يخشى مختار الرمضاني مدير مدرسة العزادنيّة في القيراون الاقتراب من المكان الذي يديره منذ خمس سنوات، وذلك تحاشيا لغضب ذوي التلاميذ.

وبدل أن يتواجد في مكتبه يتوجه الرمضاني في كل صباح إلى مقر مندوبيّة التربية في القيروان لعلّه يعثر على أحد المسؤولين هناك ليعلمه بالمشكلة، لكنه يصطدم بأبواب مغلقة أيضاً بسبب إضراب بدأه موظفو المندوبية قبل نحو ستة أشهر وما زال مستمراً، فيعود أدراجه وقد تحولت ياقه قميصه الأبيض إلى شريط يكسوه العرق والغبار.

وبينما يصرف وقته متنقلاً على نفقته الخاصة بين دائرة حكومية وأخرى يمكث التلاميذ في منازلهم بأمر من ذويهم.

يخشى مختار الرمضاني مدير مدرسة العزادنيّة في القيراون الاقتراب من المكان الذي يديره منذ خمس سنوات، وذلك تحاشيا لغضب ذوي التلاميذ.

وبدل أن يتواجد في مكتبه يتوجه الرمضاني في كل صباح إلى مقر مندوبيّة التربية في القيروان لعلّه يعثر على أحد المسؤولين هناك ليعلمه بالمشكلة، لكنه يصطدم بأبواب مغلقة أيضاً بسبب إضراب بدأه موظفو المندوبية قبل نحو ستة أشهر وما زال مستمراً، فيعود أدراجه وقد تحولت ياقه قميصه الأبيض إلى شريط يكسوه العرق والغبار.

وبينما يصرف وقته متنقلاً على نفقته الخاصة بين دائرة حكومية وأخرى يمكث التلاميذ في منازلهم بأمر من ذويهم.

وعلى الطريق يواجه الرمضاني صراعاً بين واجبه كمعلّم ومدير، وبين قوة أخرى تمنعه من فتح أبواب المدرسة، ويقول: “يحزنني أن تلاميذي منقطعون عن الدراسة، لكني لا أجرؤ على الاقتراب من المدرسة نهائياً، فأنا أخشى من ردّة فعل أولياء الأمور”.

أولياء يغلقون المدارس

لم ينتظر تلاميذ المدرسة  الابتدائيّة “العزادنيّة” ببوحجلة بمحافظة القيروان (وسط تونس) بلاغ وزارة التّربيّة حول تعطل الدروس بداية من 24 تشرين أول/ أكتوبر وعلى امتداد ثلاثة أيام بمناسبة الانتخابات التشريعيّة، فقد قام آباؤهم بغلق المدرسة قبل هذا التاريخ، والسبب هو النقص الكبير في عدد المعلمين الذي أجبر جميع التلاميذ على الدخول في عطلة طويلة.

بنفس الطريقة، وللسّبب ذاته، تم غلق عدد من المدارس الأخرى في أكثر من منطقة في القيروان، وكان الآباء والأمهات هم  المطالبون بغلق المدارس. وكانت المدراس قد فتحت يوم 26 تشرين أول/أكتوبر بمناسبة الانتخابات التشريعيّة لاستخدامها كمراكز تصويت لكنها أغلقت في اليوم التالي ولم تستأنف الدروس.

ومدرسة العزادنية، التي تواصل غلقها ليست سوى نموذجا عن عدة مدارس أغلقت أبوابها في عديد المناطق بتونس عموماً وبالقيروان تحديدا نتيجة النقص في عدد المعلّمين وأدوات العمل وكذلك عدم توفر الماء الصالح للشرب.

مدرسة العزادنيّة الابتدائيّة، تقع في منطقة ريفية نائية على مسافة 18 كلم عن مركز المدينة، والنقل الريفي عبر شاحنات فلاحية، وهو النقل العمومي المخصص لمثل هذه المناطق الوعرة بالكاد يصل إليها، ويزيدها المسلك الفلاحي عزلة وهو ما ينفر المعلمين من القدوم والتدريس أو الاستقرار بها.

وتشهد المدرسة أيضا انقطاعا للماء الصالح للشرب منذ 7 أشهر وعانت أيضاً على امتداد سنوات من نقص المعلّمين ومن ضعف عدد التلاميذ المسجلين.

يوم 15 أيلول/سبتمبر انطلقت العودة المدرسية للتلاميذ في مختلف مناطق البلاد، وكذلك العزادنية التي لم يلتحق بها سوى عدد ضئيل من المعلمين، الأمر الذي دفع الأولياء يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2014 إلى منع أبنائهم من الدخول والدفع نحو غلق المدرسة.

احتجاج وتصعيد

في محافظة القيروان التي توجد بها 313 مدرسة ابتدائيّة، تعرضت أربع مدارس منها أواخر الشهر الماضي إلى الغلق “المؤقت والمسترسل” والسبب نقص المعلمين. إلى جانب غلق ثلاث مدارس أخرى بسبب غياب الماء الصالح للشرب.

وبنفس الطريقة تم غلق مدرسة “أولاد خلف الله” بمعتمدية حفوز في 22 من الشهر نفسه، كما احتج أولياء عدد من تلاميذ مدرسة “سيدي سعد” على تعطل دروس أبنائهم لنفس السبب واغلقوا المدرسة تزامنا مع تعليق ملصقات الحملة الانتخابية على جدار المدرسة. وقد لوحوا بعدم السماح بإجراء الانتخابات التشريعية بالمدرسة لكن الأولياء الغاضبون لم ينفذوا وعيدهم، كما لم تحقق الادارة وعودها إلى غاية نهاية شهر تشرين أول/أكتوبر.

وتؤثر هذه الانقطاعات سلبا على نتائج التلاميذ. فعلي سبيل الذكر لا الحصر،  فقد تسبب  إضراب نحو 300 معلم نائب منذ شهر آذار/مارس 2014 داخل مندوبية التربية من أجل ترسيمهم، في حرمان آلاف التلاميذ من التعلم  ومن إجراء الامتحانات.

وكانت الطريقة التي تم اعتمادها هي الهروب إلى الامام وعدم احتساب نتائج امتحانات كل من الثلاثي الثاني والثالث واحتسبت معدلات الثلاثي الأول.

وكانت النتيجة حسب متفقدين ومعلمين هي ضعف المستوى التعليمي مقابل تضخيم النتائج التي وصفها شكري العمري عضو النقابة الجهوية للمعلمين بالمزيفة ولا تعكس المستوى الحقيقي للتلاميذ معتبرا أن المستوى متدنّ مقارنة بنتائج تلاميذ وسط المدينة والجهات الأخرى.

الأسوأ حظا

على عكس مدارس وسط مدينة القيروان التي تشهد تنافسا على المقاعد والأقسام والدروس الخصوصيّة في ظل احتدام المنافسة على النتائج، تعيش مدارس الأرياف وتلاميذ الارياف وضعا مزريا. وأفاد منير البامري وهو معلم وعضو نقابة المعلمين بمعتمدية الوسلاتية (50 كلم غرب القيروان) لـ”مراسلون” أنه رغم مرور قرابة الشهر والنصف على العودة المدرسية، فإن أكثر المدارس الريفية في جهة الوسلاتية لاتزال تعاني الكثير من المشاكل.

ومن أهم المشاكل النقص الفادح في إطار التدريس مما دفع الأهالي في ثلاث مدارس هي “السرج” و”طاوسة” و”أولاد عيار” إلى غلقها ومنع أبنائهم من ارتيادها لأكثر من أسبوع. ففي مدرسة طاوسة بلغ النقص خمسة مدرّسين من جملة سبعة، في حين لازالت مدرسة أولاد عيار تشهد غياب أربعة معلمين.

ومنذ اليوم الأول للعودة المدرسية  عبر الأهالي عن احتجاجهم على غياب الإطار التربوي مما حرم أبناءهم من الدراسة لمدة تقارب نصف الثلاثي الأول. ونتيجة لهذا الوضع المحتقن، عمدوا إلى قطع الطريق في مناسبة ثانية للفت الرأي العام لمشاكل المدارس بمناطقهم.

ويوجه المعلم منير البامري لومه لوزارة التربية التي “لم تراع النقص الكبير في ولاية القيروان والمقدر ب 403 معلما لتكون حصة الجهة 120 انتدابا فقط هذه السنة”. ويرى أن هذا الوضع “تسبب في حرمان ما يزيد عن 8 آلاف تلميذ من التعليم منذ منتصف أيلول/سبتمبر”.

واتهم البامري وزارة التربية “بسوء التنظيم والتوزيع” عندما قامت بنقل 300 معلم من القيروان الى جهات أخرى لتبقى عشرات المدارس بلا مدرّسين وهو ما جعل آلاف التلاميذ يحرمون من “فرحة العودة المدرسيّة”.

ويبلغ عدد التلاميذ المسجلين هذه السنة بجميع المراحل التعليمية حسب احصائيات وزارة التربية، مليونين و13 ألف تلميذ، منهم مليون و75 ألف في المرحلة الابتدائية موزعون على 47 ألفا و320 فصلا ويدرسهم 63 الف و200 معلم.

موقف الوزارة

يوضح مندوب التربية بالقيروان (ممثل الوزارة بالجهة) محمد بن علي الوسلاتي أنه “تم البدء في تغطية الشغورات من خلال النيابات”. وأشار الى وجود نقص في عدد المعلمين في حدود 250 مدرّسا، مفسرا ذلك بالشغور الحاصل نتيجة حركة النقل وبالترقيات المهنيّة التي خفضت ساعات عمل المعلمين وبالتالي خلفت فراغا، وبضعف الانتداب الذي هو من أنظار وزارة التربية دون سواها.

وأفاد الوسلاتي أن القرار مركزي في ما يخص النقل بين الجهات والانتداب مشيرا الى وجود تنسيق مع وزارة التربية  لتدارك النقص الحاصل.

الطرف النقابي عبر عن موقف رافض لبعض سياسات وزارة التربية وانتقد بعض الحلول الترقيعيّة. فقد أفاد شكري العمري عضو النقابة الجهويّة للتعليم الأساسي التي تنوب قطاع المعلمين بجهة القيروان، أنه خلال النقلة الوطنية للمعلمين خرج 300 معلم من القيروان ولم يدخل للجهة سوى 12 معلما آخرين، وهو ما يفيد تسجيل نفص ب288 معلما بمختلف مدارس القيروان بمعدل معلم لكل مدرسة.

وقال إن العدد مرشح للارتفاع خاصة وأن القيروان تعتبر منطقة غير جذابة للمعلمين من مختلف الجهات.

ومقابل نقص المعلمين وتجميد وزارة التربية للانتدابات، تشهد مندوبية التربية بالقيروان، وفق تأكيد العمري، طوابير لخريجي الجامعات المطالبين بالحصول على نيابات (صفة معلم معوض) تمثل لهم رصيدا في المستقبل يخول انتدابهم بشكل رسمي، علما أن النائب يحصل على ثلث مرتب المعلم المعتمد.

ويعتبر العمري أن خطر تعيين نواب لتدريس التلاميذ لا يقل جسامة عن ترك التلاميذ بلا دروس نظرا لكون المعوضين لا يمتلكون حسب قوله الكفاءة اللازمة.

تمر مندوبية التربية بحالة إضراب احتجاجي للموظفين ومع ذلك فإن مندوب التربية بالقيروان يؤكد اقتراب حل مشكلة الشغورات وتحدث عن عودة فتح بعض المدارس المغلقة مثل مدرسة العجابنة.

أمّا مدرسة العزادنيّة فلا تزال مغلقة. ويعيش مختار الرمضاني مدير المدرسة حيرة كبرى إزاء تعطل دروس تلامذته، في ظل اقتراب امتحانات الثلاثي الأوّل وهو يخشى أن يتسبب الرسوب والانقطاع التلقائي في تقلص عددهم الى ما دون الأربعين تلميذا.