدخلنا في مأزق سياسي حقيقي يتطلب اقصى درجات الحكمة والتروي من قبل كل الأطراف”.

يتفق معها عضو المؤتمر الوطني العام عبد الناصر السكلاني المستقيل هو الآخر من عضوية المؤتمر، ويزيد على ذلك أن “من يحكم ليبيا الآن هو السلاح، وحملة السلاح في ليبيا معروفون، أما موضوع الشرعية فما هو إلا ستار”.

حرب أبادت الجيل

السكلاني دعا الكتل السياسية إلى “تغليب العقل وتكاتف الجهود، لأن البلاد في الوقت الحالي بحاجة إلى ترك الجدل القائم بين الطرفين والجلوس للحوار، حقناً للدماء وللحفاظ على من بقى على قيد الحياة من شباب ليبيا، جيل كامل من الشباب الليبيين أبيد خلال هذه الحرب”.

إصرار كل طرف على موقفه وتجاهله وجود الآخر أصبح يثير مخاوف حقيقية حول إمكانية تقسيم ليبيا. يأتي ذلك في ظل توافق دولي على أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة، وأن تقديم التنازلات من قبل الطرفين أمر واجب على كليهما، وهو ما عبرت عنه أسماء سريبة بقولها إن “تداعيات الحكم تهدد وحدة التراب الليبي في ظل تعنت كل الأطراف التي رفضت الحكم والتي رحبت بالحكم واعتبرته نصراً لها لتعود للمشهد السياسي”.