سيضطر حزب نداء تونس الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية في 26 تشرين أول/أكتوبر الماضي بحصوله على 86 مقعدا في مجلس نواب الشعب إلى التحالف مع بقية الأحزاب الممثلة داخل البرلمان للحصول على أغلبية بسيطة ( النصف + واحد) على الاقل، تمكنه من الوصول الى ائتلاف يضم 109 مقاعد من إجمالي 217 مقعدا وضمان التصديق على تشكيل حكومته.

سيضطر حزب نداء تونس الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية في 26 تشرين أول/أكتوبر الماضي بحصوله على 86 مقعدا في مجلس نواب الشعب إلى التحالف مع بقية الأحزاب الممثلة داخل البرلمان للحصول على أغلبية بسيطة ( النصف + واحد) على الاقل، تمكنه من الوصول الى ائتلاف يضم 109 مقاعد من إجمالي 217 مقعدا وضمان التصديق على تشكيل حكومته.

وفي قراءة استباقية  للواقع السياسي في تونس وللمشهد الفسيفسائي الجديد داخل مجلس نواب الشعب، وبالاستناد الى تصريحات السياسيين يمكن استخلاص 4 سيناريوهات للتحالفات الممكنة التي سيبرمها نداء تونس لتشكيل الحكومة القادمة.

السيناريو الأول: تحالف يستبعد حركة النهضة من الحكم

خكذا تحالف يستبعد حركة النهضة (69 مقعداً) ويجعلها في المعارضة، فرضية قائمة تعززها تصريحات سابقة لرئيس حزب نداء تونس الباجي قايد السبسي ولأحد قياديي الحزب ناجي جلول جاء فيها أن “الحركة لا تتحالف إلا مع من يشبهها” وأن الحزب كان قد وعد ناخبيه بعدم التحالف مع حركة النهضة “لاختلاف المرجعيات الايديولوجية” للحزبين.

وبناء عليه سيتم التحالف مع حزب آفاق تونس (يميني ليبيرالي) الحاصل على 9 مقاعد ومع الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية) الحاصلة على 15 مقعدا ومع بعض القوائم الحزبية الصغيرة  على غرار حزب المبادرة (دستوري) وبعض القائمات المستقلة.

ولئن بدا هذا السناريو ممكنا على اعتبار أن الجبهة الشعبية وحزب آفاق تونس يجمع بينهما أيضاً رفض أي تحالف مع حركة النهضة رغم التباين في مرجعياتهما الإيديولوجية، إلا أن حركة النهضة المستبعدة من الحكم في هذا الحال ستبقى ذات قوة تمتلك الثلث المعطل فيما لو تحالفت مع أحزاب صغيرة معارضة للنداء، ومن خلاله يمكنها عرقلة المصادقة على تركيبة الحكومة أو  إسقاطها لاحقاً.

خيار كهذا لن يساهم في استقرار الوضع السياسي في تونس ولا في إيجاد مساندة حزبية قوية للحكومة القادمة حتى تتمكن من العمل بأريحية في مواجهة الوضعين الاقتصادي والأمني المترديين، وهو أمر يدركه قياديو حركة النهضة جيدا، فقد صرح عبد الفتاح مورو نائب رئيس الحركة أنه “لا يمكن لأي طرف أن يحكم لوحده لأننا خرجنا من مرحلة الأحادية إلى مرحلة التعاون من أجل البلاد” وأكده محمد بن سالم القيادي في الحركة بقوله إن حزبه له رصيد كبير من المقاعد داخل البرلمان وبإمكانه ان يختار البقاء في المعارضة “كقوة تعديل وترشيد للحفاظ على تحقيق اهداف الثورة”.  

السيناريو الثاني: تشكيل حكومة وحدة وطنية

هذا السيناريو يجد صداه لدى أغلب الملاحظين السياسيين وعبر عنه رئيس نداء تونس الباجي قايد السبسي أكثر من مرة بقوله إن “الكل سيشارك ولن يبقى أحد على الطريق”. وهذه الفرضية غير مستبعدة باعتبار وعي حزب نداء تونس بالتحديات الكبيرة التي تنتظره عند مباشرته الحكم خاصة منها الاقتصادية والأمنية التي تتطلب تضافر جميع الجهود لمواجهتها.

وبالتالي فإن النداء سيجد نفسه أمام إلزامية البحث عن تحالفات واسعة ومريحة وبراغماتية يمكن أن تجمع أحزابا متنافسة حتى يضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة.

وقد تضم هذه الحكومة مختلف الأطياف الحزبية باستثناء الجبهة الشعبية التي تحصلت على المرتبة الرابعة من حيث عدد المقاعد (15 مقعدا)، وترفض بصورة قطعية التواجد في حكومة ممثلة فيها حركة النهضة.

وستكون الحكومة مكونة على الأرجح من أربعة أحزاب كبرى في البرلمان، وهي كل من نداء تونس وحركة النهضة وحزب آفاق تونس (المرتبة الخامسة بـ 9  مقاعد) والاتحاد الوطني الحر الذي يترأسه الملياردير الشاب والمثير للجدل سليم الرياحي (المرتبة الثالثة بـ 16  مقعدا).

وفي هذا الاطار تحدثت قيادات حزب نداء تونس عن إمكانية ما اسمته “بالتعايش الحكومي” وهي تقصد به اجتماع عدد من الأحزاب في حكومة وحدة وطنية لكن ليس بالضرورة أن يقوم بينها تحالف سياسي.

خيار يجد صداه لدى أغلب السياسيين والمتتبعين للمسار الانتقالي في تونس ولدى الفاعلين الاقتصاديين، خاصة الرباعي الراعي للحوار الوطني (اتحاد الشغل ، اتحاد الاعراف، عمادة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الانسان). من ذلك ما صرح به رئيس الحكومة المؤقتة مهدي جمعة حين قال “لا بد من حكومة وفاق وطني تواجه التحديات الكبرى لكن القرار يبقى للأغلبية” مؤكدا أن التونسيين “محكومون بحكومة توافق وطني في المستقبل”.

السيناريو الثالث: تحالف ثنائي بين حركة نداء تونس وحركة النهضة

سيناريو محتمل بالنظر إلى عدد المقاعد التي تحصل عليها الحزبان، فالتحالف بينهما يضمن أغلبية مريحة (أكثر من 150 مقعداً) ويعطي للنداء إمكانية الاستغناء عن التحالف مع الجبهة الشعبية وآفاق تونس الرافضين أصلاً التحالف مع النهضة وما يفرضه ذلك من تقديم تنازلات.

وما يعزز إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو هو وجود تسريبات تتحدث عن لقاءات  وصفقات بين الحزبين ترجح التوافق والتحالف على أساس البراغماتية الحزبية.

وهذا السيناريو أيضا يبدو أنه مرحب به  لدى اطراف الحوار الوطني خلال اجتماعهم الاخير، إذ جاء على لسان الامين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي “البلاد لا تتحمل الانتظار أكثر وقد يكون من المصلحة في هذه المرحلة من الديمقراطية الوليدة في تونس تبني خيار الوفاق الذي تحدث عنه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة”.

وفي المدة الاخيرة تداولت صفحات التواصل الاجتماعي صورة جمعت رئيس حركة نداء تونس الباجي قايد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي جنبا إلى جنب صحبة عدد من الشخصيات الأخرى.

الصورة التقطت مساء الجمعة  31 تشرين أول/أكتوبر 2014 في الاحتفالات التي أقامتها سفارة الجزائر بتونس بمناسبة الذكرى 60 لاندلاع ثورة التحرير الوطني.

وقد أثارت هذه الصورة موجة من التعليقات الفيسبوكية، لا سيما في الصفحة الرسمية لراشد الغنوشي، والكثير من التساؤلات والتأويلات ذهبت إلى الحديث عن وجود تدخلات وضغوط أجنبية تدفع إلى إجراء تحالف بين النداء والنهضة.

ولعل ما يثير الشكوك بشأن فرضية هذا التحالف هو إعلان النهضة منذ يومين عدم دعمها لأي مرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة. كما أن ما يجعل هذا التحالف صعبا بالنسبة لنداء تونس هو وجود تيار بداخله يرفض فكرة التحالف مع حزب إسلامي، وبالتالي قد يترتب عن هذا التحالف تصدعات داخل حزب النداء وربما انسحاب لبعض نوابه المنتخبين باسم الحزب، مما يهدد وضعه كأكبر كتلة برلمانية. غير أنه في المقابل سيجنب هذا التحالف بين نداء تونس والنهضة مواجهة معارضة قوية داخل البرلمان.

السيناريو الرابع: تشكيل حكومة تكنوقراط

قد تدفع صعوبة إجراء التحالفات المريحة حزب نداء تونس إلى طرح فكرة “حكومة تكنوقراط مستقلة” يدعمها توافق سياسي من جميع أو معظم الاحزاب البرلمانية ولا تستند إلى غالبية محددة. وترجح مصادر سياسية واسعة الاطلاع عدم قبول النهضة بهذه الفكرة خصوصا إذا كان اختيار وزراء هذه الحكومة  سيتم من قبل حزب نداء تونس نفسه.

سيناريوهات عديدة تقض مضاجع القيادات السياسية خاصة في نداء تونس باعتباره الحزب المهيأ دستوريا لتكوين الحكومة القادمة. لكن الواضح إلى الآن أن الفاعلين السياسيين في تونس على أعتاب مرحلة جديدة، تحكمها تقاليد مغايرة لما ألفه التونسيون، فالمشهد اليوم تتحكم في نسقه حركتان سياسيتان متقاربتان  في القوة ومتضادتان نسبيا.

ولا شك أن المفاوضات العلنية والخفية التي انطلقت ستؤثر وتتأثر أيضا بمجريات الانتخابات الرئاسية القادمة (23 تشرين الثاني/نوفمبر 2014). هذا المخاض قد يطول لأسابيع عديدة اذا ما تم اللجوء إلى دورة رئاسية ثانية.

وبالنظر إلى أحكام الدستور التونسي فإن رئيس الجمهورية الذي سيتم معرفة اسمه في أواخر هذا العام على أقصى تقدير – إذا تطلبت الانتخابات الرئاسية دورة ثانية – سيكلف مرشح الحزب الفائز بأغلب المقاعد بتشكيل الحكومة.